Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 18-18)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { عَلَىٰ قَمِيصِهِ } : في محل نصبٍ على الحال من " الدم " . قال أبو البقاء : " لأنَّ التقدير : جاؤوا بدمٍ كذبٍ على قميصه " ، يعني أنه لو تأخَّر لكان صفةً للنكرة . وهذا الوجهُ قد ردَّه الزمخشري فقال : " فإن قلت : هل يجوز أن تكون حالاً متقدمة ؟ قلت : لا ، لأنَّ حال المجرور لا تتقدَّم عليه " . وهذا الذي رَدَّ به الزمخشريُّ أحدُ قولَي النحاة ، وقد صحَّح جماعةٌ جوازَه وأنشدوا : @ 2754 ـ … فَلَنْ يذهبوا فَرْغاً بقَتْلِ حِبال @@ وقولَ الآخر : @ 2755 لَئِنْ كان بَرْدُ الماءِ هَيْمانَ صادِياً إليَّ حبيباً إنَّها لحبيبُ @@ وقول الآخر : @ 2756 غافلاً تَعْرِضُ المنيَّةُ لِلْمَرْ ءِ فيُدْعَىٰ ولاتَ حينَ إباءُ @@ وقال الحوفي : " إنَّ " على قميصه " متعلقٌ بـ " جاؤوا " ، وفيه نظر ؛ لأن مجيئَهم لا يصحُّ أن يكونَ على القميص . وقال الزمخشري : " فإن قلتَ " على قميصه " ما محلُّه ؟ قلت : محلُّه النصبُ على الظرف ، كأنه قيل : وجاؤوا فوق قميصه بدم ، كما تقول : جاء على جِماله بأَحْمال " . قال الشيخ : " ولا يساعد المعنىٰ على نصب " على " على الظرف بمعنى فوق ، لأنَّ العامل فيه إذ ذاك " جاؤوا " ، وليس الفوقُ ظرفاً لهم ، بل يستحيل أن يكونَ ظرفاً لهم " . وهذا الردُّ هو الذي رَدَدْت به على الحوفي قولَه إنَّ " على " متعلقةٌ بـ " جاؤوا " . ثم قال الشيخ : " وأمَّا المثال الذي ذكره الزمخشري وهو " جاء على جِماله بأَحْمال " فيمكن أن يكونَ ظرفاً للجائي لأنه تمكَّن الظرف فيه باعتبار تبدُّلِه مِنْ جملٍ إلى جمل ، وتكون " بأَحْمال " في موضع الحال ، أي : مضموماً بأحمال " . وقرأ العامَّةُ : " كَذِب " بالذال المعجمة ، وهو من الوصف بالمصادر فيمكن أن يكونَ على سبيل المبالغة نحو : رجلٌ عَدْلٌ أو على حَذْفِ مضافٍ ، أي : ذي كذب ، نَسَبَ فِعْلَ فاعله إليه . وقرأ زيد بن علي " كَذِباً " فاحتمل أن يكون مفعولاً من أجله واحتمل أن يكونَ مصدراً في موضع الحال ، وهو قليلٌ أعني مجيءَ الحالِ من النكرة . وقرأ عائشة والحسن : " كَدِب " بالدال المهملة . وقال صاحبُ اللوامح : " معناه : ذي كَدِب ، أي : أثر ؛ لأنَّ الكَدِبَ هو بياضٌ يَخْرُجُ في أظافير الشباب ويؤثِّر فيها ، فهو كالنقش ، ويُسَمَّىٰ ذلك البياضُ " الفُوْف " فيكون هذا استعارةً لتأثيره في القميص كتأثير ذلك في الأظافير " . وقيل : هو الدمُ الكَدِر . وقيل : الطريُّ . وقيل : اليابس . قوله : { بَلْ سَوَّلَتْ } قبل هذه الجملةِ جملةٌ محذوفة تقديره : لم يأكلْه الذئب ، بل سَوَّلَتْ . وسوَّلت ، أي : زيَّنَتْ وسَهَّلَتْ . قوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يجوز أن يكونَ مبتدأً وخبره محذوفٌ ، أي : صبر جميل أَمْثَلُ بي . ويجوز أن يكون خبراً محذوفَ المبتدأ ، أي : أمري صبرٌ جميل . وهل يجب حَذْفُ مبتدأ هذا الخبر / أو خبر هذا المبتدأ ؟ وضابطُه أن يكونَ مصدراً في الأصل بدلاً مِن اللفظ بفعله ، وعبارة بعضِهم تقتضي الوجوبَ ، وعبارة آخرين الجواز . ومن التصريح بخبر هذا النوعِ . ولكنه في ضرورة شعر قولُه : @ 2757 فقالَتْ على اسمِ اللَّهِ أَمْرُك طاعةٌ وإن كنتُ قد كُلِّفْتُ ما لم أُعَوَّدِ @@ وقولُ الشاعر : @ 2758 يَشْكو إليَّ جَمَلي طولَ السُّرى صَبْرٌ جميلٌ فكِلانا مُبْتَلَىٰ @@ يحتمل أن يكونَ مبتدأً أو خبراً كما تقدَّم . وقرأ أُبَيّ وعيسى بن عمر : " فصبراً جميلاً " [ نصباً ، ورُويت عن الكسائي ، وكذلك هي في ] مصحف أنس بن مالك ، وتخريجها على المصدر الخبري ، أي : أصبرُ أنا صبراً ، وهذه قراءة ضعيفة إن خُرِّجَتْ هذا التخريجَ ، فإن سيبويه لا ينقاس ذلك عنده إلا في الطلب ، فالأَوْلى أن يُجعل التقدير : إنَّ يعقوب رَجَعَ وأَمَر نفسَه فكأنه قال : اصبري يا نفسُ صبراً . ورُوري البيتُ أيضاً بالرفع والنصب على ما تقدَّم ، والأمر فيه ظاهر .