Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 24-24)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { جَنَاحَ ٱلذُّلِّ } : هذه استِعارةٌ بليغة ، قيل : وذلك أنَّ الطائرَ إذا أراد الطيرانَ نَشَرَ جناحَيْه ورَفَعَهما ليرتفعَ ، وإذا أراد تَرْكَ الطيران خَفَضَ جناحيه ، فجعلَ خَفْضَ الجناحِ كنايةً عن التواضعِ واللِّين . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما معنى جَناح الذُّل ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدُهما : أن يكونَ المعنى : واخفِضْ لهما جناحَك كما قال : " واخفِضْ جناحَك للمؤمنين " فأضافه إلى الذُّل أو الذِّل كما أَضيف حاتمٌ إلى الجودِ على معنى : واخفِضْ لهما جناحَك الذليلَ أو الذَّلولَ . والثاني : أن تَجعلَ لذُلِّه أو لذِلِّه جناحاً خفيضاً ، كما جعل لبيد للشَمال يداً وللقَرَّةِ زِماماً - في قوله : @ 3051 - وغداةِ ريحٍ قد كَشَفْتُ وقَرَّةٍ إذ أصبحَتْ بيدِ الشَمال ؟ ِ زِمامُها @@ مبالَغةً في التذلُّل والتواضع لهما " انتهى . يعني أنه عبَّر عن اللينِ بالذُّلِ ، ثم استعار له جناحاً ، ثم رشَّح هذه الاستعارةَ بأَنْ أمرَه بخفضِ الجَناح . ومِنْ طريفِ ما يُحكى : أن أبا تمام لَمَّا نظَم قوله : @ 3052 - لا تَسْقِني ماءَ المَلام فإنني صَبٌّ قد اسْتَعْذَبْتَ ماء بكائي @@ جاءه رجلٌ بقَصْعةٍ وقال له : أَعْطني شيئاً من ماء المَلام . فقال : حتى تأتيَني بريشةٍ مِنْ جَناح الذُّلِّ " يريد أن هذا مجازُ استعارةٍ كذاك . وقال بعضهم : @ 3053 - أراشُوا جَناحِيْ ثم بَلُّوه بالنَّدى فلم أَسْتَطِعْ مِنْ أَرْضِهم طَيَرانا @@ وقرأ العامَّةُ " الذُّلِّ " بضم الذَّال ، وابن عباس في آخرين بكسرها ، وهي استعارةٌ ؛ لأنَّ الذِّلَّ في الدوابِّ لأنه ضدُّ الصعوبة ، فاستعير للأناسيِّ ، كما أن الذُّلَّ بالضمَّ ضدُّ العِزِّ . قوله : { مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها للتعليل فتتعلق بـ " اخفِضْ " ، أي : اخفِضْ مِن أجل الرحمة . والثاني : أنها لبيانِ الجنس . قال ابنُ عطية : " أي : إنَّ هذا الخفضَ يكون من الرحمة المستكنَّة في النفس " . الثالث : أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ " جَناح " . الرابع : أنها لابتداءِ الغاية . قوله : { كَمَا رَبَّيَانِي } في هذه الكافِ قولان ، أحدهما : أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، فقدَّره الحوفيُّ : " ارْحَمْهما رحمةً مثلَ تربيتِهما لي " . وقدَّره أبو البقاء : " رحمةً مثلَ رحمتِهما " ، كأنه جعل التربيةَ رحمةً . الثاني : أنها للتعليل ، أي : ارْحَمْهما لأجلِ تربيتِهما كقولِه : { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [ البقرة : 198 ] .