Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 235-235)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } : في محل نصبٍ على الحالِ وفي صاحبها وجهان ، أحدُهما : الهاءُ المجرورةُ في " به " ، والثاني : " ما " المجرورُة بـ " في " ، والعاملُ على كِلا التقديرين محذوفٌ ، وقال أبو البقاء : " حالٌ من الهاءِ المجرورةِ ، فيكونُ العاملُ فيه " عَرَّضْتم " . ويجوزُ أن يكونَ حالاً من " ما " فيكونُ العاملُ فيه الاستقرارَ " . وهذا على ظاهره ليس بجيد ، لأنَّ العاملَ فيه محذوفٌ على ما تقرَّر ، إلا أَنْ تريدَ من حيث المعنى لا الصناعةُ فقد يجوزُ له ذلك . والخِطْبَةُ مصدرٌ مضافٍ للمفعول أي : من خِطْبَتِكم النساء ، فَحُذِفَ الفاعلُ للعلم به . والخِطْبَةُ مصدرٌ في الأصل بمعنى الخَطْب ، والخَطْب : الحاجة ، ثم خُصَّت بالتماس النكاح لأنه بعضُ الحاجات ، يقال : ما خطبُكَ ؟ أي : ما حاجتُك . وقال الفراء : " الخِطْبَةُ مصدرٌ بمعنى الخَطْب وهي من قولك : إنه لَحَسَنُ الجِلْسَةِ والقِعْدَةِ أي : الجلوس والقعود ، والخُطْبَةُ - بالضم - الكلامُ المشتملُ على الوعظِ والزجرِ ، وكلاهما من الخَطْب الذي هو الكلام ، وكانت سَجاحُ يُقال لها خِطْبٌ فتقول : نِكْحٌ . قوله : { أَوْ أَكْنَنتُمْ } " أو " هنا للإِباحةِ أو التخيير أو التفصيلِ أو الإِبهامِ على المخاطب ، وأَكَنَّ في نفسِهِ شيئاً أي : أَخْفاه ، وَكَنَّ الشيء بثوبٍ ونحوهِ : أي سَتَرَهُ به ، فالهمزةُ في " أكنَّ " للتفرقة بين الاستعمالَيْنِ كأشرَقَتْ وشَرَقَتْ . ومفعول " أكنَّ " محذوفٌ يعودُ على " ما " الموصولةِ في قوله : " فيما عَرَّضْتم " أي : أو أكننتموه . فـ " في أنفسكم " متعلِّقٌ بـ " أَكْنَنتم " ، ويَضْعُفُ جَعْلُهُ حالاً من المفعولِ المقدَّرِ . قوله : { وَلَـٰكِن } هذا الاستدراكُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه استدراكٌ من الجملةِ قبلَه ، وهي قولُهُ : " ستذكرونَهُنَّ " ، فإنَّ الذِّكْرَ يقع على أنحاءٍ كثيرةٍ ووجوهٍ متعددةٍ ، فاسْتُدْرِكَ منه وجهٌ نُهِيَ فيه عن ذِكْرٍ مخصوص ، ولو لم يُسْتَدْرَك لكانَ من الجائز ، لاندراجِهِ تحت مطلقِ الذِّكْرِ . وهو نظيرُ : " زيدٌ سيلقى خالداً ولكنْ لا يواجهُهُ بِشَرٍّ " . لمَّا كانت أَحوالُ اللقاءِ كثيرةً ، من جملتها مواجهتُه بالشرِّ ، استُدْرِكَت هذه الحالةُ من بينِها . والثاني - قاله أبو البقاء - قاله الزمخشري - أنَّ المُسْتَدْرَكَ منه جملةٌ محذوفةٌ قبل " لكنْ " تقديرُهُ : " فاذكروهُنَّ ، ولكن لا تواعِدُوهُنَّ سراً " وقد تقدَّم أنَّ المعنى على الاستدراكِ من الجملةِ قبلَه فلا حاجَةَ إلى حذفِ … ، وإنما الذي يَحْتاجه ما بعدَ " لكن " وقوعُ ما قبلَها من حيثُ المعنى لا من حيثُ اللفظُ ، لأنَّ نَفْيَ المواجهةِ بالشرِّ يستدعي وقوعَ اللقاءِ . قوله : { سِرّاً } فيه خمسةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن يكونَ مفعولاً ثانياً لتواعِدُوهُنَّ . والثاني أنه حالٌ من فاعلِ " تواعدوهُنَّ " أي : لا تواعدوهُنَّ مُسْتَخْفين بذلك . والثالث : أنه نعت مصدرٍ محذوفٍ أي : مواعدةً سراً . والرابعُ : أنه حالٌ من ذلكَ المصدرِ المُعَرَّفِ ، أي : المواعدةَ مستخفيةً والخامس : أَنْ ينتصِبَ على الظرفِ مجازاً أي : في سِرٍّ . وعلى الأقوالِ الأربعةِ فلا بُدَّ من حَذْفِ مفعولٍ تقديرُهُ : لا تواعدوهُنَّ نكاحاً . والسِّرُّ : ضدُّ الجَهْرِ ، وقيل : يُطْلَقُ على الوَطْءِ وعلى الزِّنا بخصوصيةٍ ، وأنشدوا للحُطَيئة : @ 1000 ويَحْرُم سِرُّ جارتِهم عليهم ويأكلُ جارُهُمْ أُنُفَ القِصاعِ @@ وقولَ الآخر - هو الأعشى - : @ 1001 ولا تَقْرَبَنَّ جارةً إنَّ سِرَّها حَرامٌ عليكَ فانكِحَنْ أو تَأَبَّدا @@ قوله : { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ } في هذا الاستثناءِ قولان ، أحدُهما : أنه استثناءٌ منقطعٌ لأنه لا يندرجُ تحت " سِرّ " على أيِّ تفسيرٍ فَسَّرْتَه ، به ، كأنه [ قال ] : لكنْ قولوا قولاً معروفاً . والثاني : أنه متصلٌ وفيه تأويلان ذكَرهما الزمخشري فإنه قال : " فإنْ قلتَ بِمَ يَتَعَلَّقُ حرفُ الاستثناءِ ؟ قلت : بـ " لا تواعِدُوهُنَّ " ، أي : لا تواعِدُوهُنَّ مواعَدةً قط إلا مواعدةً معروفة غيرَ مُنْكَرةٍ ، أو لا تواعِدُوهُنَّ إلا بِأَنْ تقولوا ، أي : لا تواعدوهُنَّ إلاَّ بالتعريض ، ولا يكونُ استثناءً منقطعاً من " سراً " لأدائِهِ إلى قولِكَ : لا تواعِدوهُنَّ إلا التعريضَ " انتهى . فَجَعَلَهُ استثناءً متصلاً مفرغاً على أحدِ تأويلين ، الأولُ : أنه مستثنى من المصدرِ ، ولذلك قَدَّره : لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً قط إلاَّ مواعدةً معروفةً . والثاني : أنه من مجرورٍ محذوفٍ ، ولذلك قَدَّره بـ " إلاَّ بأَنْ تقولوا " ، لأنَّ التقديرَ عنده : لا تواعِدُوهُنَّ بشيء إلا بِأَنْ تقولوا ، ثم أَوْضَحَ قولَه بأنْ تقولوا بالتعريضِ ، فلمَّا حُذِفَتْ الباءُ من " أَنْ " وهي باءُ السببيةِ بقي في " أَنْ " الخلافُ المشهورُ بعدَ حَذْفِ حرفِ الجرِّ ، هل هي في محلِّ نصبٍ أم جر ؟ وقولُهُ : " لأدائِهِ إلى قولِكَ إلى آخره " يعني أنه لا يَصِحُّ تسلُّط العاملِ عليه فإنَّ القولَ المعروفَ عندَهُ المرادُ به التعريضُ ، وأنت لو قلت : " لا تواعِدُوهُنَّ / إلاَّ التعريض " لم يَصِحَّ لأنَّ التعريضَ ليس مواعداً . ورَدَّ عليه الشيخ بأنَّ الاستثناءَ المنقطعَ ليس مِنْ شرطِهِ صِحَّةُ تسلُّطِ العاملِ عليه بل هو على قسمين : قسمٍ يَصِحُّ فيه ذلك ، وفيه لغتان : لغةُ الحجازِ وجوبُ النصب مطلقاً نحو : " ما جاء أحدُ ألا حماراً " ، ولغةُ تميم إجراؤه مُجْرى المتصلِ فيُجْرون فيه النصبَ والبدلية بشرطه ، وقسم لا يَصِحُّ فيه ذلك نحو : " ما زادَ إلا ما نَقَصَ " ، و " ما نفَعَ إلا ما ضَرَّ " . وحكمُ هذا النصبُ عند العربِ قاطبةً ، فالقسمان يشتركان في التقديرِ بلكن عند البصريين ، إلاَّ أنَّ أحدَهما يَصِحُّ تسلُّط العاملِ عليه في قولك : " ما جاء أَحدٌ إلا حمار " لو قلت : " ما جاءَ إلا حمارٌ " صَحَّ بخلافِ القسمِ الثاني ، فإنَّه لا يتوجَّه عليه العاملُ " ولتحقيقِ هذا موضعٌ هو أليقُ به ، وقد تقدَّمَ منه طرفٌ صالحٌ . قوله : { عُقْدَةَ } في نصبهِ ثلاثةُ أوجه ، أحدُها : أنه مفعولٌ به على أنه ضَمَّنَ " عَزَم " معنى ما يتعدَّى بنفِسِه وهو : تَنْووا أو تباشِروا ونحوُ ذلك . والثاني : أنه منصوبٌ على إسقاطِ حرفِ الجر وهو " على " ، فإنَّ " عَزَم " يتعدَّى بها ، قال : @ 1002 عَزَمَتُ على إقامةِ ذي صباحٍ لأمرٍ ما يُسَوَّدُ مَنْ يَسُودُ @@ وحذفها جائز كقول عنترة : @ 1003 ولقد أبيتُ على الطَّوى وأظلُّه حتى أنالَ به كريمَ المَطْعَمِ @@ أي : وأظلُّ عليه . الثالثُ : أنه منصوبٌ على المصدرِ ، فإنَّ المعنى : ولا تَعْقِدُوا عقدةَ ، فكأنه مصدرٌ على غير الصدرِ ، نحو : قَعَدْتُ جلوساً ، والعُقْدَةُ مصدرٌ مضافٍ للمفعولِ والفاعلُ محذوفٌ ، أي : عُقْدَتَكم النكاحَ . قوله : { فَٱحْذَرُوهُ } الهاءُ في " فاحذَرُوه " تعودُ على اللَّهِ تعالى ، ولا بُدَّ من حذفِ مضافٍ أي : فاحذَرُوا عقابَه . ويَحْتَمِلُ أَنْ تعودَ على " ما " في قوله { مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } بمعنى ما في أنفسكم من العَزْمِ على ما لا يجوزُ ، قاله الزمخشري .