Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-121)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ } العامل في " إذ " مضمرٌ تقديرهُ : واذكر إذ غدوت ، فينتصِبُ انتصابَ المفعول به لا على الظرف . وجَوَّز بعضُهم أَن يكونَ معطوفاً على " فئتين " في قوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] أي : قد كان لكم آيةٌ في فئتين وفي إذ غَدَوْتَ ، وهذا لا ينبغي أن يُعَرَّج عليه . والغدوُّ : الخروجُ أولَ النهار يقال : غَدا يَغْدُو أي : خَرَجَ غُدْوَةً ، ويُسْتعمل بمعنى صار عند بعضهم ، فيكونُ ناقصاً يرفع الاسم وينصبُ الخبر ، وعليه قولُه [ عليه ] السلام : " لو توكلتم على الله حَقَّ توكُّلهِ لرزقكم كما يَرزق الطيرَ تَغْدُو خِماصاً وتروُح بِطاناً " . وقوله : { مِنْ أَهْلِكَ } متعلق بـ " غَدَوْتَ " وفي " من " وجهان ، أظهرهما : أنها لابتداء الغاية أي : من بين أهلك ، قال أبو البقاء : " وموضعُه نصب تقديره : فارقْتَ أهلك " وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب ولا تفسير معنى ، فإن المعنى على غير ما ذكر . والثاني : أنها بمعنى مع أي : مع أهلك ، وهذا لا يساعده لا لفظٌ ولا معنى . قوله : { تُبَوِّىءُ } الجملة يجوز أن تكون حالاً من فاعل " غدوت " ، وهي حال مقدرة أي : قاصداً تَبْوِئَةَ المؤمنين ، لأنَّ وقت الغدو ليس وقتاً للتَبْوِئة . ويحتمل أن تكون مقارنةً ؛ لأنَّ الزمان متسع . وتُبَوِّىءُ أي : تُنَزِّلُ فهو يتعدى لمفعولين إلى أحدهما نفسه وإلى آخر بحرف الجر ، وقد يُحْذف كهذه الآية . ومِنْ عدم الحذف قولُه تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } [ الحج : 26 ] وأصله من المَبَاءة وهي المَرْجِعُ . قال : @ 1418ـ وما بَوَّأ الرحمنُ بَيْتَك منزلاً بشرقيِّ أجيادِ الصَّفا والمُحَرَّمِ @@ وقال آخر : @ 1419ـ كم مِن أخٍ لي صَالحٍ بَوَّأْتُه بيدَيَّ لَحْدا @@ وقد تقدَّم اشتقاق هذه اللفظة . وقيل : " اللام في قوله " لإِبراهيم " مزيدةٌ ، فعلى هذا يكون متعدياً للاثنين بنفسه " . ومقاعد جمع " مَقْعَد " . والمراد به هنا مكانُ القُعودِ . وقعد قد يكون بمعنى صار في المَثَل خاصة . وقال الزمخشري : " وقد اتُّسِع في قعد وقام حتى أُجْريا مُجرى صار " . قال الشيخ : " أمَّا إجراء " قَعَد " مُجْرى " صار " فقال بعض أصحابنا إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل في قولهم : " شَحَذَ شَفْرَته حتى قَعَدَتْ كأنها حَرْبة " ، وكذلك نَقَد على الزمخشري تخريجَه قوله تعالى : { فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً } [ الإسراء : 22 ] بمعنى : فتصيرَ ، لأنه لا يَطِّرِدُ إجراء قَعَد مُجْرى صار " قلت : وهذا الذي ذكره الزمخشري صحيح من كون " قعد " يكون بمعنى صارَ في غير ما أشار إليه هذا القائل ، حكى أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي أن العرب تقول : " قَعد فلان أميراً بعد أن كان مأموراً " أي صار . ثم قال الشيخ : " وأمَّا إجراء " قام " مجرى " صار " فلا أعلم أحداً عَدَّها في أخوات " كان " ، ولا جعلها بمعنى صار ، إلا ابن هشام الخضرواي فإنه ذَكَر في قول الشاعر : / @ 1420ـ على ما قام يَشْتِمُني لئيمٌ كخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في رماد @@ أنها من أفعال المقاربة قلت : وغيرُه من النحويين يجعلُها زائدةً ، وهو شاذ أيضاً . وقرأ العامة : " تُبَوِّىءُ " عَدَّوْه بالتضعيف . وعبد الله : " تُبْوِىءُ " بسكون الباء عَدَّاه بالهمزة ، فهو مضارع أَبْوأَ كأكرم ، وقرأ يحيى بن وثاب " تُبْوي " كقراءة عبد الله ، إلا أنه سَهَّل الهمزة بإبدالها ياء فصار لفظه كلفظ " تُحْيي " كقولهم : تُقْري في تُقْرىء . وقرأ عبد الله : " للمؤمنين " بلام الجر كقوله : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ } [ الحج : 26 ] . وتقدَّم أنَّ في هذه اللامِ قولين . والظاهرُ أنها مُعَدِّية ؛ لأنه قبل التضعيفِ والهمزةِ غيرُ متعدٍّ بنفسه . ويحتمل أن يكونَ قد ضَمَّنه هنا معنى " تُهَيِّىء " ، و " ترتِّب " . وقرأ الأشهب : " مقاعدَ القتالِ " بإضافتها للقتال . واللام في " للقتال " في قراءة الجمهور فيها وجهان ، أظهرهما : أنها متعلقة بـ " تُبَوِّىء " على أنها لام العلة ، والثاني : أنها متعلقة بمحذوف لأنها صفة لـ مقاعد أي : مقاعد كائنة ومهيئة للقتال ، ولا يجوز تعلقها بـ " مقاعد " وإن كانت مشتقةً ، لأنها مكانٌ والأمكنة لا تعمل .