Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-35)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ } : مبتدأٌ وخبرٌ : إمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي : ذو نورٍ السماوات . والمرادُ بالنور عَدْلُه . ويؤْيِّد هذا قولُه { مَثَلُ نُورِهِ } . وأضاف النورَ لهذين الظرفين : إمَّا دَلالةً على سَعَةِ إشراقِه وفُشُوِّ إضاءته ، حتى تضيءَ له السماواتُ والأرضُ ، وإمَّا لإِرادةِ أهلِ السماوات والأرضِ ، وأنَّهم يَسْتضيئون به . ويجوز أَنْ يبالَغَ في العبارةِ على سبيلِ المَدْحِ كقولهم : فلانٌ شمسُ البلاد وقمرُها ، قال النابغة : @ 3446ـ فإنَّك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ إذا ظهرَتْ لم يَبْدُ منهنَّ كوكبُ @@ وقال : @ 3447ـ قَمَر القبائلِ خالدُ بن يزيد … @@ ويجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ واقِعاً موقعَ اسمِ الفاعلِ أي : مُنَّوِّرُ السماواتِ . ويؤيِّد هذا الوجهَ قراءةُ أميرِ المؤمنين وزيدِ بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكي " نَوَّرَ " فعلاً ماضياً . وفاعلُه ضميرُ الباري تعالىٰ ، و " السماواتِ " مفعولُه فكَسْرُه نصبٌ . و " الأرضَ " بالنصبِ نَسَقٌ عليه . وفَسَّره الحسنُ فقال : الله مُنَوِّرُ السماوات . قوله : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } مبتدأٌ وخبرٌ أيضاً . وهذه الجملةُ إيضاحٌ لِما قبلَها وتفسيرٌ فلا محلَّ لها . وثَمَّ مضافٌ محذوفٌ أي : كَمَثَلِ نورِ مشْكاة . قال الزمخشري : " أي : صفةُ نورِه العجيبِ الشأنِ في الإِضاءةِ كَمِشْكاةٍ أي : كصفةِ مِشْكاة " . واختلفوا في الضمير في " نُوره " فقيل : هو للهِ تعالىٰ ، وهو الأَوْلَىٰ ، والمرادُ بالنورِ على هذا : الآياتُ المبيناتُ المتقدمةُ ، أو الإِيمان ، وقيل : إنه عائدٌ على المؤمنين أو المُؤْمنِ أو مَنْ آمن به . وقد قرأ أُبَيّ بهذه الألفاظِ كلِّها . وأعاد الضميرَ على ما قرأ به . وقيل : يعودُ على محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يتقدَّمْ لهذه الأشياءِ ذِكْرٌ . وأمَّا عَوْدُه على المؤمنين في قراءةِ أُبَيّ ، ففيه إشكالٌ من حيث الإِفراد . / قال مكي : " يُوْقَفَ على " الأرض " في هذه الأقوالِ الثلاثةِ " . واختلفوا أيضاً في هذا التشبيهِ : أهو تشبيهٌ مركَّبٌ أي : قُصِدَ فيه تشبيهُ جملةٍ بجملةٍ ، من غير نَظَرٍ إلى مقابلة جزءٍ بجزءٍ ، بل قَصَدَ تشبيهَ هُداه وإتقانَ صنعتِه في كلِّ مخلوقٍ على الجُملة بهذه الجملةِ من النور الذي يَتَّخذونه . وهو أبلغُ صفاتِ النورِ عندكم ؟ أو تشبيهٌ غيرُ مركبٍ أي : قُصِدَ مقابلةُ جزءٍ بجزءٍ ؟ ويترتَّبُ الكلامُ فيه بحسَبِ الأقوال في الضمير في " نوره " . والمِشْكاةُ : الكُوَّةُ غيرُ النافِذَةِ . وهل هي عربية أم حبشية مُعَرَّبة ؟ خلافٌ . وقيل : هي الحديدةُ أو الرَّصاصة التي يوضع فيه الذُّبال وهو الفتيل ، وتكون في جَوْفُ الزجاجة ، وقيل : هي العمودُ الذي يوْضَعُ على رأسِه المصباحُ ، وقيل : ما يُعَلَّقُ فيه القنديلُ من الحديدِ ، وأمال " المِشْكاة " الدُّوري عن الكسائي لتقدُّمِ الكسرِ ، وإنْ وُجِدَ فاصلٌ . ورُسِمَتْ بالواو كالزكاة والصلاة . والمِصْباح : السِّراجُ الضخمُ . والزجاجةُ : واحدةٌ الزجاج ، وهو جوهرٌ معروفٌ . وفيه ثلاثُ لغاتٍ : فالضم لغةُ الحجاز ، وهو قراءةُ العامَّة ، والكسرُ والفتحُ لغةُ قيس . وبالفتح قرأ ابن أبي عبلة ونصر بن عاصم في رواية ابنِ مجاهد . وبالكسر قرأ نصر بن عاصم في روايةٍ عنه ، وأبو رجاء . وكذلك الخلافُ في قوله " الزجاجةُ " . والجملةُ مِنْ قوله : { فِيهَا مِصْبَاحٌ } صفةُ لـ " مِشْكاة " . ويجوزُ أن يكونَ الجارُّ وحدَه هو الوصفَ ، و " مصباحٌ " مرتفعٌ به فاعلاً . قوله : { دُرِّيٌّ } ، قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وياءٍ بعدها همزةٌ . وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياءٍ بعدها همزةٌ . والباقون بضمِّ الدال وتشديد الياءِ من غيرِ همزةٍ ، وهذه الثلاثةُ في السبع ، وقرأ زيد بن علي والضحاكُ وقتادةُ بفتح الدال وتشديد الياء . وقرأ الزهريُّ بكسرِها وتشديد الياء . وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيَّب وأبو رجاء وقتادة أيضاً " دَرِّيْء " بفتح الدال وتشديدِ الراء وياءٍ بعدها همزةٌ . فأما الأولىٰ فقراءةٌ واضحةٌ لأنه بناءٌ كثيرٌ يوجد في الأسماء نحو " سِكِّين " وفي الصفاتِ نحوِ " سِكِّير " . وأمَّا القراءةُ الثانية فهي مِنْ الدِّرْءِ بمعنى الدَّفْع أي : يدفع بعضُها بعضاً أو يَدْفعُ ضوءُها خَفاءَها ، قيل : ولم يوجد شيءٌ وزنُه فُعِّيل إلاَّ مُرِّيْقاً للعُصْفُر وسُرِّيَّة على قولنا : إنها من السرور ، وإنه أُبْدل مِن إحدى المضعَّفاتِ ياءٌ ، وأُدْغِمَتْ فيها ياءُ فُعِّيل ، ومُرِّيخاً للذي في داخلِ القَرْنِ اليابس ، ويقال بكسرِ الميمِ أيضاً ، وعُلِّيَّة ودُرِّيْء في هذه القراءة ، وذُرِّيَّة أيضاً في قولٍ . وقال بعضهم : " وزن دُرِّيْء في هذه القراءةِ فُعُّول كسُبُّوح قُدُّوْس ، فاستُثْقِل توالي الضمِّ فنُقِل إلى الكسرِ ، وهذا منقولٌ أيضاً في سُرِّية وذُرِّيَّة . وأمَّا القراءة الثالثة فتحتمل وجهين ، أحدُهما : أَنْ يكونَ أصلُها الهمزَ كقراءةِ حمزةَ ، إلاَّ أنه أَبْدَلَ مِنَ الهمزةِ ياءً ، وأَدْغم ، فَيَتَّحدُ معنى القراءتين ، ويُحتمل أَنْ يكونَ نسبةً إلى الدُّر لصفائها وظهورِ إشراقِها . وأمَّا قراءةُ تشديدِ الياءِ مع فتحِ الدالِ وكسرِها ، فالذي يظهرُ أنه منسوبٌ إلى الدُّر . والفتحُ والكسرُ في الدالِ من بابِ تغييراتِ النَّسَبِ . وأمَّا فتحُ الدالِ مع المدِّ والهمز ففيها إشكالٌ . قال أبو الفتح : " وهو بناءٌ عزيزٌ لم يُحْفَظْ منه إلاَّ السَّكِّينة بفتح الفاء وتشديد العين " . قلت : وقد حكى الأخفشُ : " فَعَلَيْه السَّكِّينة والوَقار " و " كوكَبٌ دَرِّيْءٌ " مِنْ " دَرَاْتُه " . قولِه : { يُوقَدُ } قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو " تَوَقَّدَ " بزنة تَفَعَّلَ فعلاً ماضياً فيه ضميرُ فاعِله يعودُ على المصباح ، ولا يعودُ على " كوكب " لفسادِ المعنىٰ . والأخوان وأبو بكر " تُوْقَدُ " بضم التاءِ مِنْ فوقُ وفتح القافِ ، مضارعَ أَوْقَدَ . وهو مبنيٌّ للمفعولِ . والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرٌ يعودُ على " زجاجة " فاسْتَتَرَ في الفعل . وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ أنَّه بالياءِ من تحتُ . والضميرُ المستترُ يعودُ على المصباح . وقرأ الحسن والسلمي وابن محيصن ، ورُوِيَتْ عن عاصم من طريقِ المفضِّلِ كذلك ، إلاَّ أنَّه ضَمَّ الدال ، جعله مضارع " تَوَقَّدَ " ، والأصلُ : تَتَوَقَّد بتاءَيْن ، فحُذِفَ إحداهما كـ " تَذَكَّرُ " . والضميرُ أيضاً للزُّجاجة . وقرأ عبد الله " وَقَّدَ " فعلاً ماضياً بزنةِ قَتَّلَ مشدداً ، أي : المصباح . وقرأ الحسنُ وسَلاَّم أيضاً " يَوَقَّدُ " بالياء مِنْ تحتُ ، وضَمِّ الدال ، مضارعَ تَوَقَّدَ . والأصلُ يَتَوَقَّدُ بياءٍ من تحتُ ، وتاءٍ مِنْ فوقُ ، فَحُذِفَتْ التاءُ مِنْ فوقُ . هذا شاذٌ إذ لم يتوالَ مِثْلان ، ولم يَبْقَ في اللفظِ ما يَدُلُّ على المحذوف ، بخلافِ " تَنَزَّلُ " و " تَذَكَّرُ " وبابِه ؛ فإنَّ فيه تاءَيْن ، والباقي يَدُلُّ على ما فُقِد . / وقد يُتَمَحَّلُ لصحتِه وجهٌ من القياس وهو : أنهم قد حَمَلوا أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ على يَعِدُ في حَذْفٍ الواوِ لوقوعِها بين ياءٍ وكسرةٍ فكذلك حَمَلوا يَتَوَقَّد بالياء والتاء على تَتَوَقَّد بتاءين ، وإنْ لم يكنْ الاستثقالُ موجوداً في الياء والتاء . قوله : { مِن شَجَرَةٍ } " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، وثَمَّ مضافٌ محذوفٌ أي : مِنْ زيتِ شجرةٍ . وزَيْتونة فيها قولان أشهرُهما : أنَّها بدلٌ مِنْ " شجرةٍ " . الثاني : أنها عطفٌ بيان ، وهذا مذهبُ الكوفيين وتَبِعهم أبو عليّ . وقد تقدَّم هذا في قوله { مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } [ إبراهيم : 16 ] . قوله : { لاَّ شَرْقِيَّةٍ } صفةٌ لـ " شَجَرة " ودَخَلَتْ لتفيدَ النفيَ . وقرأ الضحَّاك بالرفعِ على إضمارِ مبتدأ أي : لا هي شرقيةٌ . والجملةُ أيضاً في محل جَرٍّ نعتاً لـ " شَجَرة " . قوله : { يَكَادُ } هذه الجملةُ أيضاً نعتُ لـ " شجرةٍ " . قوله : { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } جوابُها محذوفٌ أي : لأضاءَتْ لدلالةِ ما تقدَّمَ عليه ، والجملةُ حاليةٌ . وقد تقدَّم تحريرُ هذا في قولِه " رُدُّوا السَّائلَ ولو جاءَ على فَرَس " وأنها لاستقصاءِ الأحوالِ : حتى في هذه الحال . وقرأ ابن عباس والحسن " يَمْسَسْه " بالياءِ لأنَّ المؤنَّثَ مجازيٌّ ، ولأنه قد فُصِلَ بالمفعولِ أيضاً . قوله : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : ذلك نورٌ . و " على نورٍ " صفةٌ لـ " نور " .