Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 36-36)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلاَ تَقْفُ } : العامَّةُ على هذه القراءةِ ، أي : لا تَتَّبِعْ ، مِنْ قفاه يقْفوه إذا تتبَّع أثرَه ، قال النابغة : @ 3062 - ومثلُ الدُّمى شُمُّ العَرانينِ ساكنٌ بهنَّ الحياءُ لا يُشِعْنَ التَّقافيا @@ وقال الكميت : @ 3063 - فلا أَرْمي البريْءَ بغيرِ ذنبٍ ولا أَقْفو الحواصِنَ إن قُفِيْنا @@ وقرأ زيدُ بن عليّ : " ولا تَقْفُو " بإثباتِ الواو ، وقد تقدَّم أن إثباتَ حرفِ العلةِ جزماً لغةُ قوم ، وضرورةٌ عندهم غيرهم كقوله : @ 3064 - … مِنْ هَجْوِ زبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَعِ @@ وقرأ معاذ القارئ " ولا تَقُفْ " بزنةِ تَقُلْ ، مِنْ قاف يَقُوف ، أي : تَتَبَّع أيضاً ، وفيه قولان : أحدُهما : أنه مقلوبٌ مِنْ قفا يَقْفُو ، والثاني - وهو الأظهرُ - أنه لغةٌ مستقلةٌ جيدة كجَبَذَ وجَذَب ، لكثرة الاستعمالين ، ومثله : قَعا الفحلُ الناقةَ وقاعَها . قوله : " والفُؤادَ " قرأ الجَرَّاح العقيلي بفتح الفاء وواوٍ خالصة . وتوجيهُها : أنه أبدل الهمزةَ واواً بعد الضمة في القراءةِ المشهورة ، ثم فتح فاءَ الكلمة بعد البدلِ لأنها لغةٌ في الفؤاد ، يقال : فُؤَاد وفَآد ، وأنكرها أبو حاتمٍ ، أعني القراءةَ ، وهو معذورٌ . والباء في " به " متعلقةٌ بما تَعَلَّق به " لك " ولا تتعلَّق بـ " عِلْم " لأنه مصدر ، إلا عند مَنْ يتوسَّع في الجارِّ . قوله : " أولئك " إشارة إلى ما تقدَّم من السمعِ والبصر والفؤادِ كقوله : @ 3065 - ذُمَّ المنازلَ بعد منزلةِ اللَّوَى والعيشَ بعد أولئك الأيامِ @@ فـ " أولئك " يُشار به إلى العقلاءِ وغيرِهم من الجموع . واعتذر ابنُ عطيةَ عن الإِشارةِ به لغير العقلاءِ فقال : " وعَبَّر عن السمعِ والبصَرِ والفؤاد بـ " أولئك " لأنها حواسُّ لها إدراكٌ ، وجعلها في هذه الآيةِ مسؤولةً فهي حالةُ مَنْ يَعْقِلُ ، ولذلك عَبَّر عنها بكنايةِ مَنْ يَعْقِلُ ، وقد قال سيبويه - رحمه الله - في قوله { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] إنما قال " رأيتُهم " في نحوم ؛ لأنه لَمَّا وصفها بالسجود - وهو فِعْل مَنْ يَعْقِل - عَبَّر عنها بكنايةِ مَنْ يَعْقِلُ . وحكى الزجاج أنَّ العرب تُعَبِّر عَمَّن يَعْقِلُ وعَمَّن لا يَعْقِل بـ " أولئك " ، وأنشد هو والطبري : @ - ذمَّ المنازلَ بعد منزلة اللَّوى والعيشَ بعد أولئكَ الأيامِ @@ وأمَّا حكايةُ أبي إسحاقَ عن اللغةِ فأمرٌ يُوْقَفُ عنده ، وأمَّا البيتُ فالروايةُ فيه " الأقوامِ " . ولا حاجةَ إلى هذا الاعتذارِ لِما عرفْتَ . وأمَّا قولُه : إنَّ الروايةَ : " الأقوامِ " فغيرُ معروفةٍ والمعروفُ إنما هو " الأيَّام " . قوله : { كُلُّ أُولـٰئِكَ } مبتدأٌ ، والجملةُ مِنْ " كان " خبرُه ، وفي اسمِ " كان " وجهان ، أحدُهما : أنه عائدٌ على " كل " باعتبارِ لفظِها ، وكذا الضميرُ في " عنه " ، و " عنه " متعلقٌ بـ " مَسْؤولاً " ، و " مسؤولاً " خبرُها . والثاني : أنَّ اسمَها ضميرٌ يعود على القافي ، وفي " عنه " يعودُ على " كل " وهو من الالتفاتِ ؛ إذ لو جَرَى على ما تقدَّم لقيل : كنتَ عنه مسؤولاً . وقال الزمخشريُّ : و " عنه " في موضع الرفع بالفاعلية / ، أي : كلُّ واحدٍ كان مسؤولاً عنه ، فمسؤول مسندٌ إلى الجارِّ والمجرور كالمغضوبِ في قوله : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } [ الفاتحة : 7 ] . انتهى . وفي تسميته مفعولَ ما لم يُسَمَّ فاعلُه فاعلاً خلافُ الاصطلاح . وقد رَدَّ الشيخ عليه قولَه : بأنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ حكمُه حكمُه ، فلا يتقدَّم على رافعِه كأصلِه . وليس لقائلٍ أَنْ يقولَ : يجوزُ على رأيِ الكوفيين فإنَّهم يُجيزون تقديمَ الفاعلِ ؛ لأنَّ النحاس حكى الإِجماعَ على عدمِ جوازِ تقديمِ القائمِ مقامَ الفاعل إذا كان جارَّاً ومجروراً ، فليس هو نظيرَ قولِه { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } فحينئذٍ يكون القائمُ مقامَ الفاعلِ الضميرَ المستكنَّ العائدَ على " كل " أو على القافي .