Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 167-167)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ } : هذه الجملةُ تحتمل وجهين ، أحدهما : أن تكونَ استئنافيةً ، أخبر الله أنهم مأمورون : إمَّا بالقتالِ وإمَّا بالدَّفعِ أي : تكثيرِ سواد المسلمين : والثاني : أن تكون معطوفة على " نافقوا " ، فتكون داخلةً في حَيِّز الموصول أي : وليعلم الذين حصل منهم النفاقُ والقولُ بكذا ، و " تعالوا " " وقاتِلوا " كلاهما قائمٌ مقام الفاعل لـ " قيل " لأنه هو المقولُ ، وقد تقدَّم ما فيه . قال أبو البقاء : " وإنما لم يَأْتِ بحرفِ العطفِ يعني بين تعالوا وقاتِلوا لأنه قَصَدَ أن تكونَ كلُّ من الجملتين مقصودةً بنفسِها ، ويجوز أَنْ يُقال إنَّ المقصودَ هو الأمرُ بالقتال ، و " تعالَوا " ذَكَر ما لو سَكَتَ عنه لكان في الكلام ما يَدُلُّ عليه ، وقيل : الأمر الثاني حال " . يعني بقوله : " وتعالوا ذكرَ ما لو سَكَت " أي : المقصودُ إنما هو أمرُهم بالقتالِ لا مجيئُهم وحدَه ، وجَعْلُه " قاتلوا " حالاً من " تعالوا " فاسدٌ ؛ لأنَّ الجملة الحالية يُشْترط أن تكون خبريةً وهذه طلبيةٌ . قوله : { أَوِ ٱدْفَعُواْ } " أو " هنا على بابِها من التخييرِ والإِباحة . وقيل : بمعنى الواو لأنه طَلَبَ منهم القتالَ والدفعَ ، والأولُ هو الصحيح . وقوله : " قالوا : لو نعلمُ " إنما لم يأتِ في هذه الجملةِ بحرفِ عطفٍ لأنها جوابٌ لسؤالِ سائلٍ : كأنه قيل : فما قالوا لَمَّا قيل لهم ذلك ؟ فأُجيب بأنهم قالوا ذلك . و " نعلمُ " وإنْ كان مضارعاً فمعناه المُضِيُّ لأن " لو " تُخَلِّص المضارع إذ كانت لِما سيقع لوقوع غيره [ للمضيّ ] . ونكَّر " قتالاً " أي : لو عَلِمْنا بعضَ قتالٍ ما . قوله : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ } " هم " مبتدأٌ و " أقربُ " خبرُه ، وهو أفعلُ تفضيلٍ ، و " للكفر " متعلقٌ به ، وكذلك " للإِيمان " . فإنْ قيل : " لا يتعلَّقُ حرفا جر متحدان لفظاً ومعنىً بعامل واحدٍ ، إلاَّ أن يكون أحدُهما معطوفاً على الآخر أو بدلاً منه ، فكيف تعلَّقاً بـ أقرب " ؟ فالجواب أنَّ هذا خاصٌّ بأفعلِ التفضيل قالوا : لأنه في قوة عاملين ، فإنَّ قولَك : " زيدٌ أفضلُ من عمرو " معناه : يزيدُ فضلُه على فضل عمر . وقال أبو البقاء : " وجاز أن يعملَ " أقربُ " فيهما لأنهما يُشْبِهان الظرف ، وكما عمل " أطيبُ " في قولهم : " هذا بُسْراً أطيبُ منه رُطباً " في الظرفينِ المقدَّرين ، لأنَّ " أفعلَ " يَدُلُّ على معنيين : على أصل الفعل وزيادتِه ، فيعملُ في كلِّ واحدٍ منهما بمعنى غيرِ الآخر ، فتقديرُه : يَزيدُ قربُهم إلى الكفرِ على قُرْبِهم إلى الإِيمان " . ولا حاجة إلى تشبيه الجارَّيْنِ بالظرفين ، لأن ظاهره أن المسوِّغَ لتعلُّقِهما بعاملٍ واحدٍ شِبْهُهُما بالظرفين ، وليس كذلك ، وقولُه : " الظرفين المقدرين " يعني أنَّ المعنى : هذا في أوانِ بُسْرِيَّتِه أطيبُ منه أوانَ رُطَبِيَّتِه . و " أقربُ " هنا من القُرْب الذي هو ضد البُعْد ، ويتعدَّى بثلاثةِ حروفٍ : اللام و " إلى " و " مِنْ " ، تقولُ : قَرُبْتُ لك وإليك ومنك ، فإذا قلت : " زيدٌ أقربُ من العلمِ من عمروٍ " فـ " مِنْ " الأولى المُعَدِّيةُ لأصلِ معنى القرب ، والثانيةٌ هي الجارة للمفضولِ . وإذا تقرَّر هذا فلا حاجةَ إلى ادِّعاء أنَّ اللامَ بمعنى إلى . و " يومئذ " متعلِّقٌ بـ " أقربُ " ، وكذا " منهم " ، و " مِنْ " هذه هي الجارَّةُ للمفضولِ بعد أَفْعل ، وليسَتْ هي المُعَدِّيةَ لأصلِ الفعل . ومعنى { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ } أنهم كانوا قبلَ هذا الوقتِ كاتمين للنفاق ، فكانوا في الظاهرِ أبعدَ مِنَ الكفر ، فلمَّا ظَهَرَ منهم ما كانوا يكتُمُونه صاروا أقربَ للكفر . و " إذ " مضافَةٌ لجملةٍ محذوفةٍ عُوِّضَ منها التنوينُ كما تَقَدَّم تقريرُه ، وتقديرُ هذه الجملةِ ، " هم للكفرِ يومَ إذ قالوا : لو نعلمُ قتالاً لاتَّبعناكم " وقيل : المعنى على حَذْفِ مضافٍ أي : هم لأهلِ الكفر أقربُ لأهلِ الإِيمان . وفُضِّلوا هنا على أنفسِهم باعتبارِ حالين ووقتين . ولولا ذلك لم يَجُزَ . تقولُ : " زيدٌ قاعداً أفضلُ منه قائماً " أو : " زيدٌ قاعداً اليومَ أفضلُ منه قاعداً غداً " ولو قلت : " زيدٌ اليومَ قاعداً أفضلُ منه اليومَ قاعداً " لم يجز . وحكى النقاش عن بعض المفسرين أنَّ " أقرب " هنا ليست من معنى القرب الذي هو ضد البعد ، وإنما هي من القَرَب بفتح القاف والراء ، وهو طَلَب الماء ، ومنه " قاربَ الماء " ، ليلةُ القَرَب : ليلةُ الورود ، فالمعنى : هم أطلبُ للكفر ، وعلى هذا فتتعيَّن التعديةُ باللام ، على حَدِّ قولك : " زيدٌ أضربُ لعمروٍ " . قوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } في هذه الجملةِ وجهان ، أحدُهما : أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها . والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في : " أقرب " أي : قَرُبوا للكفر قائلين هذه المقالة . وقوله : " بأفواهِهم " قيل : تأكيدٌ كقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] . والظاهرُ أنَّ القولَ يُطلق على اللسانيّ والنفسانيّ فتقييدُه بأفواههم تقييدُ لأحدِ محتملين ، اللهم إلا أَنْ يُقال : إنَّ إطلاقَه على النفساني مجازٌ . قال الزمخشري : " وذِكْرُ القلوبِ مع الأفواه تصويرٌ لنفاقِهم ، وأنَّ إيمانهم موجود في أفواههم فقط " وبهذا الذي قاله الزمخشري ينتفي كونُه للتأكيد لتحصيله هذه الفائدة .