Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 112-112)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلْخَوْفِ } : العامَّةُ على جَرِّ " الخوف " نسقاً على " الرجوع " ، ورُوي عن أبي عمرو نصبُه ، وفيه أوجه ، أحدها : أن يُعطف على " لباس " . الثاني : أن يُعْطَفَ على موضعِ " الجوع " ؛ لأنه مفعولٌ في المعنى للمصدرِ . التقدير : " أَنْ أَلْبَسَهم الجوعَ والخوفَ " ، قاله أبو البقاء ، وهو بعيدٌ ؛ لأنَّ اللباسَ اسمُ ما يُلْبَسُ ، وهو استعارةٌ بليغةٌ كما سأنبِّهك عليه . الثالث : أن ينتصِبَ بإضمارِ فعلٍ قاله أبو الفضل الرازي . [ الرابع : أن يكونَ حَذْفِ مضافٍ ، أي : ] ولباس الخوف ، ثم حُذِف وأقيم [ المضافُ إليه ] مُقامَه قاله الزمخشري . ووجه الاستعارةِ ما قاله الزمخشري ، فإنه قال : " فإن قُلْتَ ، الإِذاقةُ واللباسُ استعارتان فما وجهُ صحتِهما ؟ والإِذاقةُ المستعارةُ مُوَقَّعَةٌ على اللباس المستعار فما وجهُ صحةِ إيقاعِها عليه ؟ قلت : الإِذاقَةُ جَرَتْ عندهم مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البلايا والشدائد وما يَمَسُّ الناسَ منها ، فيقولون ، ذاقَ فلانٌ البؤْسَ والضُّرَّ ، وإذاقة العذابُ ، شَبَّه ما يُدْرِكُ مِنْ أثرِ الضررِ والألمِ بما يُدْرِكُ مِنْ طَعْمِ المُرِّ والبَشِع ، وأمَّا اللباسُ فقد شبَّه به لاشتمالِه على اللابسِ ما غَشِيَ الإِنسانَ والتبس به من بعض الحوادث . وأمَّا إيقاعُ الإِذاقةِ على لباسِ الجوعِ والخوفِ فلأنه لمَّا وقع عبارةً عَمَّا يُغْشَى منهما ويُلابَسُ ، فكأنه قيل : فأذاقهم ما غَشِيهم من الجوعِ والخوفِ . ولهم في هذا طريقان ، أحدهما : أن ينظروا فيه إلى المستعار له كما نَظَرَ إليه ههنا ، ونحوُه قول كثيِّر : @ 3020 - غَمْرُ الرِّداءِ إذا تَبَسَّم ضاحكاً غَلِقَتْ لضَحْكَتِهِ رِقابُ المالِ @@ استعار الرداءَ للمعروفِ لأنه يَصُون عِرْضَ صاحبِه صَوْتَ الرداءِ لِما يُلْقى عليه ، ووصفَه بالغَمْرِ الذي هو وصفُ المعروفِ والنَّوال ، لا وصفُ الرداء ، نظراً إلى المستعار له . والثاني : أن ينظروا فيه المستعار كقوله : @ 3021 - يُنازعني رِدائي عَبْدُ عَمْرٍو رُوَيْدَك يا أخا عمرِو بن بكر ليَ الشَّطْرُ الذي ملكَتْ يميني ودونَك فاعْتَجِر منه بِشَطْرِ @@ أراد بردائِه سيفَه ثم قال : " فاعتجِرْ منه بِشَطْر " فنظر إلى المستعارِ في لفظِ الاعتجار ، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقال : " فكساهُمْ لباسَ الجوعِ والخوف " ، ولقال كثِّير : " ضافي الرداءِ إذا تبسَّم " . انتهى . وهذا نهايةُ ما يُقال في الاستعارة . وقال ابن عطية : " لمَّا باشرهم ذلك صار كاللباس ، وهذا كقول الأعشى : @ 3022 - إذا ما الضَّجِيْعُ ثنى جِيْدَها تَثَنَّتْ عليه فكانَتْ لباسا @@ ومثلُه قولُه تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ / لَّهُنَّ } [ البقرة : 187 ] ، ومثلُه قولُ الشاعر : @ 3022 - وقد لَبِسَتْ بعد الزبيرِ مُجاشِعٌ لباسَ التي حاضَتْ ولن تَغْسِل الدَّما @@ كأنَّ العارَ لمَّا باشرهم ولصِقَ بهم كأنهم لَبِسُوه " . وقوله : " فأذاقهم " نظيرُ قولِه تعالى : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] ، ونظيرُ قولِ الشاعر : @ 3023 - دونَكَ ما جَنَيْتَه فاحْسُ وذُقْ @@ وفي قراءةِ عبد الله " فأذاقها اللهُ الخوفَ والجوعَ " ، وفي مصحف أُبَيّ " لباسَ الخوفِ والجوعِ " . وقوله : { بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } أتى بجمعِ القلَّةِ ، ولم يَقُلْ " بِنِعَمِ الله " جمعَ كثرةٍ تنبيهاً بالأدْنى على الأَعْلى ؛ لأنَّ العذابَ إذا كان على كُفْرانِ الشيءِ القليلِ فكونُه على النِّعَم الكثيرةِ أَوْلَى . و " أنْعُم " فيها قولان ، أحدُهما : أنها جمعُ " نِعْمةٍ " نحو : شِدَّة : أَشُدّ . قال الزمخشري : " جمعُ " نِعمة " على تَرْكِ الاعتداد بالتاء كَدِرْع وأَدْرُع " . وقال قطرب : " هي جمع نُعْم ، والنُّعْمُ : النَّعيم ، يقال : " هذه أيامُ طُعْم ونُعْم " . وفي الحديث : " نادى مُنادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالمَوْسِم بمنى : " إنها أيام طُعْمٍ ونُعْمٍ فلا تَصُوموا " . قوله : { بِمَا كَانُواْ } يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً ، أو بمعنى الذي ، والعائدُ محذوفٌ ، أي : بسبب صُنْعهم أو بسببِ الذي كانوا يصنعونه . والواو في " يَصْنعون " عائدةٌ على أهل المعذَّب . قيل : قرية ، وهي نظيرةُ قولِه { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] بعد قولِه { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } .