Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 78-78)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } … " منهم " خبرٌ مقدَّمٌ ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ . و " أمِّيُّون " مبتدأٌ مؤخر ، ويجوزُ على رأي الأخفشِ أن يكونَ فاعلاً بالظرف قبلَه وإنْ لم يَعتمدْ ، وقد بَيَّنْتُ على ماذا يعتمد فيما تقدَّم . " وأمِّيُّون جمع أُمّيّ وهو مَنْ لا يكتب ولا يقرأ ، واختُلف في نسبته ، فقيل : إلى الأُم وفيه معنيان : أحدُهما : أنه بحال أمِّه التي وَلَدَتْه مِنْ عَدَمِ معرفةِ الكتابة وليس مثلَ أبيه ، لأن النساءَ ليس منْ شُغْلِهِنَّ الكتابةُ . والثاني : أنَّه بحاله التي وَلَدَتْهُ أمُّه عليها لم يتغيَّرْ عنها ولم يَنْتَقِلْ . وقيل : نُسِبَ إلى الأُمَّة وهي القامَةُ والخِلْقَةُ ، بمعنى أنه ليس له من الناسِ إلا ذلك . وقيل : نسب إلى الأُمَّة على سَذاجَتِها قبل أن تَعْرِفَ الأشياء كقولهم : عامِّي أي : على عادة العامَّة . وعن ابن عباس : " قيل لهم أمِّيُّون لأنهم لم يُصَدِّقوا بأم الكتاب " وقال أبو عبيدة : " قيل لهم أُمِّيُّون لإِنزالِ الكتابِ عليهم كأنهم نُسبوا لأُمِّ الكتاب " . وقرأ ابن أبي عبلة : " أُمِّيُون " بتخفيف الياء ، كأنه اسْتُثْقَلَ تواليَ تضعيفين . قوله : { لاَ يَعْلَمُونَ } جملةٌ فعلية في محلِّ رفعٍ صفةً لأمِّيُّونُ ، كأنه قيل : أُمِّيُّون غيرُ عالمين . قوله : { إِلاَّ أَمَانِيَّ } هذا استثناءٌ منقطعُ ، لأن الأمانيَّ ليست من جنسِ الكتابِ ، ولا مندرجةٌ تحتَ مدلولِه ، وهذا هو المنقطعُ ، ولكنَّ شرطه أن يُتَوَهَّمَ دخولُه بوجهٍ ما كقولِه : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } [ النساء : 157 ] / وقولِ النابغة : @ 556ـ حَلَفْتُ يميناً غيرَ ذي مَثْنَوِيَّةٍ ولا عِلْمَ إلا حُسْنُ ظنٍّ بصاحبِ @@ لأنَّ بِذِكْرِ العلم استُحْضِرَ الظنُّ ، ولهذا لا يَجُوز : صَهَلَت الخيلُ إلا حماراً . واعلمْ أنَّ المنقطعَ على ضَرْبَيْن : ضربٍ يَصِحُّ تَوَجُّهُ العاملِ عليه نحو : " جاء القومُ إلا حماراً " وضربٍ لا يتوجَّهُ نحو ما مَثَّل به النحويون : " ما زاد إلا ما نَقَصَ ، وما نَفَعَ إلا ما ضَرَّ " فالأول فيه لغتان : لغةُ الحجازِ وجوبُ نصبهِ ولغةُ تميمٍ أنه كالمتصل ، فيجوزُ فيه بعد النفي وشِبْهِهِ النصبُ والإِتباعُ ، والآيةُ الكريمة من الضَرْب الأول ، فيَحْتملُ نصبُها وجهين ، أَحَدُهُما : على الاستثناء المنقطع ، والثاني : أنه بدلٌ من الكتاب ، و " إلا " في المنقطع تُقَدَّر عند البصريين بـ " لكن " وعند الكوفيين بـ " بل " . وظاهرُ كلام أبي البقاء أن نَصْبَه على المصدرِ بفعلِ محذوفٍ ، فإنَّه قال : { إِلاَّ أَمَانِيَّ } استثناء منقطع ، لأنَّ الأمانيَّ ليس من جنسِ العلم ، وتقديرُ " إلاَّ " في مثلِ هذا بـ " لكنْ " ، أي : لكنْ يتَمنَّونه أمانيَّ ، فيكونُ عندَه من بابِ الاستثناء المفَرَّغِ المنقطعِ ، فيصيرُ نظيرَ : " ما علمتُ إلا ظناً " وفيه نظرٌ . والأمانيُّ جمع أُمْنِيَّة بتشديد الياء فيهما . وقال أبو البقاء : " يجوز تخفيفُها فيهما " . وقرأ أبو جعفر بتخفيفها ، حَذَفَ إحدى الياءَين ، تخفيفاً ، قال الأخفش : " هذا كما يُقال في جمعِ مفتاح : مفاتح ومفاتيح " ، قال النحاس : " الحَذْفُ في المعتلِّ أكثرُ " وأنشد قول النابغة : @ 557ـ وهل يُرْجِعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَىٰ ثلاثُ الأَثافي والرسومُ البلاقِعُ @@ وقال أبو حاتم : " كلُّ ما جاء واحدُه مشدَّداً من هذا النوع فلك في الجمعِ الوجهان " وأصلُه يَرْجِعُ إلى ما قال الأخفش . ووزن أُمْنِيَّة : أُفْعُولة من منَّى يُمَنِّي إذا تلا وقرأ ، قال : @ 558ـ تَمَنَّى كتابَ اللهِ آخرَ ليلِهِ تَمَنِّىِ داودَ الزبورَ على رِسْلِ @@ وقال كعب بن مالِك : @ 559ـ تَمَنَّى كتابَ اللهِ أوَّلَ لَيلهِ وآخِرَه لاقى حِمامَ المقادِرِ @@ وقال تعالى : " إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطانُ في أُمْنِيَّتِهِ " ، أيَ : قَرَأَ وتَلا ، فالأصلُ على هذا : أُمْنُوية ، فاعتلَّت اعتلالَ ميِّت وسيِّد ، وقد تقدَّم . وقيل : الأمنيَّةُ الكذبُ والاختلاقُ . وقيل ما يتمنَّاه الإِنسان ويَشْتهيه . وقيل : ما يُقَدِّرُه وَيَحْزِرُه مِنْ مَنَّى إذا كَذَبَ أو تمنَّى أو قدَّر ، كقوله : @ 560ـ لا تأْمَنَنَّ وأنْ أمْسَيْت في حَرَمٍ حتى تُلاقِي ما يَمْني لكَ الماني @@ أي : يقدِّر لك المقدِّرُ . وقال الراغب : " والمَنْيُ القَدْرُ ، ومنه " المَنا " الذي يُوزَنُ به ، ومنه : المَنِيَّة وهو الأجَل المقدَّرُ للحيوان ، والتمنِّي : تقديرُ شيءٍ في النفسِ وتصويرُه فيها ، وذلك قد يكونُ عن ظَنٍّ وتخمين ، وقد يكونُ بناءً على رَوِيَّةٍ وأصلٍ ، لكنْ لمَّا كان أكثرُه عن تَخْمينٍ كان الكذبُ أَمْلَكَ له ، فأكثرُ التمنِّي تصوُّرُ ما لا حقيقةَ له ، والأُمْنِيَةُ : الصورةُ الحاصلةُ في النفسِ مِنْ تمنِّي الشيءِ ، ولمَّا كان الكذبُ تَصَوُّرَ ما لا حقيقة له وإيرادَه باللفظِ صار التَمنِّي كالمبدأ للكذبِ [ فعُبِّر به عنه ، ومنه قولُ عثمانَ رضي اللهُ عنه : " ما تَغَنَّيْتُ ولا تَمَنَّيْتُ منذ أَسلمْتُ " ] . وقال الزمخشري : " والاشتقاقُ من مَنَّى إذا قدَّر ، أن المتمنِّي يُقَدِّر في نفسِه ويَحْزِرُ ما يتمنَّاه ، وكذلك المختلقُ ، والقارئُ يقدِّر أنَّ كلمةَ كذا بعد كذا " فجَعَلَ بين هذه المعاني قَدْراً مشتركاً وهو واضحٌ . قولُه : { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } " إنْ " نافيةٌ بمعنى ما ، وإذا كانت نافيةً فالمشهورُ أنها لا تعملُ عملَ " ما " الحجازيةِ ، وأجاز بعضُهم ذلك ونَسَبه لسيبويهِ وأَنْشدوا : @ 561ـ إنْ هُوَ مستولياً على أَحَدٍ إلاَّ على أَضْعَفِ المجانين @@ و " هو " اسمُها و " مستولياً " خبرُها ، فقولُه " هم " في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، لا اسم " إنْ " لأنها لم تَعْمَل على المشهور ، و " إلاَّ " للاستثناء المفرغ ، و " يَظُنُّونَ " في محلِّ الرفع خبراً لقولِه " هم " وحَذَفَ مفعوليَ الظنِّ للعلمِ بهما ، أو اقتصاراً ، وهي مسألةُ خلافِ .