Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-1)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلْعَادِيَاتِ } : جمعُ " عادِيَة " وهي الجاريَةُ بسُرعةٍ ، من العَدْوِ ، وهو المَشْيُ بسُرْعةٍ . والياءُ عن واوٍ لكَسْرِ ما قبلها نحو : الغازِيات من الغَزْوِ . يُقال : عَدا يَعْدُوا عَدْواً ، فهو عادٍ وهي عادِيَةٌ ، وقد تقدَّمَ هذا في المؤمنين . قوله : { ضَبْحاً } فيه أوجهٌ . أحدُها : أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لاسمِ الفاعلِ ؛ فإنَّ الضَّبْحَ نوعٌ من السيرِ والعَدْوِ كالضَّبْع . يقال : ضَبَحَ الفَرَسُ وضَبَعَ ، إذا عدا بشدةٍ ، أَخْذاً مِن الضَّبْع ، وهو الذِّرَاع لأنه يَمُدُّه عند العَدْوِ ، وكأنَّ الحاءَ بدلٌ من العين . وإلى هذا ذهب أبو عبيدةَ . والمبردُ . قالا الضَّبْحُ مِنْ إضباعِها في السَّيْرِ . وقال عنترةُ : @ 4617ـ والخيلُ تعلَمُ حين تَضْـ بَحُ في حِياضِ المَوْتِ ضَبْحاً @@ الثاني : أنه مصدرٌ في موضعِ الحالِ ، أي : ضابحاتٍ ، أو ذوي ضَبْح . والضَّبْحُ : صوتٌ يُسْمَعُ مِنْ صدورِ الخيلِ عند العَدْوِ ، ليس بصَهيلٍ . وعن ابن عباس : انه حكاه فقال : أحْ أحْ . ونُقل عنه : أنه لم يَضْبَحْ من الحيوان غيرُ الخيلِ والكَلْبِ والثعلبِ . وهذا يَنْبغي أَنْ لا يَصِحَّ عنه ، فإنه رُوي أنه قال : سُئِلْتُ عنها ففَسَّرْتُها بالخيل . وكان عليٌّ رضي الله عنه تحت سِقايةِ زمزم فسأله ، وذَكَر له ما قلتُ . فدعاني فلمَّا وقفْتُ على رأسِه قال : " تُفْتي الناسَ بغيرِ علمٍ ، إنَّها لأولُ غزوةٍ في الإِسلام وهي بدرٌ ، ولم يكنْ معنا إلاَّ فَرَسان : فرسٌ للمِقْداد ، وفرسٌ للزُّبَيْر ، والعادياتِ ضَبحْاً : الإِبلُ مِنْ عرفَةَ إلى المزدلفةِ ، ومن المزدلفةِ إلى مِنى " إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ قال بعد ذلك : " فإنْ صَحَّتِ الروايةُ فقد اسْتُعير الضَّبْحُ للإِبِل ، كما اسْتُعير المَشافِرُ والحافِرُ للإِنسان ، والشَّفتان للمُهْر " ونَقَل غيرُه أن الضَّبْحَ يكونُ في الإِبلِ والأسْوَدِ من الحَيَّاتِ والبُومِ والصَّدَىٰ والأرنبِ والثعلبِ والقوسِ . وأنشد أبو حنيفةَ في صفةِ قَوْس . @ 4618ـ حَنَّانَةٌ مِنْ نَشَمٍ أو تالبِ تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثعلبِ @@ وعندي أنَّ هذا مِن الاستعارةِ . ونَقَلَ أهلُ اللغةِ أنَّ أصلَ الضَّبْحِ في الثعلبِ فاسْتُعير للخيلِ ، وهو مِنْ ضَبَحَتْه النارُ : أي غَيَّرت لونَه ولم تُبالغْ فيه . والضَّبْحُ لونٌ يُغَيِّرُ إلى السواد قليلاً . الثالث : من الأوجه : أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ ، أي : تَضْبَحُ ضَبْحاً . وهذا الفعلُ حالٌ من " العاديات " . الرابع : أنَّه منصوبٌ بالعادِيات ، وإنْ كان المرادُ به الصوتَ . قال الزمخشري : " كأنَّه قيل : والضَّابحاتِ لأنَّ الضَّبْحَ يكون مع العَدْوِ " . قال الشيخ : " وإذا كان الضَّبْحُ مع العَدْوِ فلا يكون معنىٰ " والعادياتِ " : والضَّابحاتِ فلا ينبغي أن يُفَسَّرَ به " . قلت : لم يَقُلْ الزمشخريُّ أنه بمعناه ، وإنما جعله منصوباً به ؛ لأنه لازمٌ له لا يُفارِقُه فكأنَّه ملفوظٌ به . وقوله : " كأنه قيل " تفسيرٌ للتلازُمِ ، لا أنه هو هو .