Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 12-12)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِنَعْلَمَ } : متعلقٌ بالبعث . والعامَّةُ على نون العظمة جرياً على ما تقدم . وقرأ الزُّهْري " لِيَعْلم " بياء الغَيْبَةِ ، والفاعلُ اللهُ تعالى . وفيه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيْبَة . ويجوزُ أن يكونَ الفاعلُ { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } إذا جَعَلْناها موصولةً كما سيأتي . وقرئ " ليُعْلَمَ " مبنياً للمفعول ، والقائمُ مَقامُ الفاعلِ : قال الزمخشري : " مضمونُ الجملة ، كما أنه مفعولُ العلمِ " . ورَدَّه الشيخ بأنه ليس مذهبَ البصريين . وتقدَّم تحقيقُ هذه أولَ البقرة . وللكوفيين في قيامِ الجملة مَقامَ الفاعلِ أو المفعولِ الذي لم يُسَمَّ فاعلُه : الجوازُ مطلقاً ، والتفصيلُ بين ما يُعلَّق كهذه الآيةِ فيجوزُ ، فالزمخشري نحا نحوَهم على قَوْلَيْهم . وإذا جَعَلْنا { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } موصولةً جاز أَنْ يكونَ الفعلُ مسنداً إليه في هذه القراءةِ أيضاً كما جاز إسناده إليه في القراءةِ قبلها . وقُرِئ " ليُعْلِمَ " بضمِّ الياء ، والفاعلُ الله تعالى ، والمفعولُ الأولُ محذوفٌ ، تقديرُه : ليُعْلِمَ اللهُ الناسَ . و { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } في موضعِ الثاني فقط ، إنْ كانت عِرْفانيةً ، وفي موضعِ المفعولين إن كانَتْ يقينية . قوله : " أَحْصَى " يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أنه أفعلُ تفضيلٍ . وهو خبرٌ لـ " أيُّهم " ، و " أيُّهم " ، استفهاميةٌ . وهذه الجملةُ معلَّقَةٌ للعلمِ قبلَها . و " لِما لَبِثُوا " حال مِنْ " أَمَداً " ، لأنه لو تأخَّر عنه لكان نعتاً له . ويجوز أَنْ تكونَ اللامُ على بابِها من العلَّة ، أي : لأجل أبو البقاء . ويجوز أن تكونَ زائدةً ، و " ما " مفعولةٌ : إمَّا بـ " أَحْصى " على رأيِ مَنْ يُعْمِلُ أفعلَ التفضيل في المفعولِ به ، وإمَّا بإضمارِ فعلٍ . و " أمداً " مفعولُ " لَبِثُوا " أو منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ يَدُلُ عليه أَفْعَلُ عند الجمهور ، أو منصوبٌ بنفسِ أفْعَلَ عند مَنْ يَرى ذلك . والوجه الثاني : أن يكون " أَحْصَى " فعلاً ماضياً . و " أمَداً " مفعولُه ، و " لِمَا لَبثوا " متعلقٌ به ، أو حالٌ مِنْ " أَمَداً " أو اللامُ فيه مزيدةٌ ، وعلى هذا : فَأَمَداً منصوبٌ بـ لَبِثوا . و " ما " مصدريةٌ أو بمعنى الذي . واختار الأولَ - أعني كونَ " أَحْصى " للتفضيل - / الزجاجُ والتبريزي ، واختار الثاني أبو علي والزمخشري وابن عطية . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : فما تقول فيمَنْ جعله مِنْ أفعلِ التفضيلِ ؟ قلت : ليس بالوجهِ السديدِ ، وذلك أنَّ بناءَه مِنْ غيرِ الثلاثي ليس بقياسٍ ، ونحو " أَعْدَى من الجَرَب " و " أفلس من ابن المُذَلَّق " شاذٌّ ، والقياسُ على الشاذِّ في غيرِ القرآن ممتنعٌ فكيف به ؟ ولأنَّ " أَمَداً " : إمَّا أَنْ ينتصِبَ بأفعلَ وأفعلُ لا يعملُ ، وإمَّا أَنْ ينتصِبَ بـ " لبثوا " فلا يَسُدُّ عليه المعنى : فإنْ زعمتَ أني أنصِبُه بفعلٍ مضمرٍ كما أَضْمَرَ في قوله : @ 3129 … وأَضْرَبَ منا بالسيوفِ القَوانِسا @@ فقد أبعدْتَ المتناوَلَ ، حيث أَبَيْتَ أَنْ يكونَ [ " أحصى " ] فعلاً ثم رجعتَ مضطراً إليه " . وناقشه الشيخ قال : " أمَّا دعواه أنه شاذٌّ فمذهبُ سيبويهِ خِلافُه ، وذلك أنَّ أفعلَ فيه ثلاثةُ مذاهبَ : الجوازُ مطلقاً ، ويُعْزى لسيبويه ، والمنعُ مطلقاً ، وهو مذهب الفارسي ، والتفصيلُ : بين أن تكونَ همزتُه للتعديةِ فيمتنعَ ، وبين أَنْ لا تكونَ فيجوزَ ، وهذا ليسَتِ الهمزةُ فيه للتعدية . وأمَّا قولُه : " أَفْعَلُ لا يعمل " فليس بصحيح لأنه يعملُ في التمييز ، و " أَمَداً " تمييزُ لا مفعولٌ به ، كما تقول : زيدٌ أقطعُ الناسِ سيفاً ، وزيد أقطعُ لِلْهامِ سيفاً " . قلت : الذي أحوجَ الزمخشريَّ إلى عَدَمِ جَعْلِه تمييزاً مع ظهوره في بادئ الرأي عدمُ صحةِ معناه . وذلك أنَّ التمييزَ شرطُه في هذا الباب أن تَصِحَّ نسبةُ ذلك الوصفِ الذي قبله إليه ويتصفَ به ، ألا ترى إلى مثاله في قوله : " زيد أقطعُ الناس سيفاً " كيف يَصِحُّ أن يُسْنَدَ إليه فيقال : زيد قَطَعَ سيفُه ، وسيفه قاطع ، إلى غيرِ ذلك . وهنا ليس الإِحصاءُ من صفةِ الأمَد ، ولا تَصِحُّ نسبتُه إليه ، وإنما هو صفات الحزبين ، وهو دقيق . وكان الشيخُ نقل عن أبي البقاء نصبَه على التمييز ، وأبو البقاء لم يذكر نصبَه على التمييز حالَ جَعْلِه " أَحْصَى " أفعلَ تفصيلٍ ، وإنما ذكر ذلك حين ذكر أنه فعلٌ ماضٍ . قال أبو البقاء : " في أحصى وجهان ، أحدُهما : هو فعلٌ ماضٍ ، " وأَمَداً " مفعوله ، و " لِما لَبِثوا " نعتٌ له ، قُدِّم فصار حالاً أو مفعولاً له ، أي : لأجل لُبْثهم . وقيل : اللامُ زائدةٌ و " ما " بمعنى الذي ، و " أَمَداً " مفعولُ " لبثوا " وهو خطأٌ ، وإنما الوجهُ أن يكونَ تمييزاً والتقدير : لما لبثوه . والوجه الثاني : هو اسمٌ و " أَمَداً " منصوبٌ بفعلٍ دَلَّ عليه الاسمُ " انتهى . فهذا تصريحٌ بأنَّ " أَمَداً " حالَ جَعْلِه " أحصى " اسماً ليس تمييزاً بل مفعولاً به بفعلٍ مقدرٍ ، وأنه جعله تمييزاً عن " لبثوا " كما رأيت . ثم قال الشيخ : " وأمَّا قولُه " وأمَّا قولُه " وإمَّا أَنْ يُنْصَب بـ " لبثوا " فلا يَسُدُّ عليه المعنى ، أي : لا يكون معناه سديداً ، فقد ذهب الطبري إلى أنه منصوبٌ بـ " لَبِثوا " . قال ابن عطية : " وهو غيرُ متجهٍ " انتهى . وقد يتجه : وذلك أنَّ الأمدَ هو الغاية ، ويكون عبارةً عن المدةِ من حيث إنَّ المدَّةَ غايةٌ هي أَمَدُ المدة على الحقيقة ، و " ما " بمعنى الذي ، و " أمَداً " منصوبٌ على إسقاط الحرفِ ، وتقديره : لِما لبثوا مِنْ أمدٍ ، مِنْ مدةٍ ، ويصيرُ " مِنْ أمدٍ " تفسيراً لما أُبْهِمَ من لفظ " ما " كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } [ فاطر : 2 ] ولمَّا سقط الحرفُ وصل إليه الفعل " . قلت : يكفيه أنَّ مِثْلَ ابنِ عطية جعله غيرَ متجهٍ ، وعلى تقديرِ ذلك فلا نُسَلِّم أنَّ الطبريَّ عنى نصبَه بلبثوا مفعولاً به بل يجوز أَنْ يكونَ على نصبَه تمييزاً كما قاله أبو البقاء . ثم قال : " وأمَّا قولُه : " فإن زعمت إلى آخره فتقول : لا يُحتاج إلى ذلك ، لأنَّ لقائلِ ذلك أَنْ يذهب مذهبَ الكوفيين في أنه ينصِبُ " القوانسَ " بنفس " أَضْرَبُ " ولذلك جعل بعضُ النحاة أنَّ " أعلم " ناصبٌ لـ " مَنْ " في قوله : " أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ " ، وذلك لأنَّ أَفْعَلَ مضمَّنٌ لمعنى المصدر إذ التقدير : يزيد ضربُنا القوانسَ على ضَرْبِ غيرنا " . قلت : هذا مذهبٌ مرجوحٌ ، وأفعلُ التفصيلِ ضعيفٌ ولذلك قَصُرَ عن الصفةِ المشبهةِ باسمِ الفاعلِ ، حيث لم يؤنَّثْ ولم يُثنَّ ولم يُجْمع . وإذا جعلنا " أَحْصَى " اسماً فجوَّز الشيخ في " أيّ " أن تكونَ الموصولةَ ، و " أَحْصَى " خبرٌ لمبتدأ محذوف هو عائدُها ، وأنَّ الضمةَ للبناء على مذهبِ سيبويهِ لوجودِ / شرطِ البناءِ وهو أضافتُها لفظاً ، وحَذْفُ صدرِ صلتِها ، وهذا إنما يكون على جَعْلِ العِلْم بمعنى العرفان ، لأنه ليس في الكلام إلا مفعولٌ واحدٌ ، وتقديرُ آخرُ لا حاجةَ إليه . إلا أنَّ في إسنادِ " عَلِمَ " بمعنى عَرَف إلى الله تعالى إشكالاً تقدَّم تحريرُه في الأنفال وغيرِها . وإذا جَعَلْناه فعلاً امتنع أن تكونَ موصولةً إذ لا وجهَ لبنائها حينئذٍ وهو حسن .