Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 40-40)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } : فيه : أوجهٌ ، أحدها : أنه نَسَقٌ على " كسَراب " ، على حَذْفِ مضافٍ واحدٍ تقديرُه : أو كذي ظُلُمات . ودَلَّ على هذا المضافِ قولُه : { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } فالكنايةُ تعودُ إلى المضافِ المحذوفِ وهو قولُ أبي عليّ . الثاني : أنه على حَذْفِ مضافين تقديرُهما : أو كأعمال ذي ظلمات ، فتُقَدِّر " ذي " ليصِحَّ عَوْدُ الضميرِ إليه في قوله : { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ } ، وتُقَدِّر " أعمال " ليَصِحَّ تشبيهُ أعمالِ الكفارِ بأعمالِ صاحبِ الظُلْمَةِ ، إذ لا معنى لتشبيهِ العملِ بصاحبِ الظُّلْمةِ . الثالث : أنه لا حاجةَ إلى حَذْفٍ البتة . والمعنىٰ : أنه شَبَّه أعمالَ الكفارَ في حَيْلولَتِها بين القلبِ وما يَهْتدي به بالظُّلْمة . وأمَّا الضميران في " أَخْرج يَده " فيعودان على محذوفٍ دَلَّ عليه المعنىٰ أي : إذا أخرج يَدَه مَنْ فيها . و " أو " هنا للتنويعِ لا للشَّكِّ . وقيل : بل هي للتخييرِ أي : شَبَّهوا أعمالَهم بهذا أو بهذا . وقرأ سفيان بن حسين " أوَ كظٌلُمات " بفتح الواو ، جَعَلها عاطفةً دَخَلَتْ عليها همزةُ الاستفهام الذي معناه التقريرُ . وقد تَقدَّم ذلك في قولِه : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [ الأعراف : 98 ] . قوله : { فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } : " في بحرٍ " صفةٌ لظلمات فيتعلَّقُ بمحذوفٍ . واللُّجِّيُّ منسوبٌ إلى اللُّجِّ وهو معظمُ البحرِ . كذا قال الزمخشري . وقال غيرُه : منسوبٌ إلى اللُجَّة بالتاء وهي أيضاً مُعْظمه ، فاللجِّيُّ هو العميقُ الكثيرُ الماءِ . قوله : { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } صفةٌ أخرىٰ لـ " بَحْرٍ " هذا إذا أَعَدْنا الضميرَ في " يَغْشاه " على " بحرٍ " وهو الظاهر . وإنْ قدَّرنا مضافاً محذوفاً أي : أو كذي ظُلُمات كما فَعَل بعضُهم كان الضمير في " يَغْشاه " عائداً عليه ، وكانت الجملةُ حالاً منه لتخصُّصِه بالإِضافة ، أو صفةً له . قوله : { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } يجوزُ أَنْ تكونَ هذه جملةً مِنْ مبتدأ وخبر ، صفةً لـ " موجٌ " الأول . ويجوزُ أن يُجْعَلَ الوصفُ الجارَّ والمجرورَ فقط و " مَوْجٌ " فاعلٌ به لاعتمادهِ على الموصوفِ . قوله : { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } فيه الوجهان المذكوران قبلَه : من كونِ الجملةِ صفةً لـ " موج " الثاني ، أو الجارِّ فقط . قوله : { ظُلُمَاتٌ } قرأ العامَّةُ بالرفع وفيه وجهان ، أجودُهما : أن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه : هذه ، أو تلك ظلمات . الثاني : أَنْ يكونَ " ظُلُمات " مبتدأً . والجملةُ من قولِه " بعضُها فوقَ بعض " خبرُه . ذكره الحوفي . وفيه نظرٌ لأنَّه لا مُسَوِّغ للابتداء بهذه النكرةِ ، اللَّهم إلاَّ أَنْ يُقالَ : إنها موصوفةً تقديراً ، أي : ظلماتٌ كثيرةٌ متكاثفةٌ , كقولهم : " السَّمْنُ مَنَوَانِ بدرهم " . وقرأ ابن كثير " ظلماتٍ " بالجرِّ إلاَّ أنَّ البزيَّ روىٰ عنه حينئذٍ حَذْفَ التنوينِ من " سَحاب " ، فقرأ البزي عنه " سحابُ ظلماتٍ " بإضافة " سَحابُ " لـ " ظلمات " . ورَوَىٰ قنبل عنه التنوينَ في " سَحابٌ " كالجماعة مع جرِّه لـ " ظُلُماتٍ " . فأمَّا روايةُ البزي فقال أبو البقاء : / " جَعَلَ الموجَ المتراكمَ بمنزلةِ السحابِ " ، وأمَّا روايةُ قنبل فإنه جَعَلَ " ظلماتٍ " بدلاً مِنْ " ظلماتٍ " الأولى . قوله : { بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ في موضعِ رفعٍ أو خبرٍ على حَسَبِ القراءتين في " ظلمات " قبلَها لأنها صفةٌ لها . وجَوَّز الحوفيُّ على قراءةِ رفع " ظلماتٌ " في " بعضُها " أن يكونَ بدلاً من " ظلمات " . ورُدَّ عليه من حيث المعنىٰ ؛ إذ المعنىٰ على الإِخبارِ بأنها ظلماتٌ ، وأنَّ بعضَ تلك الظلماتِ فوق بعضٍ وصفاً لها بالتراكم ، لا أنَّ المعنىٰ : أن بعضَ تلك الظلماتِ فوقَ بعضٍ ، من غيرِ إخبارٍ بأن تلك الظلماتِ السابقةَ ظلماتٌ متراكمةٌ . وفيه نظرٌ ؛ إذ لا فرقَ بين قولِك " بعضُ الظلماتِ فوقَ بعض " ، وبين قولك " الظلماتُ بعضُها فوقَ بعضٍ " وإنْ تُخُيِّل ذلك في بادِىءِ الرَّأْيِ . وقد تقدَّم الكلامُ في " كاد " ، وأن بعضَهم زَعَم أنَّ نَفْيَها إثباتٌ وإثباتَها نفيٌ . وتَقَدَّمَتْ أدلةُ ذلك في البقرة فَأَغْنى عن إعادتِه . وقال الزمخشري هنا : " لم يَكْدَ يَراها مبالغةٌ في لم يرها أي : لم يَقْرُبُ أَنْ يَراها فضلاً أنْ يَراها . ومنه قولُ ذي الرمة : @ 3450ـ إذا غَيَّر النَّأْيُ المُحِبِّيْنَ لم يَكَدْ رَسِيْسُ الهَوَىٰ مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ @@ أي : لم يَقْرُبْ مِنْ البَراح فما بالُه يَبْرَحُ " . وقال أبوة البقاء : " أختلف الناسُ في تأويلِ هذا الكلامِ . ومَنْشَأُ الاختلافِ فيه : أنَّ موضوعَ " كاد " إذا نُفِيَتْ : وقوعُ الفعلِ . وأكثرُ المفسِّرين على أن المعنىٰ : أنَّه لا يرىٰ يدَه ، فعلى هذا : في التقديرِ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنَّ التقديرَ : لم يَرَها ولم يَكَدْ ، ذَكرَه جماعةٌ من النحويين . وهذا خطأٌ ؛ لأنَّ قولَه " لم يَرَها " جزمٌ بنفيِ الرؤيةِ وقوله : " لم يَكَدْ " إذا أخرجها على مقتضىٰ البابِ كان التقديرُ : ولم يكَدْ يَراها كما هو مُصَرَّحٌ به في الآية . فإنْ أراد هذا القائلُ أنَّه لم يَكَدْ يراها ، وأنه رآها بعد جُهْدٍ ، تناقَضَ ؛ لأنه نفىٰ الرؤية ثم أَثْبَتها ، وإنْ كان معنىٰ " لم يكَدْ يَراها " : لم يَرَها البتةَ على خلافِ الأكثرِ في هذا الباب ، فينبغي أَنْ يُحْمَلَ عليه مِنْ غير أَنْ يُقَدِّرَ لم يَرَها . والوجه الثاني : أنَّ " كاد " زائدةٌ وهو بعيدٌ . والثالث : أنَّ " كاد " أُخْرِجَتْ ههنا على معنىٰ " قارب " والمعنى : لم يقارِبْ رؤيتَها ، وإذا لم يقارِبْها باعَدَها . وعليه جاء قولُ ذي الرمة : @ إذا غَيَّر النَّأْيُ … … @@ البيت . أي : لم يقارِبِ البَراحَ . ومِنْ هنا حُكي عن ذي الرمة أنه لَمَّا رُوْجِع في هذا البيت قال : لم أجِدْ بدل " لم يَكَدْ " . والمعنىٰ الثاني : أنَّه رآها بعد جُهْدٍ . والتشبيهُ على هذا صحيحٌ لأنَّه مع شدَّة الظُّلْمة إذا أَحَدَّ نظرَه إلى يدِه وقرَّبها مِنْ عَيْنِه رآها " انتهى . أمَّا الوجهُ الأولُ وهو ما ذكره أنه قولُ الأكثرِ : مِنْ أنَّه يكونَ إثباتاً ، فقد تقدَّم أنه غيرُ صحيحٍ وليس هو قولَ الأكثرِ ، وإنما غَرَّهم في ذلك آيةُ البقرة . وما أَنْشَدْناه عن بعضِهم لُغْزاً وهو : @ 3451ـ أَنْحْوِيَّ هذا العصرِ ماهي لفظَةٌ … @@ البيتين . وأمَّا [ ما ] ذكره مِنْ زيادةِ " كاد " فهو قولُ أبي بكرٍ وغيرِه ، ولكنه مردودٌ عندَهم . وأمَّا ما ذكره من المعنى الثاني : وهو أنه رآها بعد جُهْدٍ فهو مذهبُ الفراء والمبرد . والعجبُ كيف يَعْدِلُ عن المعنى الذي أشار إليه الزمخشريُّ وهو المبالغةُ في نفي الرؤية ؟ وقال ابنُ عطية ما معناه : " إذا كان الفعلُ بعد " كاد " منفياً دَلَّ على ثبوتِه نحو : كاد زيدٌ لا يقوم ، أو مُثْبَتاً دَلَّ على نفيه نحو : " كاد زيد يقوم " وإذا تقدَّم النفيُ على " كاد " احتمل أن يكونَ مُوْجَباً ، وأَنْ يكونَ منفياً . تقول : " المفلوج لا يَكاد يَسْكُن " فهذا يتضمَّن نَفْيَ السكونِ . وتقول : رجل منصرف لا يكاد يَسْكُن ، فهذا تضمَّن إيجابَ السكونِ بعد جُهْد " .