Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 150-150)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِئَلاَّ يَكُونَ } : هذه لامُ كي بعدها " أَنْ " المصدريةُ الناصبةُ للمضارعِ ، و " لا " نافيةٌ واقعةٌ بين الناصبِ ومنصوبِهِ ، كما تقعُ بين الجازمِ ومجزومِه نحوَ : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ } [ الأنفال : 73 ] ، و " أَنْ " هنا واجبةُ الإِظهارِ ، إذ لو أُضْمِرَتْ لَثَقُلَ اللفظُ بتوالي لامَيْنِ ، ولامُ الجرِّ متعلقةٌ بقولِه : " فَوَلُّوا وجوهَكم " . وقال أبو البقاء : متعلقةٌ بمحذوفٍ تقديرُه : فَعَلْنا ذلك لئلاَّ ، ولا حاجةَ إلى ذلك ، و " للناس " خبرٌ لـ " يكون " مُقَدَّمٌ على اسمها ، وهو " حُجَّةٌ " و " عليكم " في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، لأنَّه في الأصلِ صفةُ النكرةِ ، فلمّا تقَدَّم عليها انتصَبَ حالاً ، ولا يتعلَّقُ بـ " حُجَّة " لئلا يَلْزَمَ تقديمُ معمولِ المصدر عليه ، وهو ممتنعٌ ، لأنَّه في تأويلِ صلةٍ وموصولٍ ، وقد قالَ بعضُهم : " يتعلَّق بحُجَّة " وهو ضعيفٌ . ويجوزُ أن يكونَ " عليكم " خبراً ليكون ، ويتعلَّقُ " للناسِ " بـ " يكون " على رَأْي مَنْ يَرَى أنَّ كان الناقصةَ تعملُ في الظرفِ وشِبْهِه ، وذكَّرِ الفعلَ في قوله " يكونَ " ؛ لأنَّ تأنيثَ الحجة غيرُ حقيقي ، وحَسَّن ذلك الفصلُ أيضاً . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } قرأ الجمهور " إلاَّ " بكسرِ الهمزةِ وتشديدِ اللام ، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد بفتحِها وتخفيفِ اللامِ على أنها للاستفتاح . فأما قراءة الجمهور فاختلف النحويون / في تأويلها على أربعةِ أقوال أظهرُها : - وهو اختيارُ الطبري ، وبدأ به ابن عطية ، ولم يذكر الزمخشري غيرَه - أنه استثناء متصلٌ ، قال الزمخشري : " ومعناه لئلا يكونَ حجةٌ لأحدٍ من اليهودِ إلا للمعانِدِين منهم القائلينَ : ما ترك قبلتنا إلى الكعبةِ إلا مَيْلاً لدين قومه وحُبَّاً لهم ، وأَطلْق على قولِهم " حجة " لأنهم ساقُوه مَساقَ الحُجّة . وقال ابن عطية : " المعنى أنه لا حجة لأحدٍ عليكم إلا الحجةُ الداحضةُ للذين ظلموا من اليهود وغيرِهم الذين تكلَّموا في النازلة ، وسمَّاها حُجَّة ، وحكم بفسادها حين كانت من ظالم " . الثاني : انه استثناءٌ منقطعٌ فيُقَدَّر بـ " لكن " عند البصريين وببل عند الكوفيين لأنه استثناءٌ مِنْ غيرِ الأولِ والتقديرُ : لكنَّ الذين ظلموا فإنَّهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبْهَة يَضَعونَها موضعَ الحُجَّةِ . ومثارُ الخلافِ هو : هل الحُجَّةُ هو الدليلُ الصحيحُ أو الاحتجاجُ صحيحاً كان أو فاسداً ؟ فعلى الأولِ يكونُ منقطعاً وعلى الثاني يكون متصلاً . الثالث : - وهو قولُ أبي عبيدة - أن " إلاَّ " بمعنى الواو العاطفةِ ، وجَعَلَ من ذلك قولَه : @ 774 وكلُّ أخٍ مُفَارِقُه أَخوه لَعَمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدان @@ وقولِ الآخر : @ 775 ما بالمدينةِ دارٌ غيرُ واحدةٍ دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا @@ تقديرُ ذلك عنده : " ولا الذين ظلموا - والفرقدان - ودار مروان " وقد خَطَّأه النحاةُ في ذلك كالزجاج وغيره . الرابع : أنَّ " إلا " بمعنى بَعْدَ ، أي : بعد الذين ظلموا ، وجعل منه قولَ الله تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } [ الدخان : 56 ] ، وقولَه تعالى : { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 ] تقديرُه : بعد الموتةِ وبعدَ ما قد سَلَف ، وهذا من أفسدِ الأقوالِ وأنْكَرِها وإنما ذكرْتُه لغرضِ التنبيه على ضَعْفِه . و " الذين " في محلِّ نصب على الاستثناءِ ، على القَوْلين اتصالاً وانقطاعاً . وأجاز قطرب أن يكونَ في موضع جَرٍّ بدلاً من ضمير الخطابِ في " عليكم " ، والتقديرُ : لئلا تَثْبُتَ حُجَّةٌ للناسِ على غيرِ الظالمين منهم ، وهو أنتم أيها المخاطبون بتوليةِ وجوهِكِم إلى القبلة ، ونُقِلَ عنه أنه كان يقرأ : { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ } كأنه يكرر العاملَ في البدلِ على حِدِّ قوله : { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 75 ] وهذا عند جمهورِ البصريين ممتنعٌ ، لأنه يؤدِّي إلى بدلِ ظاهرٍ من ضميرِ حاضرٍ بدلِ كلٍّ مِنْ كلٍّ ، ولم يُجِزْه من البصريين إلا الأخفشُ ، وتأوَّل غيرُه ما وَرَدَ من ذَلك . وإمَّا قراءةُ ابن عباس فـ " ألا " للاستفتاح ، وفي محلِّ " الذين " حينئذٍ ثلاثة أوجهٍ ، أظهرُها : أنه مبتدأٌ وخبرُه قولُه : " فلا تَخْشَوْهم " وإنما دَخَلَتِ الفاءُ في الخبرِ لأنَّ الموصلَ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ ، والماضي الواقعُ صلةً مستقبلٌ معنىً ، كأنه قيل : مَنْ يظلمُ الناسَ فلا تَخْشَوهم ، ولولا دخولُ الفاءِ لترجَّحَ النصبُ على الاشتغال ، أي : لاَ تَخْشَوا الذين ظلموا لا تَخْشَوْهم . الثاني : أن يكون منصوباً بإضمارِ فعلٍ على الاشتغال ، وذلك على قول الأخفش فإنه يجيز زيادةَ الفاءِ . الثالث - نقله ابن عطية - : أن يكونُ منصوباً على الإِغراء . ونُقِلَ عن ابن مجاهد أنَّه قرأ : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وجعل " إلى " حرفَ جر متأولاً لذلك بأنَّها بمعنى مع ، والتقديرُ : لئلا يكونَ للناسِ عليكم حجُةٌ مع الذين ، والظاهرُ أنَّ هذا الروايَ وقع في سَمْعِهِ " إلا الذين " بتخفيف " إلا " فاعتقَدَ ذلك فيها ، وله نظائرُ مذكورةٌ عندهم " . و " منهم " في محلِّ نصبٍ على الحالِ فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، ويحتمل أَنْ تكونَ " مِنْ " للتبعيضِ وأن تكونَ للبيان . قوله : { وَلأُتِمَّ } فيه أربعةُ أوجهٍ ، أَظْهَرُها : أنه معطوفٌ على قوله " لئلا يكونَ " كأن المعنى : " عَرَّفْناكم وجهَ الصوابِ في قبلتِكم والحُجَّم لكم لانتفاءِ حُجَجِ الناس عليكم ولإِتمام النعمةِ ، فيكونُ التعريفُ مُعَلَّلاً بهاتين العلَّتين ، والفصلُ بالاستثناءِ وما بعدَه كلا فصلٍ إذ هو من متعلِّقِ العلةِ الأولى . الثاني : أنه معطوفٌ على علةٍ محذوفةٍ وكلاهما معلولُها الخَشْيَةُ السابقةُ ، فكأنه قيل : واخْشَوْني لأَوفِّيَكم ولأُتِمَّ نعمتي عليكم . الثالث : أنه مُتعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ مقدرٍ بعدَه تقديرُه : " ولأتمَّ نعمتي عليكم عَرَّفْتُكم أمرَ قِبْلَتِكم . الرابع : وهو أضعفُها - أن تكونَ متعلقةً بالفعلِ قبلَها ، والواوُ زائدة ، تقديرُه : واخشَوْنِي لأُتِمَّ نعمتي . وهذه لامُ كي وأنْ مضمرةٌ بعدَها ناصبةٌ للمضارعِ فينسبكُ منها مصدرٌ مجرورٌ باللامِ ، وتقدَّم تحقيقُه ، و " عليكم " فيه وجهان ، أحدُهما : أن يتعلقَ بأُتِمَّ ، والثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من نعمتي ، أي : كائنةً عليكم .