Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 22-22)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَمَكَثَ } : قرأ عاصم بفتحِ الكافِ . والباقون بضمِّها . وهما لغتان . إلاَّ أنَّ الفتحَ أشهرُ ، ولذلك جاءت الصفة على " ماكِث " دون مَكِيْث . واعْتُذِر عنه بأنَّ فاعِلاً قد جاء لفَعُل بالضمِّ نحو : حَمُض فهو حامِض ، وخَثُرَ فهو خاثِرٌ ، وفَرُهَ فهو فارِهٌ . قوله : { غَيْرَ بَعِيدٍ } يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للمصدرِ أي : مُكْثاً غيرَ بعيدٍ ، وللزمان أي : زماناً غيرَ بعيدٍ ، وللمكان أي : مكاناً غيرَ بعيدٍ . والظاهرُ أنَّ الضمير في " مكث " للهُدْهُدِ . وقيل : لسليمان عليه السلام . قوله : { مِن سَبَإٍ } : قرأ البَزِّيُّ وأبو عمروٍ بفتحِ الهمزةِ ، جعلاه اسماً للقبيلة ، أو البُقْعَةِ ، فَمَنَعاه من الصرفِ للعَلَمِيَّةِ والتأنيث . وعليه قولُه : @ 3554ـ مِنْ سَبَأَ الحاضرينَ مَأْرِبَ إذ يَبْنُون مِنْ دونِ سَيْلِها العَرِما @@ وقرأ قنبل بسكونِ الهمزةِ ، كأنه نوى الوقفَ وأَجْرَىٰ الوَصْلَ مُجْراه . والباقون بالجَرِّ والتنوينِ ، جعلوه اسماً للحَيِّ أو المكانِ . وعليه قولُه : @ 3555ـ الوارِدُون وتَيْمٌ في ذُرا سَبَأٍ قد عَضَّ أعناقََهم جِلْدُ الجواميسِ @@ وهذا الخلافُ جارٍ بعينِه في سورة سَبَأ . وفي قوله : { مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ } فيه من البديع : " التجانُسُ " وهو تَجْنيسُ التصريفِ . وهو عبارةٌ عن انفرادِ كلِّ كلمةٍ من الكلمتين عن الأخرىٰ بحرفٍ كهذه الآيةِ . ومثلُه : { تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } [ غافر : 75 ] وفي الحديث : " الخيلُ مَعْقُوْدٌ بنواصِيها الخيرُ " . وقال آخر : @ 3556ـ للهِ ما صَنَعَتْ بنا تلك المَعاجِرُ والمحَاجِرْ @@ وقال الزمخشري : " وقوله : { مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ } مِنْ جنسِ الكلامِ الذي سَمَّاه المُحْدَثون بالبدِيع . وهو من محاسنِ الكلامِ الذي يتعلَّقُ باللفظِ ، بشرطِ أَنْ يجيْءَ مطبوعاً ، أو يصنَعه عالمٌ بجَوْهَرِ الكلامِ ، يَحْفَظُ معه صحةَ المعنىٰ وسَدادَه ، ولقد جاء هنا زائداً على الصحةِ فَحَسُنَ وبَدُعَ لفظاً ومعنىً . ألا ترىٰ أنه لو وُضِع مكان " بنَبَأ " " بخبر " لكان المعنى صحيحاً ، وهو كما جاء أصَحُّ ؛ لِما في النبأ من الزيادة التي يطابِقُها وصفُ الحال " . يريد بالزيادة : أنَّ النبأ أخصُّ من الخبرِ ؛ لأنه لا يُقال إلاَّ فيما له شَأْنٌ من الأخبارِ بخلافِ الخبرِ فإنه يُطْلَقُ على ماله شَأْنٌ ، وعلى ما لا شأنَ له ، فكلُّ نبأ خبرٌ مِنْ غيرِ عكسٍ . وبعضُهم يُعَبِّرُ عن نحوِ { مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ } في علم البديع بالتَّرْدِيد . قاله صاحب " التحرير " . وقال غيرُه : إنَّ الترِديدَ عبارةٌ عن رَدِّ أعجاز البيوت على صدورِها ، أو رَدِّ كلمةٍ من النصفِ الأولِ إلى النصف الثاني . فمثالُ الأولِ قولُه : @ 3557ـ سَريعٌ إلى ابنِ العَمِّ يَلْطِمُ وَجْهَه وليس إلى داعي الخَنا بسَريعِ @@ ومثالُ الثاني قولُه : @ 3558ـ والليالي إذا نَأَيْتُمْ طِوالٌ والليالي إذا دَنَوْتُمْ قِصَارُ @@ وقرأ ابن كثير في روايةٍ " مِنْ سَبَاً " مقصوراً منوَّناً . وعنه أيضاً : " مِنْ سَبْأَ " بسكون الباءِ وفتحِ الهمزةِ ، جعله على فَعْل ومَنَعَه من الصرفِ لِما تقدَّم . وعن الأعمش " مِنْ سَبْءِ " بهمزةٍ مكسورةٍ غير منونةٍ . وفيها إشكالٌ ؛ إذ لا وجهَ للبناء . والذي يظهر لي أنَّ تنوينَها لا بدَّ أَنْ يُقْلَبَ ميماً وصلاً ضرورةَ ملاقاتِه للباء ، فسمعها الراوي ، فظنَّ أنه كَسَر مِنْ غيرِ تنوينٍ . ورُوِيَ عن أبي عمروٍ " مِنْ سَبَا " بالألفِ صريحةً كقولِهم : " تَفَرَّقُوا أَيْدِيْ سَبا " . وكذلك قُرِىء " بنَبَا " بألفٍ خالصةٍ ، وينبغي أَنْ يكونا لقارِىءٍ واحدٍ . و " سَبَأ " في الأصلِ اسمُ رجلٍ مِنْ قَحْطانَ ، واسمه عبد شمس ، وسَبَأُ لقبٌ له . وإنما لُقِّبَ به لأنه أولُ مَنْ سَبىٰ ، وَوُلِدَ له عشرةُ أولادٍ ، تيامَنَ ستةٌ وهم : حِمْيَرُ وكِنْدَةُ والأَزْدُ وأَشْعَرُ وَخَثْعَمُ وبُجَيْلَةُ ، وتشاءَمَ أربعةٌ وهم : لَخْمٌ وجُذامُ وعامِلَةُ وغَسَّانُ .