Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولُه تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ } : الجمهورُ على فتح تاءِ المضارعةِ ، وقرأ الأعمش بضمِّها من : أنكَحَ الرباعي ، فالهمزةُ فيه للتعديةِ ، وعلى هذا فأحدُ المفعولين محذوفٌ ، وهو المفعولُ الأولُ لأنه فاعلٌ معنىً تقديرُهُ : ولا تُنْكِحُوا أنفسَكم المشركاتِ . والنكاحُ في الأصلِ عند العرب : لزومُ الشيءِ والإِكبابُ عليه ، ومنه : " نَكَح المطرُ الأرضَ " ، حكاه ثعلب عن أبي زيد وابن الأعرابي . وقيل : أصلُه المداخَلَةُ ومنه : تناكَحَت الشجر : أي تداخلت أغصانُها ، ويُطْلق النكاح على العَقْد كقوله : @ 947 ولا تَقْرَبَنَّ جارةً إنَّ سِرَّها حرامٌ عليك فانِكحَنْ أو تأبَّدا @@ أي : فاعقد أو توحَّشْ وتجَنَّبِ النساء . ويُطْلَقُ أيضاً على الوَطْءِ كقوله : @ 948 البارِكينَ على ظهورِ نِسْوَتِهِمْ والناكحينَ بِشَطْءِ دجلةَ البَقَرَا @@ وحكى الفراء " نُكُح المرأةِ " بضمِّ النونِ على بناء " القُبُل " و " الدُّبُر " ، وهو بُضْعُها ، فمعنى قولِهم : " نَكَحَها " أي أصابَ ذلك الموضعَ ، نحو كَبَده : أي أصابَ كَبِدَه ، وقلَّما يقال : ناكحها ، كما يقال باضَعَهَا . وقال أبو علي : " فَرَّقَتِ العربُ بين العَقْد والوطء بفرق لطيف ، فإذا قالوا : " نكح فلانٌ فلانةً " أو ابنةَ فلان أرادوا عقدَ عليها ، وإذا قالوا : نَكَحَ امرأتَه أو زوجته فلا يريدون غير المجامعَةِ وهل إطلاقُهُ عليهما بطريق الحقيقةِ فيكونُ من باب الاشتراكِ أو بطريق الحقيقة والمجاز ؟ الظاهر : الثاني : فإنَّ المجازَ خيرٌ من الاشتراكِ ، وإذا قيلَ بالحقيقةِ والمجاز فإنهما حقيقة : ذهب قومٌ إلى أنه حقيقةٌ في الوطء وذهبَ قومٌ إلى العكس . قال الراغب : " أصلُ النكاحِ للعقدِ ثم استُعِيرَ للجِماع ، ومُحالٌ أن يكونَ في الأصلِ للجماعِ ثم استُعير للعقد ، لأنَّ أسماءَ الجماعِ كلَّها كناياتٌ لاستقباحِهم ذِكْرَه كاستقباحِهم تعاطِيه ، ومُحالٌ أن يستعير مَنْ لا يقصِدُ فُحشاً اسمَ ما يستفظعونه لِما يستحسنونه . قال تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] قوله : { حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } / " حتى " بمعنى " إلى " فقط ، والفعلُ بعدَها منصوبٌ بإضمار " أَنْ " أي : إلى أن يؤمنَّ ، وهو مبنيٌّ على المشهورِ لاتصاله بنونِ الإِناث ، والأصل : يُؤْمِنْنَ ، فَأُدْغِمَت لامُ الفعلِ في نون الإِناث . قوله : { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ } سَوَّغَ الابتداءَ بـ " أَمَة " شيئان : لامُ الابتداء والوصفُ " وأصل " أمة " : أَمَوٌ ، فَحُذِفَت لامُها على غيرِ قياسٍ ، وعُوِّضَ منها تاءُ التأنيث كـ " قُلَة " و " ثُبَة " يدلُّ على أنَّ لامَها واوٌ رجوعُها في الجمع . قال الكلابي : @ 949 أمَّا الإِماءُ فلا يَدْعُونني ولداً إذا تداعى بنون الإِمْوانِ بالعارِ @@ ولظهورها في المصدرِ أيضاً ، قالوا : أَمَةٌ بيِّنة الأُمُوَّة وأَقَرَّت له بالأُمُوَّة . وهل وزنُها " فَعَلة " بتحريكِ العين أو " فَعْلة " بسكونها ؟ قولان ، أظهرُهُما الأولُ ، وكان قياسُها على هذا أن تُقْلَبَ لأمُها ألِفاً لتحرُّكِها وانفتاحِ ما قبلَها كفتاة وقَناة ، ولكنْ حُذِفَتْ على غيرِ قياس . والثاني : قال به أبو الهيثم ، فإنه زَعَمَ أنَّ جَمْعَ الأمة أَمْوٌ ، وأنَّ وزنَها فعْلَة بسكون العين فيكون مثل نخل ونخلة فأصلها أَمْوَة ، فحذفوا لامها إذ كانت حرف لين ، فلمَّا جَمَعوها على مثل نَخْلة ونَخْل لَزِمَهُم أن يقولوا : أَمَة وأَم ، فكَرهوا أن يَجْعَلُوها حرفين ، وكَرِهُوا أن يَرُدُّوا الواوَ المحذوفَةَ لمَّا كانت [ آخر ] الاسمِ ، فقدَّموا الواوَ وَجَعَلُوا ألفاً بين الهمزة والميم فقالوا : أام . وما زعَمه ليس بشيء إذ كان يلزَمُ أن يكونَ الإِعرابُ على الميمِ كما كان على لام " نَخْل " وراء " تمر " ، ولكنه على التاءِ المحذوفَةِ مقدَّرٌ كما سيأتي بيانُهُ . وجُمِعَت على " إمْوان " كما تقدَّم ، وعلى إماء ، والأصلُ : إماؤٌ ، نحو رقبة ورِقاب ، فَقُلِبَت الواوُ همزةً لوقوعها طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ ككساء . وفي الحديث : " لا تَمْنَعُوا إماءَ اللَّهِ مساجدَ الله " وعلى آمِ ، قال الشاعر : @ 950 تَمْشِي بها رُبْدُ النَّعا مِ تَماشِيَ الآمِ الزوافِرْ @@ والأصل " أَأْمُوٌ " بهمزتين ، الأولى مفتوحةٌ زائدةٌ ، والثانيةُ ساكنةٌ هي فاءُ الكلمة نحو : أَكَمَةَ وأَأْكُم ، فوقعت الواوُ طرفاً مضموماً ما قبلَها في اسمٍ معربٍ ولا نظيرَ له ، فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً والضمةُ كسرةً لتصِحَّ الياءُ ، فصارَ الاسمُ من قبيلِ المنقوصِ . نحو : غازٍ وقاضٍ ، ثم قُلِبَتِ الهمزةُ الثانيةُ ألِفاً لسكونِها بعد أخرى مفتوحةٍ ، فتقولُ : جاء آمٌ ومررت بآمٍ ورأيت آمياً ، تقدِّرُ الضمة والكسرة وتُظْهِرُ الفتحةَ ، ونظيرُهُ في هذا القلبِ مجموعاً أَدْلٍ وأَجْرٍ جمعُ دَلْو وجَرْو ، وهذا التصريفُ الذي ذكرناهُ يَرُدُّ على أبي الهيثم قولَه المتقدمَ ، أعني كونَه زعمَ أن آمياً جمع أَمْوَة بسكونِ العينِ ، وأنه قُلب ، إذ لو كان كذلكَ لكانَ ينبغي أن يُقالَ جاء آمٌ ومررت بآمٍ ورأيت آماً ، وجاء الأم ومررتُ بالآم ، فَتُعْرَبُ بالحركاتِ الظاهرِةِ . والتفضيلُ في قوله : { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكةٍ } : إمَّا على سبيلِ الاعتقادِ لا على سبيلِ الوجودِ ، وإمَّا لأنَّ نكاحَ المؤمنةِ يشتملُ على منافعَ أُخْرَوِيَّة ونكاحَ المشركةِ الحرة يشتملُ على منافعَ دنيويةٍ ، هذا إذا التزمنا بأن " أَفْعَلَ " لا بد أن يَدُلَّ على زيادةٍ ما وإلاَّ فلا حاجةَ إلى هذا التأويلِ كما هو مذهبُ الفراء وجماعةٌ . وقوله : { مِّن مُّشْرِكَةٍ } يَحْتَمِلُ أن يكونَ " مشركةٍ " صفةً لمحذوفٍ مدلولٍ عليه مقابِلِهِ أي : مِنْ حرَّةٍ مشركةٍ ، أو مدلول عليه بلفظِهِ أي : مِنْ أَمَةٍ مشركةٍ ، على حَسَبِ الخلافِ في قوله : " ولأمةٌ " هل المرادُ المملوكَةُ للآدميين أو مطلقُ النساء لأنهنَّ مِلكٌ لله تعالى ؟ وكذلك الخلافُ في قولِهِ : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ } والكلامُ عليه كالكلامُ على هذا . قوله : { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } وقوله " ولو أَعْجَبَكم " هذه الجملةُ في محلِّ نصبِ على الحالِ ، وقد تقدَّم أنَّ " لو " هذه في مثل هذا التركيبِ شرطيةٌ بمعنى " إنْ " نحو : " رُدُّوا السائلَ ولو بظَلْفٍ مُحْرقٍ " ، وأنَّ الواوَ للعطفِ على حالٍ محذوفةٍ ، التقديرُ : خيرٌ من مشركةٍ على كلِّ حالٍ ، ولو في هذه الحال ، وأنَّ هذا يكون لاستقصاءِ الأحوالِ ، وأنَّ ما بعدَ " لو " هذه إنما يأتي وهو مُنافٍ لِما قبلَه بوجهٍ ما ، فالإِعجابُ منافٍ لحكمِ الخيريةِ ، ومقتضٍ جوازَ النكاح لرغبةِ الناكحِ فيها . وقال أبو البقاء : " لو " هنا بمعنى " إنْ " ، وكذا كُلُّ موضعٍ وقع بعد " لو " الفعلُ الماضي ، وكان جوابُها متقدماً عليها ، وكونُها بمعنى " إنْ " لا يُشْتَرَطُ فيه تقدُّمُ جوابِها ، ألا ترى أنَّهم قالوا في قولِهِ تعالى : { لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } [ النساء : 9 ] إنها بمعنى " إنْ " مع أنَّ جوابَها وهو " خافوا " متأخِّرٌ عنها ، وقد نَصَّ هو على ذلك في آيةِ النساء قال في خافوا : " وهو جوابُ " لو " ومعناها " إنْ " . قوله : { وَٱلْمَغْفِرَةِ } الجمهورُ على جَرَّ " المغفرة " عطفاً على " الجنة " و " بإذنه " متعلِّقٌ بيدعو ، أي : بتسهيلهِ . وفي غير هذه الآيةِ تقدَّمَتِ " المغفرة " على الجنة : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ الحديد : 21 ] { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران : 133 ] ، وهذا هو الأصل لأنَّ المغفرةَ سببٌ في دُخُولِ الجنَّةِ ، وإنما أُخِّرَت هنا للمقابلَةِ ، فإنَّ قبلَها " يدعو إلى النار " ، فقدَّم الجنة ليقابِلَ بها النارَ لفظاً ، ولتشُّوقِ النفوسِ إليها حين ذَكَرَ دعاءَ اللَّهِ إليها فأتى بالأَشْرَفِ . وقرأ الحسن " والمغفرةُ بإذنِهِ " على الابتداءِ والخبرِ ، أي : حاصلةٌ بإِذنِهِ .