Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 68-68)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا } … كقوله : { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا } [ البقرة : 61 ] وقد تقدَّم . قوله : " ما هي " ؟ ما استفهاميةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ تقديرُه : أيُّ شيءٍ هي ، و " ما " الاستفهاميةُ يُطْلَبُ بها شَرْحُ الاسم تارةً نحو : " ما العنقاءُ ؟ [ و ] ماهيَّةُ المُسَمَّى أخرى نحو : ما الحركةُ . وقال السكاكي : " يَسْأَلُ بـ " ما " عن الجنسِ ، تقولُ : ما عندك ؟ أي : أيُّ أجناسِ الأشياءِ عندك ، وجوابُه : كتابٌ ونحوه ، أو عن الوصف ، تقول : ما زيدٌ ؟ وجوابه : كريمٌ " وهذا هو المرادُ في الآية . و " هي " ضميرٌ مرفوعٌ منفصلٌ في محلِّ رفع خبراً لـ " ما " ، والجملةُ في محلِّ نصب بيبيِّن ، لأنه مُعَلَّقٌ عن الجملةِ بعده ، وجاز ذلك لأنَّه شبيهٌ بأفعالِ القلوبِ . قوله : { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } لا نافيةٌ ، و " فارضٌ " صفةٌ لبقرة ، واعترض بـ " لا " بين الصفةِ والموصوفِ ، نحوٍ : مَرَرْتُ برجلٍ لا طويلٍ ولا قصيرٍ . وأجاز أبو البقاء أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي : لا هي فارضٌ . وقولُه : { وَلاَ بِكْرٌ } مثلُ ما تقدَّم ، وتكرَّرت " لا " لأنها متى وقعت قبل خبرٍ أو نعتٍ أو حالٍ وَجَب تكريرُها ، تقول : زيدٌ لا قائمٌ ولا قاعدٌ ، ومررت به لا ضاحكاً ولا باكياً ، ولا يجوز عدمُ التكرارِ إلا في ضرورةٍ , خلافاً للمبرد وابن كيسان ، فمن ذلك : @ 529ـ وأنتَ امرؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لغيرِنا حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجِعُ @@ وقولُه : @ 530ـ قَهَرْتَ العِدَى لا مُسْتَعيناً بعُصْبَةٍ ولكنْ بأنواعِ الخدائعِ والمَكْرِ @@ فلم يكرِّرها في الخبر ولا في الحالِ . والفارضُ : المُسِنَّةُ الهَرِمة ، قال الزمخشري : " كأنَّها سُمِّيَتْ بذلك لأنها فَرَضَتْ سِنَّها ، أي قَطَعَتْها وبَلَغَتْ آخرَها " قال الشاعر : @ 531ـ لَعَمْرِي لقد أَعْطَيْتَ جارَك فارِضاً تُساقُ إليه ما تقومُ على رِجْلِ @@ ويقال لكلِّ ما قَدُم : فارضٌ ، قال : @ 532ـ شَيَّبَ أصداغِي فرأسي أبيضُ محامِلٌ فيها رجالٌ فُرَّضُ @@ أي : كبارٌ قدماء ، وقال آخر : @ 533ـ يا رُبَّ ذي ضِغْنٍ عليَّ فارضِ له قُروءٌ كقُروءِ الحائِضِ @@ وقال الراغب : " سُمِّيَتْ فارِضاً لأنها تقطعُ الأرضَ ، والفَرْضُ في الأصل : القَطْع وقيل : لأنها تحملُ الأحمَالَ الشاقةَ . وقيل : لأن فريضة البقر تَبِيعٌ ومُسِنَّة ، قال : فعلى هذا تكونُ الفارضُ اسماً إسلامياً " ويقال فَرَضَتْ تفرِضُ بالفتح فُروضاً ، وقيل : فَرُضَتْ بالضمِّ أيضاً . والبِكْرُ ما لم تَحْمِل ، وقيل : مَا وَلَدَتْ بطناً واحداً وذلك الولدُ بِكْرٌ أيضاً ، قال : @ 534ـ يا بِكْرَ بَكْرَيْنِ ويا خِلْبَ الكَبِدْ أصبحْتَ مني كذراعٍ من عَضُدْ @@ والبِكْرُ من الحيوان : مَنْ لم يَطْرُقْه فَحْل ، والبَكْر بالفتح : الفَتِيُّ من الإِبل ، والبَكارة بالفتح : المصدر . قوله : { عَوَانٌ } صفةٌ لبقرة ، ويجوز أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي : هي عوانٌ ، كما تقدَّم في { لاَّ فَارِضٌ } والعَوانُ ، النَّصَفُ ، وهو التوسُّطُ بين الشيئينِ ، وذلك أقوىٰ ما يكونُ وأحسنُه ، قال : @ 535ـ … نواعِمُ بين أبكارٍ وعُونِ @@ وقيل : هي التي وَلَدَت مرةً بعد أخرى ، ومنه الحَرْبُ العَوانُ ، أي : التي جاءت بعدَ حربٍ أخرى ، قال زهير : @ 536ـ إذا لَقِحَتْ حربٌ عَوانٌ مُضِرَّةٌ ضَروسٌ تُهِرُّ الناسَ أنيابُها عُصْلُ @@ والعُون بسكونِ الواو : الجمعُ ، وقد تُضَمُّ ضرورةً كقوله : @ 537ـ … … في الأكُفِّ اللامِعاتِ سُوُرْ @@ بضمِّ الواو . ونظيرُه في الصحيح : قَذَال وقُذُل ، وحِمار وحُمُر . قوله : { بَيْنَ ذٰلِكَ } صِفةٌ لعَوان ، فهو في محلِّ رفعٍ ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : كائنٌ بين ذلك ، و " بين " إنما تُضاف لشيئين فصاعداً ، وجاز أن تضافَ هنا إلى مفرد ، لأنه يُشارُ بِهِ إلى المثنى والمجموع ، كقوله : @ 538ـ إنَّ للخيرِ وللشَّرِّ مَدَى وكِلا ذلك [ وَجْهٌ وقَبَلْ ] @@ كأنه قيل : بين ما ذُكِر من الفارضِ والبِكْر . قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف جازَ أن يُشارَ به إلى مؤنَّثَيْن وإنما هو لإِشارةِ المذكر ؟ قلت : لأنه في تأويلِ ما ذُكر وما تقدَّم " ، وقال : " وقد يَجْري الضمير مَجْرى اسم الإِشارةِ في هذا / قال أبو عبيدة : قلت لرؤبة في قوله : @ 539ـ فيها خطوطٌ من سَوادٍ وبَلَقْ كأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ @@ إن أردْتَ الخطوطَ فقل : كأنها ، وإن أردْتَ السوادَ والبَلَق فقل : كأنهما ، فقال : أردْتُ : كأنَّ ذاكَ . وَيْلَك " . والذي حَسَّنَ منه أنَّ أسماءَ الإِشارةِ تَثْنِيتُها وجَمْعُها وتأنيثُها ليسَتْ على الحقيقة ، وكذلك الموصولاتُ ، ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع . قوله : { مَا تُؤْمَرونَ } " ما " موصولةٌ بمعنى الذي ، والعائدُ محذوفٌ تقديره : تُؤْمَرون بِه ، فحُذِفَت الباءُ وهو حذفٌ مطَّردٌ ، فاتصل بالضميرِ فحُذِفَ . وليس هو نظيرَ { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [ التوبة : 69 ] فإنَّ الحذف هناك غيرُ مقيسٍ ، ويضعُف أن تكونَ " ما " نكرةً موصوفةً . قال أبو البقاء : " لأنَّ المعنى على العُمومِ وهو بالذي أَشْبَهُ " ، ويجوزُ أن تكونَ مصدريةً أي : أَمَرَكم بمعنى مأمورَكم ، تسميةً للمفعولِ بالمصدرِ كضَرْبِ الأمير ، قاله الزمخشري . و " تُؤْمَرون " مبنيٌّ للمفعول والواوُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ ، ولا محلَّ لهذه الجملةِ لوقوعِها صلةً .