Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 50-50)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } … " بكم " الظاهرُ أنَّ الباءَ على بابها من كونِها داخلةً على الآلةِ فكأنه فَرَق بهم كما يُفْرَقُ بين الشيئين بما توسَّط بينهما . وقال أبو البقاء : " ويجوز أن تكون المُعَدِّيةَ كقولِك : ذهبتُ بزيدٍ ، فيكونُ التقدير : أَفْرَقْناكم البحرَ ، ويكونُ بمعنى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } [ الأعراف : 138 ] وهذا قريبٌ من الأولِ . ويحوزُ أن تكونَ الباءُ للسببيَّة أي : بسببكم ، ويجوزُ أن تكونَ للحالِ من " البحر " أَيْ : فَرَقْناه ملتبِساً بكم ، ونظَّره الزمخشري بقولِ الشاعر : @ 454ـ … تَدُوس بنا الجماجِمَ والتَّريبا @@ أي : تدوسُها ونحن راكبوها . قال أبو البقاء : " أي : فَرَقْنا البحرَ وأنتم به ، فتكونُ إمَّا حالاً مقدَّرةً أو مقارنةً " . قلت : وأيُّ حاجةٍ إلى جَعْلِه إياها حالاً مقدَّرة وهو لم يكنْ مفروقاً إلا بهم حالَ كونِهم سالكينَ فيه ؟ وقال أيضاً : و " بكم " في موضعِ نصبٍ مفعولٌ ثانٍ لفَرَقْنا ، و " البحرَ " مفعولٌ أولُ ، والباءُ هنا في معنى اللام " وفيه نظرٌ ؛ لأنه على تقديرِ تسليم كون الباءِ بمعنى اللام فتكونُ لام العلَّةِ ، والمجرورُ بلام العلةِ لا يُقال إنَّه مفعولٌ ثانٍ ، لو قلتَ : ضَرَبْتُ زيداً لأجلِك ، لا يقولُ النحوي : " ضَرَبَ " يتعدَّى لاثنين إلى أحدهما بنفسه والآخر بحرفِ الجر . والفَرْقُ والفَلْقُ واحدٌ ، وهو الفصلُ والتمييز ، ومنه { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } [ الإسراء : 106 ] [ أي : فَصَلْناه ] وميَّزناه بالبيانِ ، والقرآنُ فرقانٌ لتمييزه بين الحقِّ والباطل وفَرْقُ الرأسِ لوضوحِه ، والبحرُ أصله : الشِّقُّ الواسعُ ، ومنه : البَحِيرة لشَقِّ أذُنها . والخلافُ المتقدِّمُ في النهر في كونِه حقيقةً في الماء أو في الأخدُودِ جارٍ هنا فَلْيُلْتَفَتْ إليه . وهل يُطْلَقُ على العَذْبِ بَحْرٌ ، أو هو مختصٌّ بالماءِ المِلْحِ ؟ خلافٌ يأتي تحقيقُه في موضِعِه . ويقال : أَبْحَرَ الماءُ أي : صار مِلْحاً قال نُصَيْب : @ 455ـ وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْراً فزادني إلى مَرَضي أَنْ أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ @@ والغَرَقُ : الرُّسوبُ في الماءِ ، وتُجُوِّزُ به عن المُداخَلَةِ في الشيء ، فيقال : أَغْرَق فلانٌ في اللَّهْو ، ويقال : غَرِقَ فهو غَرِقٌ وغارِق ، وقال أبو النجم : @ 456ـ مِنْ بَيْنِ مقتولٍ وطافٍ غارِقِ @@ ويُطْلَقُ على القتلِ بأيِ نوعٍ كان ، قال : @ 457ـ … ألا لَيْتَ قَيْساً غَرَّقَتْهُ القَوابِلُ @@ والأصلُ فيه أن القابِلَة كانَتْ تُغَرِّق المولودَ في دَمِ السُّلَىٰ عام القَحْطِ ليموتَ ، ذكراً كان أو أنثى ، ثم جُعِل كلُّ قَتْل تغريقاً . ومنه قول ذي الرمة : @ 458ـ إذا غَرَّقْتَ أرباضُها ثِنْيَ بَكْرَةٍ بتَيْهاءَ لم تُصْبِحْ رَؤوماً سَلُوبُها @@ قوله : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } جملةٌ من مبتدأ أو خبر في محلِّ نصبٍ على الحال من " آل فرعون " والعاملُ " أَغْرقنا " ، ويجوزُ أن يكونَ حالاً من مفعولٍ " أنْجَيْناكم " . والنظرُ يَحْتَمِلُ أن يكونَ بالبصرِ لأنهم كانوا يُبْصِرُون بعضَهم بعضاً لقُرْبِهم . وقيل : إنَّ آلَ فرعون طَفَوْا على الماء فنظروا إليهم ، وأن يكونَ بالبصيرةِ والاعتبار . وقيل : المعنى وأنتم بحالِ مَنْ ينظرُ لو نَظَرْتُم ، ولذلك لم يُذْكَرْ له مفعولٌ .