Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 264-264)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولُهُ تعالى : { كَٱلَّذِي } : " كالذي " الكاف في محلِّ نصبٍ ، فقيل : نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي : لا تُبْطِلُوها إبطالاً كإبطالِ الذي يُنْفِقُ رئاءَ الناسِ . وقيل : في محلِّ نصبٍ على الحالِ من ضمير المصدرِ المقدَّرِ كما هو رأيُ سيبويه ، وقيل : حالٌ من فاعِلِ " تُبْطِلُوا " أي : لا تُبْطِلُوهَا مُشْبِهين الذي يُنْفِقُ رياءَ . و " رئاءَ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُهُ : إنفاقاً رئاءَ الناس ، كذا ذكره مكي . والثاني : أنه مفعولٌ من أَجْلِهِ أي : لأجلِ رئاءِ الناسِ ، واستكمل شروطَ النصبِ . والثالث : أنه في محلِّ حالٍ ، أي : يُنْفِقُ مرائياً . والمصدرُ هنا مضافٌ للمفعولِ وهو " الناس " ، ورئاءَ مصدرٌ راءى كقاتَلَ قِتالاً ، والأصلُ : " رِئايا " فالهمزةُ الأولى عينُ الكلمة ، والثانيةُ بدلٌ من ياءٍ هي لامُ الكلمة ، لأنها وَقَعَتْ طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ . والمُفَاعَلَةُ في " راءى " على بابِها لأنَّ المُرائِيَ يُرِي الناسَ أعمالَهُ حتى يُرُوه الثناءَ عليه والتعظيم له . وقرأ طلحة - ويروى عن عاصم - : " رِياء " بإبدالِ الهمزةِ الأولى ياءً ، وهو قياسُ تخفيفِها لأنها مفتوحةٌ بعد كسرةٍ . قوله : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ } مبتدأٌ وخبرٌ ، ودَخَلَتِ الفاءُ ، قال أبو البقاء : " لتربطَ الجملةَ بما قبلَها " وقد تقدَّم مثلُه ، والهاءُ في " فَمَثَلُهُ " فيها قولان ، أظهرهُما : أنها تعودُ على { كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } لأنه أقربُ مذكورٍ . والثاني : أنها تعودُ على المانِّ المُؤْذِي ، كأنه تعالى شَبَّهه بشيئين : بالذي يُنْفِقُ رُئَاءَ وبصفوانٍ عليه ترابٌ ، ويكونُ قد عَدَلَ من خطابٍ إلى غَيْبه ، ومن جمعٍ إلى إفرادٍ . والصَّفْوان : حَجَرٌ كبيرٌ أملسُ ، وفيه لغتان : أشهرهُما سكونُ الفاءِ والثانيةُ فَتْحُها ، وبها قرأ ابن المسيَّبِ والزهري ، وهي شاذَّةٌ ، لأن " فَعَلان " إنَّما يكونُ في المصادرِ نحو : النَّزَوان والغَلَيَان ، والصفاتِ نحو : رجلٌ طَغَيَان وتيسٌ عَدوَان ، وأَمَّا في الأسماءِ فقليلٌ جداً . واختُلِفَ في " صَفْوَان " فقيل : هو جمعٌ مفردُهُ : صَفا ، قال أبو البقاء : " وجَمْعُ " فَعَلَ " على " فَعْلاَن " قليلٌ " . وقيل : هو اسمُ جنسٍ ، قال أبو البقاء : " وهو الأجودُ ، ولذلك عادَ الضميرُ عليه مفرداً في قولِهِ : " عليه " وقيل : هو مفردٌ ، واحدُ صُفِيٌّ قاله الكسائي ، وأنكره المبردُ . قال : " لأنَّ صُفِيّاً جمعُ صفا نحو : عُصِيّ في عَصَا ، وقُفِيّ في قَفَا " . ونُقِلَ عن الكسائي أيضاً أنه قال : " صَفْوَان مفردٌ ، ويُجْمع على صِفْوانٍ بالكسر . قال النحاس : " ويجوزُ أن يكونَ المسكورُ الصادِ واحداً أيضاً ، وما قاله الكسائي غيرُ صحيحٍ بل صِفْوان - يعني بالكسر - جمعٌ لصَفَا كوَرَل ووِرْلان ، وأخ وإخْوان وكَرَى وكِرْوَان " . و " عليه ترابٌ " يجوزُ أن يكونَ جملةً من مبتدأٍ وخبرٍ ، وقَعَتْ صفةً لصَفْوان ، ويجوزُ أن يكونَ " عليه " وحدَه صفةً له ، و " ترابٌ " فاعلٌ به ، وهو أَوْلى لِمَا تَقَدَّم عند قولِهِ { فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } [ البقرة : 261 ] . والترابُ مَعْرُوفٌ ، ويُقال فيه تَوْراب ، ويُقال : تَرِبَ الرجلُ : افتقَرَ . ومنه : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ البلد : 16 ] كأنَّ جِلْدَه لَصِق به لفقرِه ، وأَتْرَبَ : أي استغنى ، كأنَّ الهمزةَ للسلب ، أو صار مالُهُ كالترابَ . " فأصابَه " عطفٌ على الفعلِ الذي تَعَلَّقَ به قوله : " عليه " أي : استقرَّ عليه ترابٌ فأَصابَهُ . والضميرُ يعودُ على الصَّفْوان ، وقيل : على الترابِ . وأمَّا الضميرُ في " فتركه " فعلى الصَفْوَانِ فقط . وألفُ " أَصابه " من واوٍ ، لأنه من صَابَ يَصُوب . والوابِلُ : المطرُ الشديدُ ، وبَلَتِ السماءُ تَبِل ، والأرضُ مُوْبُولَة ، ويقال أيضاً : أَوْبَلَ فهو مُوبِل ، فيكونُ مِمَّا اتفقَ فيه فَعَل وأَفْعَلَ ، وهو من الصفاتِ الغالبةِ كالأبطح ، فلا يُحْتَاج معه إلى ذكرِ موصوفٍ . قال النضر بن شميل : " أولُ ما يكونُ المطرَ رَشَّاً ثم طشَّاً . ثم طَلاَّ وَرذاذاً ثم نَضْحَاً ، وهو قَطْرٌ بين قَطْرَين ، ثم هَطْلاً وَتَهْتَاناً ثم وابِلاً وجُوداً . والوبيلُ : الوَخيمُ ، والوبيلةُ : حُزْمَةُ الحطبِ ، ومنه قيل للغليظَةِ : وَبِيلَةٌ على التشبيهِ بالحزمة . قوله : { فَتَرَكَهُ صَلْداً } كقوله : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } [ البقرة : 17 ] . والصَّلْدُ : الأجردُ الأملسُ ، ومنه : " صَلَدَ جبينُ الأصلعِ " : بَرَقَ ، والصَّلِدُ أيضاً صفةٌ ، يُقال : صَلِدَ بكسر اللام يَصْلَد بفتحهِا فهو صَلِد . [ قال ] النقاش : " الصَّلْدُ بلغةِ هُذَيل " . وقال أبان بن تغلب : " الصَّلْد : اللَّيِّن من الحجارةِ " وقال علي ابن عيسى : " هو من الحجارة ما لا خيرَ فيه ، وكذلك من الأرضين وغيرِها ، ومنه : " قِدْرٌ صَلُود " أي : بَطِيئة الغَلَيان " . قوله { لاَّ يَقْدِرُونَ } في هذه الجملة قولان ، أحدهما : أنها استئنافية فلا موضع لها من الإِعراب . والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " الذي " في قولِه : " كالذي يُنْفِقُ " ، وإنما جُمع الضميرُ حَمْلاً على المعنى ، لأنَّ المرادَ بالذي الجنسُ ، فلذلك جاز الحَمْلُ على لفظِه مرةً في قولِه : " ماله " و " لا يؤمِنُ " " فمثلُه " وعلى معناه أخرى . وصار هذا نظير قولِه : { كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [ البقرة : 17 ] ثم قال : { بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ } [ البقرة : 17 ] ، وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ في ذلك . وقد زَعَم ابن عطية أَنَّ مَهْيَعَ كلامِ العرب الحَمْلُ على اللفظِ أولاً ثم المعنى ثانياً ، وأنَّ العكسَ قبيحٌ ، وتقدَّم الكلامُ معه في ذلك . وقيل : الضميرُ في " يَقْدِرون " عائدٌ على المخاطبين بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ } ويكونُ من بابِ الالتفاتِ من الخطابِ إلى الغَيْبة ، وفيه بُعْدٌ . وقيل : يعودُ على ما يُفْهَم من السياقِ . أي : لا يَقْدِرُ المانُّون ولا المؤذون على شيء من نفع صدقاتهم . وسَمَّى الصدقة كسباً / . قال أبو البقاء : " ولا يجوزُ أن يكونَ " ولا يقدرون " حالاً من " الذي " لأنه قد فُصِل بينهما بقوله : " فمثلُه " وما بعدَه ، ولا يَلْزَمُ ذلك ، لأنَّ هذا الفصلَ فيه تأكيدٌ وهو كالاعتراض .