Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 59-59)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } : لا بُدَّ في هذا الكلام من تأويلٍ ، إذ الذَمُّ إنما يتوجَّهُ عليهم إذا بَدَّلوا القولَ الذي قيل لهم ، لا إذَا بَدَّلوا قولاً غيره ، فقيل : تقديرُه : فبدَّل الذين ظلموا بالذي قيل لهم [ قولاً غيرَ الذي قِيل لهم ] فـ " بَدَّلَ " يتعدَّى لمفعولٍ واحدٍ بنفسِه وإلى آخر بالباءِ ، والمجرورُ بها هو المتروكُ والمنصوبُ هو الموجودُ كقولِ أبي النجم : @ 487ـ وبُدِّلَتْ والدهرُ ذو تَبَدُّلِ هَيْفاً دَبُوراً بالصَّيا والشَّمْأَلِ @@ فالمقطوعُ عنها الصَّبا والحاصلُ لها الهَيْفُ ، قالَه أبو البقاء . وقال : " يجوز أن يكونَ " بَدَّل مَحْمولاً على المعنى تقديره : فقال الذين ظلموا قولاً غيرَ الذي قيلَ لهم ، لأنَّ تبديلَ القولِ بقولٍ فنصْبُ " غير " عنده في هذين القولَيْن على النعت لـ " قولاً " وقيل : تقديرُه : فَبَدَّل الذينَ ظلموا قولاً بغيرٍ الذي ، فَحَذَفَ الحرفَ فانتصَبَ ، ومعنى التبديلِ التغييرُ كأنه قيل : فغيَّروا قولاً بغيره ، أي جاؤوا بقولٍ آخرَ مكانَ القولِ الذي أُمِروا به ، كما يُرْوى في القصة أنَّهم قالوا بَدَلَ " حِطَّة " حِنْطة في شُعَيْرة . والإِبدالُ والاستبدالُ والتبديلُ جَعْلُ الشيءِ مكانَ آخَرَ ، وقد يُقال التبديل : التغييرُ وإنْ لم يَأْتِ بِبَدَلِهِ ، وقد تقدَّم الفرقُ بينَ بَدَّل وأَبْدَلَ ، وهو أنَّ بَدَّلَ بمعنى غيَّر مِنْ غير إزالةِ العَيْن ، وأَبْدَلَ تقتضي إزالة العين ، إلا أنه قُرئ : { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا } [ القلم : 32 ] { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا } [ الكهف : 81 ] بالوجهين ، وهذا يَقْتضي اتِّحادَهما معنىً لا اختلافَهما ] ، والبديلُ ، والبدل بمعنى واحدٍ ، وبَدَّله غيرُه . ويُقال : بِدْل وبَدَل كشِبْه وشَبَه ومِثْل ومَثَل ونِكْل ونَكَل ، قال أبو عبيدة : " لم يُسْمع في فِعْل وفَعَل غيرُ هذه الأحرفِ " . قوله : { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ يجوزُ فيه وجهان ، أحدُهما : أن يكونَ متعلِّقاً بأَنْزلنا ، و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، أيْ : من جهةِ السماء ، وهذا الوجهُ ] هو الظاهرُ . والثاني أن يكونَ صفةً لـ " رِجْزاً " ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ و " مِنْ " أيضاً لابتداءِ الغايةِ . وقولُه : { عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } فأعادَهم بذِكْرِهم أولاً ، ولم يَقُلْ " عليهم " تنبيهاً على أنَّ ظُلْمَهُم سببٌ في عقابِهم ، وهو من إيقاعِ الظاهرِ مَوْقِعَ المُضْمر لهذا الغرض . وإيقاعُ الظاهرِ موقعَ المضمرِ على ضَرْبَيْنِ : ضربٍ يقعُ بعد تمامِ الكلامِ كهذهِ الآيةِ ، وقول الخَنْساء : @ 488ـ تَعَرَّقَنِي الدَّهرُ نَهْساً وحَزَّاً وأَوْجَعَني الدَّهْرُ قَرْعاً وغَمْزَا @@ أي : أصابَتْني نوائبُه جُمَعُ ، وضربٍ يقعُ في كلامٍ واحد نحو قوله : { ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [ الحاقة : 1 - 2 ] وقوِل الآخر : @ 489ـ ليتَ الغُرابَ غداةَ يَنْعَبُ دائِباً كان الغرابُ مُقَطَّعَ الأَوْداجِ @@ وقد جمع عديٌّ بنُ زيدٍ بين المعنيين فقال : @ 490ـ لا أرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنَى والفَقيرا @@ وجاء في سورة الأعراف { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } [ الأعراف : 133 ] فجاء هنا بلفظ الإِرسالِ ، وبالمضمرِ دونَ الظاهرِ ، وذلك أنه تعالى عَدَّد عليهم في هذه السورة نِعَماً جَسيمةً كثيرةً فكانَ توجيهُ الذمِّ عليهم وتوبيخُهم بكُفرانِها أَبَلَغَ مِنْ ثَمَّ ، حيث إنه لم يُعَدِّدْ عليهم هناك ما عَدَّد هنا ، ولفظُ الإِنزالِ للعذابِ أبلغُ من لفظِ الإِرسالِ . والرِّجْزُ : العَذَابُ ، وفيه لغةٌ أخرى وهي ضَمُّ الراءِ ، وقُرِئ بهما وقيل : المضمومُ اسمُ صَنَمٍ ، ومنه : { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } [ المدثر : 5 ] وذلك لأنَه سببُ العذابِ . وقال الفراء : " الرِّجْزُ والرِّجْسُ بالزاي والسين بمعنَىً كالسُّدْغِ والزُّدْغِ ، والصحيحُ أن الرِّجْزَ : القَذَرُ وسيأتي بيانُه ، والرَّجَزُ داءٌ يُصيبُ الإِبلِ فترتعشُ منه ، ومنه بَحْر الرَّجَز في الشعر . قوله : " بما كانوا يفسُقُون متعلِّق بـ { أَنزَلْنَا } والباءُ للسببية و " ما " يجوزُ أن تكونَ مصدريةً ، وهو الظاهرُ أي : بسببِ فِسْقِهم ، وأن تكونَ موصولةً اسميةً ، والعائدُ محذوفٌ على التدريجِ المذكور في غير موضعٍ ، والأصلُ يَفْسُقُونَه ، ولا يَقْوى جَعْلُها نكرةً موصوفَةً ، وقال في سورة الإِعراف : { يَظْلِمُونَ } [ الآية : 162 ] تنبيهاً [ على ] أنهم جامِعُون بين هذين الوصفينِ القبيحين . وقد تقدَّم معنى الفِسْق . وقرأ ابن وثَّاب { يَفْسُقُونَ } بكسر السين ، وقد تقدَّم أنهما لغتان .