Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-35)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقُلْنَا يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } : هذه الجملةُ معطوفةٌ على جملةِ : " إذْ قلنا " لا على " قُلْنا " وحدَه لاختلافِ زمنَيْهِما ، و " أنت " توكيدٌ للضميرِ المستكنِّ في " اسكُن " ليصِحَّ العطفُ عليه ، و " زوجُك " عَطْفٌ عليه ، هذا مذهبِ البصريين ، أعني : اشتراط الفصلِ بين المتعاطِفَيْن إذا كان المعطوفُ عليه ضميراً مرفوعاً متصلاً ، ولا يُشْترط أن يكونَ الفاصلُ توكيداً ، [ بل ] أيَّ فصلٍ كان ، نحو : { مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] . وأمَّا الكوفيون فيُجيزون ذلك من غير فاصل وأنشدوا : @ 365ـ قُلْتُ إذا أقبلَتْ وزهرٌ تَهادى كنعاجِ الفَلا تَعَسَّفْنَ رَمْلا @@ وهذا عند البصريينَ ضرورةً لا يُقاسُ عليه . وقد مَنَعَ بعضَهُم أن يكونَ " زوجُك " عطفاً على الضميرِ المستكنِّ في " اسكُنْ " وجعله من عطفِ الجملِ ، بمعنى أن يكونَ " زوجُك " مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ ، أي : وَلْتَسْكُنْ زوجك ، فحُذِف لدلالة " اسكنْ " عليه ، ونَظَّره بقولِه تعالى : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } [ طه : 58 ] وزعم أنه مذهبُ سيبويهِ ، وكأن شُبْهَتَه في ذلك أنَّ مِنْ حقِّ المعطوفِ حُلولَه مَحَلَّ المعطوفِ عليه ، ولا يَصِحُّ هنا حلولُ " زوجُك " محلَّ الضميرِ ، لأنَّ فاعلَ فِعْلِ الأمر الواحدِ المذكَّر نحو : قُمْ واسكُنْ لا يكونُ إلاَّ ضميراً مستتراً ، وكذلك فاعل نفعلُ ، فكيف يَصِحُّ وقوعُ الظاهرِ موقَع المضمرِ الذي قبله ؟ وهذا الذي زعمه ليس بشيءٍ لأنَّ مذهبَ سيبويهِ بنصِّه يخالِفُه ، ولأنَّه لا خلافَ في صِحَّةِ : " تقوم هندٌ وزيدٌ " ، ولا يَصِحُّ مباشرةُ زيدٍ لـ " تقوم " لتأنيثه . والسكونُ والسُّكْنى : الاستقرارُ . ومنه : المِسْكينُ لعدَمِ استقراره وحركتِه وتصرُّفِه ، والسِّكِّينُ لأنها تَقْطَعُ حركةَ المذبوحِ ، والسَّكِينة لأنَّ بها يَذْهَبُ القلقُ . و " الجَنَّةَ " مفعولٌ به لا ظرفٌ ، نحو : سَكَنْتُ الدارَ . وقيل : هي ظرفٌ على الاتساعِ ، وكان الأصلُ تعديتَه إليها بـ " في " ، لكونها ظرفَ مكان مختصٍّ ، وما بعد القولِ منصوبٌ به . قوله : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } هذه الجملةُ عَطْفٌ على " اسكُنْ " فهي في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ ، وأصلُ كُلْ : أُأْكُلْ بهمزتين : الأولى همزةُ وصلٍ ، والثانيةُ فاءُ الكلمة فلو جاءَتْ هذه الكلمةُ على هذا الأصلِ لقيل : اُوكُلْ بإبدالِ الثانيةِ حرفاً مجانساً لحركةِ ما قبلَها ، إلا أنَّ العربَ حَذَفَتْ فاءَه في الأمرِ تخفيفاً فاستَغْنَتْ حينئذٍ عن همزةِ الوصلِ فوزنُه عُلْ ، ومثلُه : خُذْ ومُرْ ، ولا يُقاسُ على هذه الأفعالِ غيرُها لا تقول من أَجَر : جُرْ . ولا تَرُدُّ العربُ هذه الفاءَ في العطف بل تقول : قم وخذ وكُلْ ، إلا " مُرْ " فإنَّ الكثيرَ رَدُّ فائِه بعد الواوِ والفاءِ قال تعالى : { وَأْمُرْ قَوْمَكَ } [ الأعراف : 145 ] و { وَأْمُرْ أَهْلَكَ } [ طه : 132 ] ، وعدمُ الردِّ قليلٌ ، وقد حَكَى سيبويه : " اؤْكُلْ " على الأصلِ وهو شاذٌّ . وقال ابن عطية : " حُذِفَتِ النونُ من " كُلا " [ للأمر ] " وهذه العبارةُ مُوهِمةٌ لمذهبِ الكوفيين من أنَّ الأمرَ عندهم مُعْربٌ على التدريجِ كما تقدَّم ، وهو عند البصريين محمولٌ على المجزومِ ، فإن سُكِّنَ المجزومُ سُكِّن الأمرُ منه ، وإنْ حُذِفَ منه حرفٌ حُذِفَ من الأمر . و " منها " متعلِّقٌ به ، و " مِنْ " للتبعيضِ ، ولا بد من حَذْفِ مضافٍ ، أي : مِنْ ثمارِها ، ويجوز أن تكونَ " مِنْ " لابتداءِ الغاية وهو أَحْسَنُ ، و " رَغَداً " نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ . وقد تقدَّم أن مذهب سيبويه في هذا ونحوِه أن ينتصبَ حالاً ، وقيل هو مصدر في موضع الحال أي : كُلا طيِّبَيْنِ مُهَنَّأَيْنِ . وقُرئ : " رَغْداً " بسكون الغينِ وهي لغةُ تميمٍ . وقال بعضُهم : كل فعلٍ حلقيٍّ العين صحيحِ اللامِ يجوزُ فتحُ عينِه وتسكينها نحو : نهر وبحر . وهذا فيه نظرٌ بل المنقولُ أنَّ فعْلاً بسكونِ العينِ إذا كانت عينُه حلقيةً لا يجوزُ فتحُها عند البصريين إلا أَنْ يُسَمَعَ فَيُقْتَصَرَ عليه ، ويكون ذلك على لغتين لأنَّ إحداهما مأخوذةٌ من الأخرى . وأمَّا الكوفيون فبعضُ هذا عندهم ذو لغتين ، وبعضُه أصلُه السكونُ ويجوز فتحُه قياساً ، أمَّا أنَّ فعَلاً المفتوحَ العينِ الحلقِيَّها يجوزُ فيه التسكينُ فيجوز في السَّحَر : السَّحْر فهذا لا يُجيزه أحد . والرغَدُ : الواسِعُ الهنيءُ ، قال امرؤ القيس : @ 366ـ بينما المرءُ تراهُ ناعماً يَأْمَنُ الأحداثَ في عيشٍ رَغَدْ @@ ويقال : رَغُِدَ عيشُهم بضم الغين وكسرها وأَرْغَدَ القومُ : صاروا في رَغَد . قوله : { حَيْثُ شِئْتُمَا } حيث : ظرفُ مكانٍ ، والمشهور بناؤُها على الضم لشَبَهِها بالحرفِ في الافتقارِ إلى جملةٍ ، وكانت حركتُها ضمةً تشبيهاً بـ " قبل " و " بعد " . ونقل الكسائي إعرابَها عن فَقْعَس ، وفيها لغاتٌ : حيث بتثليث الثاء وحَوْث بتثليثها أيضاً ، ونُقل : حاث بالألف ، وهي لازمةُ [ الظرفيةِ لا تتصرفُ ، وقد تُجَرُّ بمِنْ كقوله تعالى : { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ } [ البقرة : 222 ] { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] ، وهي لازمةٌ ] للإِضافة إلى جملةٍ مطلقاً ولا تُضاف إلى المفرد إلا نادراً ، قال : @ 367ـ أَمَا تَرى حيثُ سهيلٍ طالِعا … @@ وقال آخر : @ 368ـ وَنَطْعَنُهم تحت الحُبَى بعد ضَرْبهم ببيضِ المواضي حيثُ لَيِّ العَمائم @@ وقد تُزاد عليها " ما " فتجزمُ فعلين شرطاً وجزاء كإنْ ، ولا يُجْزَمُ بها دونَ " ما " خلافاً لقوم ، وقد تُشَرَّبُ معنَى التعليلِ ، وزعم الأخفش أنها تكونُ ظرفَ زمانٍ وأنشد : @ 369ـ للفتى عَقْلٌ يَعيشُ به حيث تَهْدي ساقَهُ قَدَمُهْ @@ ولا دليلَ فيه لأنها على بابِها . والعامِلُ فيها هنا " كُلا " أي : كُلا أيَّ مكانٍ شِئْتُما تَوْسِعَةً عليهما . وأجاز أبو البقاء أن تكونَ بدلاً من " الجنَّة " ، قال : " لأنَّ الجنةَ مفعولٌ بها ، فيكون " حيث " مفعولاً به " وفيه نظرٌ لأنها لا تتصرَّف كما تقدَّم إلا بالجرِّ بـ " مِنْ " . قوله : " شِئْتُمَا " : الجملةُ في محلِّ خفضٍ بإضافةِ الظرفِ إليها . وهل الكسرةُ التي على الشين أصلٌ كقولِك : جِئْتُما وخِفْتُما ، أو مُحَوَّلة من فتحة لتدلَّ على ذواتِ الياءِ نحو : بِعْتما ؟ قولان مبنيَّان على وزنِ شَاءَ ما هو ؟ فمذهب المبرد أنه : فَعَل بفتحِ العينِ ، ومذهبُ سيبويه فَعِل بكسرِها ولا يَخْفَىٰ تصريفُهما . قوله : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } لا ناهيةٌ ، و " تَقْرَبا " مجزومٌ بها حُذِفَتْ نونُه . وقُرئ : " تِقْرَبا " بكسر حرف المضارعة ، والألفُ فاعلٌ ، و " هذه " مفعولٌ به اسمُ إشارةِ المؤنث ، وفيها لغاتٌ : هذي وهذهِ [ وهذهِ ] بكسرِ الهاء بإشباعٍ ودونِهِ ، وهذهْ بسكونِه ، وذِهْ بكسر الذالِ فقط ، والهاءُ بدلٌ من الياءِ لقُرْبِهَا منها في الخَفَاءِ . قال ابنُ عطية ونُقِلَ أيضاً عن النحاس " وليس في الكلام هاءُ تأنيثٍ مكسورٌ ما قبلَها غيرُ " هذه " . وفيه نظرٌ ، لأن تلك الهاء التي تَدُلُّ على التأنيث ليستْ هذه ، لأن تيكَ بدلٌ من تاءِ التأنيث في الوقف ، وأمَّا هذه الهاءُ فلا دلالةَ لها على التأنيثِ بل الدالُّ عليه مجموعُ الكلمةِ ، كما تقول : الياءُ في " هذي " للتأنيثِ . وحكمُها في القُرْبِ والبُعْدِ والتوسط ودخولِ هاءِ التنبيه وكافِ الخطاب حكمُ " ذا " وقد تقدَّم . ويُقال فيها أيضاً : تَيْك وتَيْلَكَ وتِلْكَ وتالِك ، قال الشاعر : @ 370ـ تعلَّمْ أنَّ بعدَ الغَيِّ رُشْدا وأنَّ لتالِكَ الغُمَرِ انْحِسَاراً @@ قال هشام : " ويقال : تافَعَلَتْ " ، وأنشدوا : @ 371ـ خَليليَّ لولا ساكنُ الدارِ لم أُقِمْ بتا الدارِ إلاَّ عابرَ ابنِ سبيلٍ @@ و " الشجرةِ " بدل من " هذه " ، وقيل : نعتٌ لها لتأويلِها بمشتق ، أي : هذه الحاضرةَ من الشجر . والمشهورُ أن اسمَ الإِشارةِ إذا وقع بعده مشتقٌّ كان نعتاً له ، وإن كان جامداً كان بدلاً منه . والشجَرةُ واحدة الشَّجَر ، اسم جنس ، وهو ما كان على ساقٍ بخلاف النجم ، وسيأتي تحقيقُهما في سورة " الرحمن " إن شاء الله تعالى . وقرئ : " الشجرة " بكسر الشينِ والجيمِ وسكونِ الجيمِ ، وبإبدالها ياءً مع فتحِ الشين وكسرِها لقُرْبِها منها مَخْرجاً ، كما أُبْدِلَتِ الجيمُ منها في قوله : @ 372ـ يا رَبِّ إنْ كنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ فلا يَزالُ شاحِجٌ يأتيكَ بِجْ @@ يريد بذلك حَجَّتي وبي ، وقال آخر : @ 373ـ إذا لم يكُنْ فِيكُنَّ ظِلٌّ وَلاَ جَنًى فَأَبْعَدَكُنَّ اللهُ من شِيَرَاتِ @@ وقال أبو عمرو : " إنما يقرأ بها برابِرُ مكةَ وسُودانُها " . وجُمعت الشجرُ أيضاً على شَجْراء ، ولم يأتِ جمعٌ على هذه الزِنة إلا قَصَبَة وَقَصْباء ، وطَرَفَة وطَرْفاء وحَلَفة وحَلْفاء ، وكان الأصمعي يقول : " حَلِفة بكسر اللام " وعند سيبويه أنَّ هذه الألفاظَ واحدةٌ وجمعٌ . وتقول : قَرِبْتُ الأمرَ أقرَبه بكسرِ العين في الماضي ، وفتحِها في المضارع أي : التبَسْتُ به ، وقال الجوهري : " قَرُب بالضمِّ يقرُبُ قُرْباً أي : دَنَا ، وقَرِبْتُهُ بالكسر قُرْبَاناً دَنَوْتُ [ منه ] ، وقَرَبْتُ أقرُبُ قِرابَةً مثل : كَتَبْتُ أكتُبُ كِتابة إذا سِرْتَ إلى الماء وبينك وبينه لَيْلَةٌ . وقيل : إذا قيل : لا تَقْرَبْ بفتح الراء كان معناه لا تَلْتَبِسْ بالفعلِ وإذا قيل : لا تَقْرُب بالضمِّ كان معناه : لاَ تَدْنُ منه " . قوله : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } فيه وجهان : أحدُهما : أَنْ يكونَ مجزوماً عطفاً على " تَقْرَبَا " كقولِهِ : @ 374ـ فقلت له : صَوِّبْ ولا تَجْهَدَنَّهُ فَيُذْرِكَ من أُخرى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ @@ والثاني : أنه منصوبٌ على جوابِ النهي كقولِهِ تعالى : { لاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ } [ طه : 81 ] والنصبُ بإضمارِ " أَنْ " عند البصريينَ ، وبالفاءِ نفسِها عند الجَرْمي ، وبالخلافِ عند الكوفيين ، وهكذا كلُّ ما يأتي مثلَ هذا . و { مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } خبرُ كان . والظُلْمُ : وَضْعُ الشيءِ في غيرِ مَوْضِعِه ومنه قيل للأرضِ التي لم تستحقَّ الحفرَ فتُحْفَر : مظلومةٌ ، وقال النابغة الذبياني : @ 375ـ إِلاَّ أَوارِيَّ لأَيَاً ما أُبَيِّنُهَا والنُّؤْيُ كالحوضِ بالمظلومةِ الجَلَدِ @@ وقيل : سُمِّيَتْ مَظلومةً لأنَّ المطرَ لا يأتيها ، قال عمرو بن قَمِيئَةَ : @ 376ـ ظَلَمَ البطاحَ له انهِلاَلُ حَرِيصةٍ فصفَا النِّطافُ له بُعَيْدَ المُقْلَعِ @@ وقالوا : " مَنْ أشبه أباهَ فما ظَلَمْ " ، قال :