Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 24-24)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى } : جوابُ لولا : إمَّا متقدِّمٌ عليها وهو قوله : " وَهَمَّ بها " عند مَنْ يُجيز تقديمَ جوابِ أدواتِ الشرط عليها ، وإمَّا محذوفٌ لدلالة هذا عليه عند مَنْ لا يَرَىٰ ذلك ، وقد تقدَّم تقريرُ المذهبينِ ومَنْ عُزِيا إليه غيرَ مرة كقولهم : " أنت ظالمٌ إن فعلْتَ " ، أي : إنْ فَعَلْتَ فأنت ظالمٌ ، ولا تقول : إنَّ " أنت ظالمٌ " هو الجوابُ بل دالٌّ عليه ، وعلى هذا فالوقفُ عند قوله : " برهان ربه " والمعنىٰ : لولا رؤيتُه برهانَ ربه لهمَّ بها لكنه امتنع هَمُّه بها لوجودِ رؤيةِ برهان ربه ، فلم يَحْصُل منه هَمٌّ البتة كقولك : " لولا زيدٌ لأكرمتك " فالمعنىٰ أن الإِكرام ممتنعٌ لوجود زيد ، بهذا يُتَخَلَّص من الأشكال الذي يورَدُ وهو : كيف يليق بنبيٍّ أن يَهُمَّ بامرأة ؟ . قال الزمخشري : فإن قلت : قوله " وهمَّ بها " داخلٌ تحت القَسَم في قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } أم خارجٌ عنه ؟ قلت : الأمران جائزان ، ومِنْ حَقِّ القارىء إذا قَصَدَ خروجَه من حكم القَسَم وجَعَلَه كلاماً برأسه أن يَقِفَ على قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ويبتدىء قولَه : { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ } وفيه أيضاً إشعارٌ بالفرق بين الهَمَّيْن . فإن قُلْتَ : لِمَ جَعَلْتَ جَوابَ " لولا " محذوفاً يدلُّ عليه " وهَمَّ بها " وهَلاَّ جَعَلْتَه هو الجوابَ مقدَّماً . قلت . لأنَّ " لولا " لا يتقدَّم عليها جوابُها مِنْ قِبَلِ أنه في حكم الشرط ، وللشرط صدرُ الكلام وهو [ مع ] ما في حَيِّزه من الجملتين مثلُ كلمةٍ واحدة ، ولا يجوز تقديمُ بعضِ الكلمة على بعض ، وأمَّا حَذْفُ بعضها إذا دَلَّ عليه الدليل فهو جائز " . قلت : قوله " وأمَّا حَذْفُ بعضها " إلى آخره جواب عن سؤالٍ مقدرٍ وهو : فإذا كان جوابُ الشرط مع الجملتين بمنزلةِ كلمةٍ فينبغي أنْ لا يُحْذَفَ منهما شيءٌ ، لأن الكلمةَ لا يُحذف منها شيءٌ . فأجاب بأنه يجوز إذا دلَّ دليلٌ على ذلك . وهو كما قال . ثم قال : " فإن قلت : لِمَ جَعَلْتَ " لولا " متعلقةً بـ " هَمَّ بها " وحدَه ، ولم تَجْعَلْها متعلقةً بجملةِ قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } ؟ لأنَّ الهمَّ لا يتعلَّق بالجواهر ولكن بالمعاني ، فلا بد من تقدير المخالطة ، والمخالطةُ لا تكون إلا بين اثنين معاً ، فكأنه قيل : / ولقد هَمَّا بالمخالطة لولا أنْ مَنَعَ مَانعُ أحدِهما . قلت : نِعْم ما قلت ، ولكن اللَّه سبحانه قد جاء بالهمَّين على سبيل التفصيل حيث قال : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } . قلت : والزَّجَّاج لم يرتضِ هذه المقالة ، أعني كون قوله : " لولا " متعلقةً بـ " همَّ بها " فإنه قال : " ولو كان الكلامُ " ولهمَّ بها " لكان بعيداً ، فكيف مع سقوط اللام " ؟ يعني الزجاج أنه لا جائزٌ أن يكونَ " وهمَّ بها " جواباً لـ " لولا " ؛ لأنه لو كان جوابَها لاقترن باللام لأنه مثبت ، وعلى تقدير أنه كان مقترناً باللام كان يَبْعُدُ مِنْ جهةٍ أخرىٰ وهي تقديمُ الجوابِ عليها . وجواب ما قاله الزجاج ما قدَّمْتُه عن الزمخشري من أَنَّ الجوابَ محذوف مدلولٌ عليه بما تقدَّم . وأمَّا قولُه : " ولو كان الكلام " ولهمَّ بها " فغيرُ لازمٍ " ؛ لأنه متى كان جوابُ " لو " و " لولا " مثبتاً جاز فيه الأمران : اللامُ وعَدَمُها ، وإن كان الإِتيان باللامِ وهو الأكثر . وتابع ابنُ عطية الزجاجَ أيضاً في هذا المعنى فقال : " قولُ مَنْ قال : إنَّ الكلام قد تَمَّ في قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتَ بِهِ } وإنَّ جوابَ " لولا " في قوله : " وهمَّ بها " ، وإن المعنى : لولا أن رأىٰ البرهانَ لهَمَّ بها ، فلم يَهُمَّ يوسفُ عليه السلام " قال : " وهذا قول يردُّه لسان العرب وأقوال السلف " أمَّا قولُه : " يردُّه لسان العرب " فليس كذا ؛ لأنَّ وِزانَ هذه الآية وِزانُ قولِه : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] فقوله إن كادَتْ : إمَّا أن يكون جواباً عند مَنْ يرى ذلك ، وإمَّا أن يكونَ دالاً على الجواب ، وليس فيه خروجٌ عن كلام العرب . هذا معنى ما ردَّ به عليه الشيخ . قلت : وكأن ابن عطية إنما يعني بالخروج عن لسانِ العرب تجرُّدَ الجوابِ من اللام على تقدير جواز تقديمِه ، والغرض أن اللامَ لم تُوْجد . قوله : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ } في هذه الكافِ أوجهٌ أحدُها : أنَّها في محلِّ نصب ، فقدَّره الزمخشري : " مثل ذلك التثبيت ثَبَّتناه " . وقَدَّره الحوفي : " أَرَيْناه البراهين بذلك " وقَدَّره ابن عطية : " جَرَتْ أفعالُنا وأقدارُنا كذلك لِنَصْرِفَ " ، وقدَّره أبو البقاء " نُراعيهِ كذلك " . الثاني : أن الكاف في محلِّ رفعٍ ، فقدَّره الزمخشري وأبو البقاء : " الأمر مثل ذلك " . وقدَّره ابن عطية " عِصْمَتُه كذلك " . وقال الحوفي : " أَمْرُ البراهين كذلك " ، ثم قال : " والنصبُ أجودُ لمطالبة حروف الجرِّ للأفعال أو معانيها " . الثالث : أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً ، تقديره : هَمَّتْ به وهمَّ بها كذلك ، ثم قال : " لولا أن رأىٰ برهان ربه لنصرِفَ عنه ما همَّ بها " هذا نصٌّ ابن عطية . وليس بشيءٍ ، إذ مع تسليمِ جواز التقديم والتأخير لا معنى لِما ذكره . وقال الشيخ : " وأقولُ إن التقدير : مثلَ تلك الرؤية أو مثل ذلك الرأي نُرِي براهينَنا لِنَصْرِفَ عنه ، فتجعل الإِشارة إلى الرأي أو الرؤية ، والناصبُ للكاف ممَّا دَلْ عليه قولُه : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ولِنَصْرِفَ متعلِّقٌ بذلك الفعلِ الناصب للكاف . ومصدرُ " رأىٰ " رُؤْية ورَأْي . قال : @ 2765 ورأْيُ عَيْنَيَّ الفتىٰ أباكا يُعطي الجزيلَ فعليك ذاكا " @@ وقرأ الأعمش " ليَصْرِفَ " بياء الغَيبة ، والفاعلُ هو اللَّه تعالىٰ . قوله : { ٱلْمُخْلَصِينَ } قرأ هذه اللفظةَ حيث وَرَدَتْ إذا كانت معرَّفةً بـ أل مكسورةَ اللامِ ابنُ كثير وأبو عمرو وابن عامر ، والباقون بفتحها ، فالكسرُ على اسم الفاعل ، والمفعولُ محذوف تقديره : المخلِصين أنفسَهم أو دينَهم ، والفتح على أنه اسم مفعول مِنْ أَخْلصهم اللَّه ، أي : اجتباهم واختارهم ، أو أَخْلصهم مِنْ كل سوء . وقرأ الكوفيون في مريم { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } [ مريم : 51 ] بفتح اللام بالمعنى المتقدم ، والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم .