Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } : " أو " هذه كـ " أو " في قوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ } [ البقرة : 19 ] فكلُّ ما قيلَ فيه ثَمَّةَ يمكنُ القولُ به هنا ، ولمَّا قال أبو الأسود : @ 551ـ أُحِبُّ محمداً حُبَّاً شديداً وعَبَّاساً وحمزةَ أو عَلِيَّا @@ اعترضوا عليه في قوله " أو " التي تقتضي الشكَّ ، وقالوا له : أَشَكَكْتَ ؟ فقال : كَلاَّ ، واستدلَّ بقولِه تعالى : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ } [ سبأ : 24 ] وقال : أَوَ كان شاكَّاً مَنْ أَخْبر بهذا ؟ وإنما قَصَد رحمه الله الإِبهامَ على المخاطب . و " أشدُّ " مرفوعٌ لعطفِه على محلِّ " كالحجارة " أي : فهي مثلُ الحجارةِ أو أشدُّ . والكافُ يجوزُ أن تكونَ حرفاً فتتعلَّقَ بمحذوفٍ وأن تكونَ اسماً فلا تتعلَّقَ بشيء ، ويجوز أن تكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي : أو هي أشدُّ . و " قسوة " نصبٌ على التمييزِ ؛ لأنَّ الإِبهامَ حَصَلَ في نسبةِ التفضيلِ إليها ، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ للدلالةِ عليه أي : أشدُّ قسوةً من الحجارةِ . وقُرئ " أشدَّ " بالفتح ، ووجهُها أنه عَطَفَها على " الحجارة " أي : فهي كالحجارة أو كأشدَّ منها . قال الزمخشري مُوَجِّهاً للرفعِ : " وأشدُّ معطوفٌ على الكاف : إمَّا على معنى : أو مثلُ أشدَّ فَحُذِف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه ، وتَعْضُده قراءة الأعمش بنصبِ الدال عطفاً على الحجارة " . ويجوز على ما قاله أن يكونَ مجروراً بالمضافِ المحذوفِ تُرِكَ على حاله ، كقراءة : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةِ } [ الأنفال : 67 ] بجرِّ الآخرةِ ، أي : ثوابَ الآخرةِ ، فيحصُلُ من هذا أنَّ فتحةَ الدالِ يُحْتَمَلُ أن تكونَ للنصبِ وأن تكونَ للجرِّ . وقال الزمخشري أيضاً : " فإنْ قلت : لِمَ قيل " أشدُّ قسوةً " وفعلُ القسوةِ ممَّا يخرُج منه أفعلُ التفضيلِ وفعلُ التعجبِ ؟ يعني أنه مستكملٌ للشروطِ مِنْ كونِه ثلاثياً تاماً غيرَ لَونٍ ولا عاهةٍ متصرفاً غيرَ ملازمٍ للنفيِ ثم قال : " قلت : لكونِه أَبْيَنَ وأدلَّ على فرطِ القسوةِ ، ووجهٌ آخرُ وهو أنه لا يَقْصِدُ معنى الأقسى ، ولكنه قَصَد وصفَ القسوةِ بالشدة ، كأنه قيل : اشتدَّتْ قسوةُ الحجارةِ وقلوبُهم أشدُّ قسوةً " وهذا كلامٌ حسنٌ جداً ، إلا أنَّ كونَ القسوةِ يجوزُ بناءُ التعجبِ منها فيه نظرٌ من حيثُ إنَّها من الأمورِ الخَلْقيَّةِ أو من العيوبِ ، وكلاهما ممنوعٌ منه بناءُ البابَيْنِ . وقُرئ : قَساوة . قوله : { لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ } اللامُ لامُ الابتداء دَخَلَت على اسم " إنَّ " ، لتقدُّمِ الخبرِ وهو { مِنَ ٱلْحِجَارَةِ } ، وهي بمعنى الذي في محلِّ النَّصْبِ ولو لم يتقدَّم الخبرُ لم يَجُزْ دخولُ اللام على الاسم لئلا يتوالَى حرفا تأكيدٍ ، وإنْ كان الأصلُ يقتضي ذلك ، والضميرُ في " منه " يعودُ على " ما " حَمْلاً على اللفظ ، قال أبو البقاء : " ولو كان في غيرِ القرآنِ لجازَ " منها " على المعنى " قلت : هذا الذي قد قرأ به أُبي بن كعب والضحاك . وقرأ مالك بن دينار : " يَنْفَجِرُ " من الانفجار . وقرأ قتادة : { وَإِنْ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ } بتخفيف إنْ من الثقيلة وأتى باللام فارقةً بينها وبين " إنْ " النافية ، وكذلك { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ } وهذه القراءة تحتمل أن تكونَ " ما " فيها في محل رفع وهو المشهورُ ، وأن تكونَ في محلِّ نصبٍ لأنَّ " إنْ " المخففة سُمع فيها الإِعمالُ والإِهمالُ ، قال تعالى : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } [ هود : 111 ] في قراءة مَنْ قرأه . وقال في موضع آخر : { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } [ يس : 32 ] إلاَّ أنَّ المشهورَ الإِهمالُ . و { يَشَّقَّقُ } أصلُه : يَتَشَقَّقُ ، فأُدْغم ، وبالأصلِ قرأ الأعمشُ ، وقرأ طلحة بن مصرف : " لَمَّا " بتشديد الميم في الموضعين ، قال ابن عطية : " وهي قراءة غير متجهة " وقرأ أيضاً : " يَنْشَقُّ " بالنون ، وفاعلُه ضمير " ما " وقال أبو البقاء : " ويجوز أن يكونَ فاعلُه ضميرَ الماء لأنَّ " يَشَّقَّقُ " يجوز أن يُجْعَلَ للماء على المعنى ، فيكونَ معك فعلان ، فيعملُ الثاني منهما في الماء ، وفاعلُ الأولِ مضمرٌ / على شريطةِ التفسيرِ ، وعند الكوفيين يَعْمَلُ الأولُ فيكون في الثاني ضميرٌ " يعني أنه من باب التنازع ، ولا بد من حَذْفِ عائدٍ من " يَشَّقَّق " على " ما " الموصولة دلَّ عليه قوله " مِنْه " والتقديرُ : وإنَّ من الحجارة لما يَشَّقَّقُ الماءُ منه فيخرجُ الماءُ منه . وقال أيضاً : " ولو قُرئ " تتفجَّر " بالتاءِ جاز " قلتُ : قال أبو حاتم يجوز " لما تتفجَّر " بالتاء لأنه أَنَّثه بتأنيثِ الأنهار ، وهذا لا يكون في تشَّقَّق يعني التأنيث . قال النحاس : " يجوز ما أنكره على المعنى ، لأنَّ المعنى : وإنَّ منها لحجارةً تَتَشَقَّقُ " يعني فيراعي به معنى " ما " فإنَّها واقعةٌ على الحجارة . قوله : { مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } منصوبُ المحلِّ متعلقٌ بـ " يَهْبِط " . و " مِنْ " للتعليل ، وقال أبو البقاء : [ " مِنْ " ] في موضع نصب بيهبط ، كما تقول : يهبط بخشيةِ الله ، فجعلَها بمعنى الباء المُعَدِّية ، وهذا فيه نظرٌ لا يَخْفَى . وخشية مصدرَ مضافٌ للمفعول تقديرُه : مِنْ أن يَخْشَى اللهَ . وإسنادٌ الهبوطِ إليها استعارةُ ، كقوله : @ 552ـ لَمَّا أَتى خبرُ الزُّبَيْرِ تواضَعَتْ سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ @@ ويجوز أن يكونَ حقيقةً على معنَى أنَّ الله خلقَ فيها قابليةً لذلك . وقيل : الضميرُ في " منها " يعودُ على القلوبِ وفيه بُعْدٌ لتنافُرِ الضمائر . قوله { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ } قد تقدَّم في قوله : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] فَلْيُلْتَفَتْ إليه . قوله : { عَمَّا تَعْمَلُونَ } بغافل ، و " ما " موصولةٌ اسميةٌ ، فلا بد من عائدٍ أي : تعملونه ، أو مصدريةٌ فلا يُحتاجُ إليه ، أي عن عملِكم ، ويجوز أن يكونَ واقعاً موقعَ المفعولِ به ، ويجوز ألاَّ يكون . وقُرِئ " يعملون " بالياءِ والتاءِ .