Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 16-16)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولُه تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } : " أولئك " رفعٌ بالابتداءِ والذين وصلتُه خبرُه ، وقولُه تعالى : { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } هذه الجملةُ عطفٌ على الجملةِ الواقعةِ صلةً ، وهي " اشْتَرَوْا " وزعم بَعضُهم أنها خبرُ المبتدأ ، وأنَّ الفاءَ دَخَلَتْ في الخَبرِ لِما تَضَمَّنه الموصولُ من معنى الشرط ، وجعل ذلك نظيرَ قوله : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } [ البقرة : 274 ] ثم قال : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } وهذا وَهْمٌ ، لأنَّ الذين اشتروا ليس مبتدأ حتى يُدَّعَى دخولُ الفاءِ في خبره ، بل هو خبرٌ عن " أولئك " كما تقدَّم . فإنْ قيل : يكونُ الموصولُ مبتدأً ثانياً فتكونُ الفاءُ دَخَلَتْ في خبره فالجوابُ أنه يلزم مِن ذلك عدمُ الربطِ بين المبتدأ والجملة الواقعةِ خبراً عنه ، وأيضاً فإنَّ الصلَةَ ماضيةٌ معنى . فإنْ قيل : يكونُ " الذين " بدلاً من " أولئك " فالجوابُ أنه يصير الموصولُ مخصوصاً لإِبداله من مخصوصٍ ، والصلة أيضاً ماضيةٌ . فإن قيل : يكونُ " الذين " صفةً لأولئك ويصيرُ نظيرَ قولك : " الرجلُ الذي يأتيني فله درهمٌ " فالجوابُ : أنه مردودٌ بما رُدَّ به السؤالُ الثاني ، وبأنه لا يجوز أن يكونَ وصفاً له لأنه أعرفُ منه فبانَ فسادُ هذا القول . والمشهورُ ضَمُّ واو " اشتروا " لالتقاءِ الساكنين ، وإنما ضُمَّتْ تشبيهاً بتاءِ الفاعل . وقيل : للفرقِ بين واوِ الجمع والواوِ الأصليةِ نحو : لو استطعنا . وقيل : لأن الضمة هنا أخفُّ من الكسرةِ لأنها من جنسِ الواو . وقيل حُرِّكَتْ بحركة الياءِ المحذوفةِ ، فإنَّ الأصلَ اشْتَرَيُوا كما سيأتي . وقيل هي للجمع فهي مثل : نحن . وقُرئ بكسرِها على أصلِ التقاء الساكنين ، وبفتحِها : لأنه أخفُّ . وأجاز الكسائي همزَها تشبيهاً لها بأَدْؤُر وأَثْؤُب وهو ضعيف ، لأن ضمَّها غيرُ لازمٍ ، وقال أبو البقاء : " ومِنهم مَنْ يَخْتَلِسُها ، فيحذِفُها لالتقاءِ الساكنين وهو ضعيفٌ جداً ؛ لأن قبلها فتحةً والفتحةُ لا تَدُلُّ عليها " . وأصل اشْتَرَوا : اسْتَرَيُوا ، فتحرَّكت الياءُ وانفتح ما قبلها ، فقُلِبَتْ ألفاً ، ثم حُذِفَتْ لالتقاءِ الساكنين ، وبَقِيَتِ الفتحةُ دالَّةً عليها ، وقيل : بل حُذِفَت الضمة من الياءِ فَسَكَنَتْ ، فالتقى ساكنان ، فَحُذِفَت الياءُ لالتقائِهما . فإن قيل : فواوُ الجمع قد حُرِّكَت فينبغي أن يعودَ الساكنُ المحذوفُ ، فالجوابُ أن هذه الحركةَ عارضةٌ ، فهو في حكمِ الساكنِ ، ولم يجيءْ ذلك إلا في ضرورةِ شعرٍ ، أنشد الكسائي : @ 202ـ يا صَباحِ لَمْ تنامِ العَشِيَّا @@ فأعاد الألفَ لمَّا حُرِّكَتِ الميمُ حَركةً عارضةً . و " الضلالةَ " مفعولُه ، و " بالهدى " متعلِّق بـ " اشتروا " ، والباءُ هنا للعِوض وهي تدخلُ على المتروكِ أبداً . فأمَّا قولُه تعالى : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } [ النساء : 74 ] فإنَّ ظاهرَه أنَّ الآخرة هي المأخوذةُ لا المتروكةُ ، فالجوابُ ما قاله الزمخشري رحمه الله تعالى من أن المرادَ بالمُشترين المُبْطِئُون وُعِظُوا بأَنْ يُغَيِّروا ما بهم من النفاقِ ويُخْلِصوا الإِيمانَ بالله تعالى وسولِه ويجاهدوا في الله حَقَّ الجهادِ ، فحينئذ إنما دخلتِ الباءُ على المتروكِ . والشراءُ هنا مجازٌ عن الاستبدالِ بمعنى أنهم لَمَّا تَرَكوا الهدى ، وآثروا الضلالةَ ، جُعِلوا بمنزلة المشترين لها بالهدى ، ثُم رُشِّح هذا المجازُ بقولِه تعالى : { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } فَأَسْنَدَ الربحَ إلى التجارةِ ، والمعنى : فما ربحوا في تجارتهم ، ونظيرُ هذا الترشيحِ قولُ الآخر : @ 203ـ بكى الخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وأنكرَ جِلْدَه وَعجَّتْ عَجيجاً من جُذامَ المَطارِفُ @@ لمَّا أَسْنَدَ البكاءَ إلى الخَزِّ من أجل هذا الرجل وهو رَوْحٌ وإنكارِه لجِلْده مجازاَ رشَّحه بقوله : " وعَجَّت المَطارِف من جُذام " أي : استغاثت الثياب من هذه القبيلة ، وقولُ الآخر : @ 204ـ ولَمَّا رأيتُ النَّسْرَ عَزَّ ابنُ دايةٍ وعَشَّشَ في وَكْرَيْهِ جاشَ له صَدْري @@ لمَّا جَعَلَ النَّسْرَ عبارةً عن الشيب ، وابنَ دايةَ وهو الغرابُ عبارةً / عن الشباب مجازاً رشَّحه بقوله : " وعَشَّشَ في وَكْريه " ، وقولُ الآخر : @ 205ـ فما أُمُّ الرُّدَيْنِ وإنْ أَدَلَّتْ بعالمةٍ بأخلاقِ الكرامِ إذا الشيطانٌ قصَّع في قَفاها تَنَقَّفْناه بالحَبْل التُّؤامِ @@ لمَّا قال : " قصَّع في قفاها " أي دخل من القاصعاء وهي جُحْر من جُحْرة اليَرْبوع رشَّحه بقولِه : " تَنَقَّفْناه " أي : أخرجناه من النافِقاء ، وهي أيضاً من جُحْرة اليربوع . قوله تعالى : { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } هذه الجملةُ معطوفةٌ على قوله : { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } ، والرِّبْحُ : الزيادةُ على رأس المال ، والمهتدي : اسم فاعل من اهتدى ، وافتعل هنا للمطاوعة ، ولا يكونُ افْتَعَل للمطاوعة إلا من فِعْلٍ متعدٍ . وزعم بعضُهم أنه يجيء من اللازم ، واستدلَّ على ذلك بقول الشاعر : @ 206ـ حتى إذا اشْتَال سُهَيْلٌ في السِّحَرْ كشُعلةِ القابِس تَرْمِي بالشَّرَرْ @@ قال : " فاشْتال افْتَعَل لمطاوعة " شَال " وهو لازمٌ " ، وهذا وَهْمٌ من هذا القائل ، لأن افتعلَ هنا ليس للمطاوعةِ ، بل بمعنى فَعَل المجردِ .