Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 125-125)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } : " إذ " عَطْفٌ على " إذْ " قبلَها ، وقد تقدَّم الكلامُ فيها ، و " جَعَلْنا " يحتمل أن يكونَ بمعنى " خَلَقَ " و " وَضَعَ " فيتعدَّى لواحدٍ وهو " البَيْت " ، ويكون " مَثَابةً " نصباً على الحالِ ، وأن يكونَ بمعنى صَيَّر فيتعدَّى لاثنين ، فيكون " مثابةً " هو المفعولُ الثاني . والأصلُ في " مَثَابة " مَثْوَبة ، فَأُعِلَّ بالنقلِ والقلبِ ، وهل هو مصدرٌ أو اسمُ مكانٍ قولان ؟ وهل الهاءُ فيه للمبالغةِ كعَلاَّمة ونسَّابة لكثرةِ مَنْ يَثُوب إليه أي يرجع أو لتأنيث المصدرِ كمقامة أو لتأنيثِ البقعة ؟ ثلاثةُ أقوال ، وقد جاء حَذْفُ هذه الهاءِ قال ورقة بن نوقل : @ 712 مَثَابٌ لأَفْناءِ القبائلِ كلِّها تَخُبُّ إليها اليَعْمَلاتُ الذَّوامِلُ @@ وقال : @ 713 جَعَلَ البيتَ مثاباً لهُمُ ليس منه الدهرَ يَقْضُون الوطَرْ @@ وهل معناه من ثابَ يَثُوب أي : رَجَع ، أو من الثوابِ الذي هو الجزاء ؟ قولان أظهرُهما أوَّلُهما . وقرأ الأعمش وطلحة : " مَثَابَاتٍ " جَمْعاً ، ووجهُه أنه مثابةٌ لكلِّ واحدٍ من الناس . قوله : { لِّلنَّاسِ } فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لمثابة ومَحَلُّه النصبُ . والثاني : أنه متعلِّقٌ بجَعَلَ أي : لأجلِ الناسِ يعني مناسكَهم . قوله : { وَأَمْناً } فيه وجهان ، أحدُهما : أنه عَطْفٌ على " مَثَابة " وفيه التأويلاتُ المشهورةُ : إمَّا المبالغةُ في جَعْلِه نفس المصدر ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي : ذا أَمْن ، وإمَّا على وقوعِ المصدرِ موقعَ اسمِ الفاعل أي : آمِنَاً ، على سبيل المجاز كقوله : " حَرَماً آمِناً " . والثاني : أنه معمولٌ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه : وإذ جَعَلْنَا البيتَ مثابةً فاجْعَلوه آمِناً لا يعتدي فيه أحدٌ على أحد . والمعنى : أن الله جَعَلَ البيتَ محترماً بحكمه ، وربما يُؤَيَّد هذا بقراءَةِ : " اتَّخِذُوا " على الأمرِ فعلى هذا يكونُ " وأَمْناً " وما عَمِل فيه من باب عطفِ الجملِ عُطِفَت جملةٌ أمريةٌ على خبريةٍ ، وعلى الأول يكون من عطف المفردات . قوله : { وَٱتَّخِذُواْ } قرأ نافعٌ وابنُ عامر : " واتَّخذوا " فعلاً ماضياً على لفظ الخبر ، والباقون على لفظِ الأمرِ . فأمَّا قراءةُ الخبرِ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ : أحدُها : أنه معطوفٌ على " جَعَلْنا " المخفوض بـ " إذ " تقديراً فيكون الكلامُ جملةً واحدةً . الثاني : أنه معطوفٌ على مجموعِ قولِه : " وإذ جَعَلْنا " فيحتاجُ إلى تقديرِ " إذ " أي : وإذ اتخذوا ، ويكون الكلامُ جملتين . الثالث : ذكره أبو البقاء أن يكونَ معطوفاً على محذوفٍ تقديرُه : فثابوا واتخذوا . وأمَّا قراءةُ الأمرِ ففيها أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنَّها عَطفٌ على " اذكروا " إذا قيل بأنَّ الخطابَ هنا لبني إسرائيل ، أي : اذكروا نعمتي واتخذوا . والثاني : أنها عطفٌ على الأمر الذي تَضَمَّنه قولُه : " مثابةً " كأنه قال : ثُوبوا واتَّخِذوا ، ذكرَ هذين الوجهين المهدوي . الثالث : أنه معمولٌ لقولٍ محذوفٍ أي : وقُلْنا اتَّخِذوا إن قيل بأنَّ الخطابَ لإِبراهيمَ وذرّيَّتِه أو لمحمدٍ عليه السلام وأمَّتِه . الرابع : أن يكونَ مستأنفاً ذكرَه أبو البقاء . قوله : { مِن مَّقَامِ } في " مِنْ " ثلاثة أوجه : أحدُها : أنها تبعيضيةٌ وهذا هو الظاهرُ . الثاني : أنها بمعنى في . الثالث : أنها زائدةٌ على قولِ الأخفش . وليسا بشيء . والمَقامُ هنا مكانُ القيامِ ، وهو يَصْلُح للزمانِ والمصدر أيضاً واصلُه : " مَقْوَم " فأُعِلَّ بنَقْلِ حركةِ الواوِ إلى الساكنِ قبلَها وقَلْبِها ألفاً ، ويُعَبَّرُ به عن الجماعةِ مجازاً كما يُعَبَّر عنهم بالمجلسِ قال زهير : @ 714 وفيهمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وجوهُهمْ وأَنْدِيَةٌ يَنْتابُها القولُ والفِعْلُ @@ قوله : { مُصَلًّى } مفعولُ " اتَّخِذُوا " ، وهو هنا اسمُ مكانٍ أيضاً ، وجاءَ في التفسير بمعنى قِبْلة . وقيل : هو مصدرٌ : فلا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي : مكانَ صلاة ، وألفهُ منقلبةٌ عن واوٍ ، والأصلُ : " مُصَّلَّوَ " لأنَّ الصلاةَ من ذواتِ الواوِ كما تقدَّم أولَ الكتابِ . قوله : { وَإِسْمَاعِيلَ } إسماعيل عَلَمٌ أعجميٌّ وفيه لغتان : اللام والنونُ وعليه قولُ الشاعر : @ 715 قال جواري الحَيِّ لمَّا جِينا هذا وربِّ البيتِ إسماعينا @@ ويجمع على : سَماعِلة وسَماعيل وأساميع . ومن أَغْرَبِ ما نُقِلَ في التسمية به أنَّ إبراهيمَ عليه السلام لمَّا دعا الله أَنْ يرزقَه ولداً كان يقول : اسْمَعْ إيل اسْمَعْ إيل ، وإيل هو الله تعالى فَسَمَّى ولدُه بذلك . قوله : { أَن طَهِّرَا } يَجوزُ في " أَنْ " وَجْهان ، أحدُهما أنَّها تفسيريةٌ لجملةِ قولِه : " عِهِدْنا " فإنَه يتضمَّنُ معنى القولِ لأنَّه بمعنى أَمَرْنا أو وَصَّيْنا فهي بمنزلةِ " أي " التي للتفسيرِ ، وشرطُ " أَنْ " التفسيريةِ أَنْ تَقَعَ بعدما هو بمعنى القولِ لا حروفِه . وقال أبو البقاء : " والمفسِّرةُ تقعُ بعد القولِ وما كان في معناه . وقد غَلِطَ في ذلك ، وعلى هذا فلا محلَّ لها من الإِعرابِ . والثاني : أن تكونَ مصدريةً وخَرَجَتْ عن نظائرِها في جوازِ وَصْلِها بالجملةِ الأمريَّة قالوا : " كتبْتُ إليه بأَنْ قُمْ " وفيها بحثٌ ليس هذا موضعَه ، والأصلُ : بأَنْ طَهِّرا ، ثم حُذِفَتِ الباءُ فيَجيءُ فيها الخلافُ المشهورُ من كونِها في محل نصبِ أو خفضٍ . و " بيتي " مفعولٌ به أُضيف إليه تعالى تشريفاً . والطائفُ اسم فاعلٍ من طَاف يَطُوف ، ويقال : أَطَاف رباعياً ، قال : @ 716 - أَطَافَتْ به جَيْلانُ عند قِطاعِه … @@ وهذا من باب فَعَل وأَفْعَل بمعنىً . والعُكوفُ لغةً : اللزومُ والَّلْبثُ ، قال : @ 717 - … عليه الطيرُ ترقبُه عُكوفا @@ وقال : @ 718 - عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُون الفَنْرَجا @@ ويقال : عَكَفَ يَعْكُف ويعكِف ، بالفتحِ في الماضي والضمِّ والكسرِ في المضارع ، وقد قُرِىء بهما . و " السجودُ " يجوز فيه وجهان ، أحدُهُما : أنه جمع ساجِد نحو : قاعِد وقُعود ، وراقِد ورُقُود ، وهو مناسبٌ لِما قبله . والثاني : أنه مصدرٌ نحو : الدُّخول والقُعُود ، فعلى هذا لا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي : ذوي السجودِ ذكرَه أبو البقاء . وعَطَفَ أحد الوصفينِ على الآخر في قوله : الطائفين والعاكفين لتباينِ ما بينهما ، ولم يَعْطِفْ إحدى الصفتينِ على الأخرى في قوله : الرُّكَّعِ السجودِ ، لأنَّ المرادَ بهما شيءٌُ واحدٌ وهو الصلاةُ إذ لو عَطَفَ لَتُوُهِّم أنَّ كلَّ واحدٍ منهما عبادةٌ على حِيالها ، وجَمَعَ صفتين جَمْع سلامة وأُخْرَيَيْنِ جمع تكسيرٍ لأجلِ المقابلةِ وهو نوعٌ من الفَصاحةِ ، وأخَّر صيغةَ فُعول على فُعَّلَ لأنها فاصلة .