Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 2-2)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { رُّبَمَا } { رُبَ } : فيها قولان ، أحدُهما : أنها حرفُ جرٍّ ، وزعم الكوفيون وأبو الحسن وابن الطَّراوة أنها اسم . ومعناها التقليلُ على المشهور . وقيل : تفيد التكثير . وقيل : تفيد التكثير في مواضعِ الافتخار كقوله : @ 29220 - فيا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ بآنسةٍ كأنها خطُّ تِمْثالِ @@ وقد أُجيب عن ذلك : بأنها لتقليل النظير . ودلائلُ هذه الأقوال في النحو . وفيها لغاتٌ كثيرةٌ أشهرها : " رُبَ " بالضم والتشديد ، أو التخفيف ، وبالثانية قرأ نافع وعاصم . و " رَبَ " بالفتح مع / التشديد والتخفيف ، ورُبْ ورَبْ بالضم والفتح مع السكون فيهما . وتتصل تاءُ التأنيث بكلِّ ذلك ، وبالتاء قرأ طلحةُ بن مصرف وزيدُ بن علي : رُبَّتَما . وإذا اتصلت بها التاء جاز فيها الإِسكانُ والفتح كثُمَّت ولات ، فتكثر الألفاظ ، ولها أحكامٌ كثيرةٌ منها : لزومُ تصديرِها ، ومنها تنكيرُ مجرورِها وقوله : @ 2923 - رُبَّما الجامِلِ المُؤَبَّلِ فيهمُ وعَنَاجيجُ بينهنَّ المهَارى @@ ضرورةٌ في رواية مَنْ جَرًّ " الجامِل " . وتَجُرُّ ضميراً لازمَ التفسير بنكرةٍ بعده ، يُستغنى بتثيِتها وجمعِها وتانيثِها عن تثنية الضمير وجمعِه وتأنيثِه كقولِه " @ 2924 - … ورُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِنْ عَطَبِهْ @@ والمطابقةُ نحو : : رُبَّهما رجلين " نادرةٌ . وقد يُعطف على مجرورِها ما أُضيف إلى ضميرِه نحو : " رُبَّ رجلٍ وأخيه " . وها يلزم وَصْفُ مجرورِها ، ومُضِيُّ ما يتعلَّق به ؟ خلاف ، والصحيحُ عدمُ ذلك . فمِنْ مجيئه غيرَ موصوفٍ قولُ هندٍ : @ 2925 - يا رُبَّ قائلةٍ غداً يا لهفَ أمِّ مُعاويهْ @@ ومن مجيء المستقبلِ قولُه : @ 2926 - فإنْ أَهْلَِكْ فربَّ فتىً سيبكيْ عليَّ مهذَّبٍ رَخْصِ البَنانِ @@ وقولُها : " يا رُبَّ قائلةٍ غداً " البيت ، وقول سليم : @ 2927 - ومعتصمٍ بالحيِّ من خشية الرَّدى سيُرْدى وغازٍ مُشْفِقٍ سَيَؤُوب @@ فإنَّ حرف التنفيس و " غداً " خَلَّصاه للاستقبالِ . و " ما " في " رُبما " تحتمل وجهين ، أظهرُهما : أنها المهيِّئَةُ ، بمعنى : أن " رُبَّ " مختصةٌ بالأسماء ، فلمَّا جاءت " ما " هَيَّأت دخولَها على الأفعال . وقد تقدَّم نظيرُ ذلك في " إنَّ " وأخواتها ، وتَكُفُّها أيضاً عن العمل كقولِه : @ 2928 - رُبَّما الجامِلُ المُؤَبَّلُ … … @@ في روايةِ مَنْ رَفَعه ، كما جَرَى ذلك في كاف التشبيه . والثاني : أنَّ " ما " نكرةٌ موصوفةٌ بالجملةِ الواقعة بعدها ، والعائدُ على " ما " محذوفٌ ، تقديره : رُبَّ شيءٍ يَوَدُّه الذين كفروا . وقوله : { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مَنْ لم يلتزمْ مُضِيَّ متعلِّقِها لم يَحْتَجْ إلى تأويلٍ ، ومَنْ التَزَم ذلك قال : لأن المُتَرَقَّب في أخبار الله تعالى واقعٌ لا محالةَ ، فعبَّر عنه بالماضي تحقيقاً لوقوعِه ، كقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] ونحوِه . قوله : { لَوْ كَانُواْ } يجوز في " لو " أن تكونَ الامتناعيةَ ، وحينئذٍ يكون جوابُها محذوفاً . تقديره : لو كانوا مسلمين لسُرُّوا بذلك ، أو لَخَلصوا ممَّا هم فيه . ومفعولُ " يَوَدُّ " محذوفٌ على هذا التقديرِ : أي : رُبَّما يودُّ الذين كفروا النجاةَ ، دَلَّ عليه الجملةُ الامتناعية . والثاني : أنها مصدرية عند مَنْ يرى ذلك كما تقدَّم تقريرُه في البقرة . وحينئذٍ يكون هذا المصدرُ هو المفعولَ للوَدادة ، أي : يَوَدُّون كونَهم مسلمين ، إنْ جعلنا " ما " كافةً ، وإنْ جعلناها نكرةً كانت " لو " وما في حَيِّزِها بدلاً مِنْ " ما " .