Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 26-26)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱللَّهُمَّ } : اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظة الكريمة . فقال البصريون : الأصلُ يا الله ، فحُذِفَ حرفُ النداء ، وعُوِّضَ عنه هذه الميمُ المشددة . وهذا خاصٌّ بهذا الاسمِ الشريف فلا يجوزُ تعويضُ الميمِ من حرفِ النداء في غيره ، واستدلُّوا على أنَّها عوضٌ من " يا " أنهم لم يَجْمَعوا بينهما فلا يُقال : يا اللهمَّ إلاَّ في ضرورةٍ كقوله : @ 1212ـ وما عليكِ أَنْ تقولي كلما سَبَّحْتِ أو هَلَّلْتِ يا اللهم ما أرْدُدْ علينَا شَيْخَنا مُسَلَّما @@ وقال الكوفيون : الميمُ المشددةُ بقية فعلٍ محذوفٍ تقديرُه : " أُمَّنا بخير " أي : اقصُدْنا به ، مِنْ قولك : " أمَّمْتُ زيداً " أي قصدتُه ، ومنه : { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } [ المائدة : 2 ] أي : قاصِديه ، وعلى هذا فالجمعُ بينَ " يا " والميمِ ليس بضرورةٍ عندهم ، إذ ليسَتْ عوضاً منها . وقد رَدَّ عليهم البصريون هذا بأنه قد سُمع " اللهم أُمَّنَا بخير " وقال تعالى : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ } [ الأنفال : 32 ] فقد صَرَّح بالمدعوِّ به ، فلو كانَتِ الميمُ بقيةَ " أمَّنا " لفسد المعنى فبان بطلانُه . وهذا من الأسماء التي لَزِمَت النداءَ فلا يجوزُ أَنْ يقعَ في غيرِه ، وقد وَقَع في ضرورةِ الشعرِ كونُه فاعِلاً . أنشد الفراء : @ 1213ـ كحَلْفَةٍ من أبي دِثار يَسْمَعُها اللهُـمَ الكُبـارُ @@ فاستعملَه هنا فاعلاً بقوله : " يَسْمَعُها " ولا يجوزُ تخفيفُ ميمِه ، وجَوَّزه الفراء وأنشد البيت : " يَسْمَعُها اللَهُمَ / الكُبار " بتخفيفِ الميم ؛ إذ لا يمكنُه استقامةُ الوزن إلاَّ بذلك . قال بعضُهم : " هذا خطأٌ فاحِشٌ ، وذلك لأنَّ الميمَ بقيةُ " أُمَّنا " وهو رأيُ الفراء ، فكيف يُجَوِّزُ الفراء ؟ وأجاب عن البيت بأنَّ الروايةَ ليسَتْ كذلك ، بل الروايةُ : يَسْمَعُها لاهُه الكُبارُ . قلت : وهذا [ لا يُعارِضُ الروايةً الأخرى ، فإنه كما صَحَّتْ هذه صَحَّتْ ] تَيْكَ . وردَّ الزجاج مذهبَ الفراء بأنه لو كان الأصل : " يا لله أُمَّنا " لَلُفِظَ به مَنْبَهَةً على الأصل كما قالوا في : وَيْلُمِّه : ويلٌ لأُمِه . ومن أحكام هذه اللفظةِ أيضاً أنها كَثُرَ دَوْرُها حتى حُذِفَتْ منها الألف واللامُ في قولِهم : " لاهُمَّ " أي : اللهم ، وقال الشاعر : @ 1214ـ لا هُمَّ إنَّ عامرَ بنَ جَهْمِ أَحْرَم حَجَّاً في ثيابٍ دُسْمِ @@ وقال آخر : @ 1215ـ لا هُمَّ إنَّ جُرْهُما عِبادُكا الناسُ طَرْفٌ وهمُ بِلادُكا @@ وفي هذه الكلمةِ أبحاثُ كثيرةٌ موضِعُها غيرُ هذا . قوله : { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه بدلٌ من " اللهم " . الثاني : أنه عطفُ بيان . الثالث : أنه منادى ثانٍ ، حُذِفت منه حرفُ النداء ، أي : يا مالكَ المُلك ، وهذا هو البدلُ في الحقيقةِ ، إذ البدلُ على نيةِ تكرارِ العاملِ ، إلاَّ أنَّ الفرقَ هذا ليسَ بتابعٍ . الرابع : أنه نعتٌ لـ " اللهم " على الموضعِ فلذلك نُصِب ، وهذا ليس مذهب سيبويه ، فإنَّ سيبويه لا يُجِيزُ نَعْتَ هذه اللفظةِ لوجودِ الميم في آخِرها ، لأنها أَخْرَجَتْها عن نظائرها من الأسماءِ ، وأجازَ المبرد ذلك ، واختارَه الزجاج قالا : لأنَّ الميمَ بدَلٌّ من " يا " والمنادى مع " يا " لا يمتنعُ وَصْفُه فكذا مع ما هو عوضٌ منها ، وأيضاً فإنَّ الاسمَ لم يتغيَّرْ عن حكمِه ، ألا تَرَى إلى بقائه مبنياً على الضم كما كانَ مبنياً مع " يا " . وانتصرَ الفارسي [ لسيبويه ] بأنه ليسَ في الأسماءِ الموصوفةِ شيءٌ على حَدِّ " اللهم " فإذا خالَفَ ما عليه الأسماءَ الموصوفَةَ ودخل في حَيِّزِ ما لا يُوصَفُ من الأصواتِ وَجَبَ ألاَّ يوصَفَ ، والأسماءُ المناداةُ المفردةُ المعرفةُ القياسُ ألاَّ توصفَ كما ذهب إليه بعضُ الناسِ لأنها واقعةٌ موقعَ ما لا يوصف . وكما أنه لمَّا وَقَع موقعَ ما لا يُعْرَبُ لم يُعْرَبْ ، كذلك لَمَّا وَقَعَ مَوْقِعَ ما لا يُوْصَفُ لم يُوْصَفْ . فأما قوله : @ 1216ـ يا حكمُ الوارثُ عن عبد الملكْ … @@ وقوله : @ 1217ـ يا حَكَمُ بنَ المنذرِ بنَ الجارودْ سُرادِقُ المجدِ عليك مَمْدُودْ @@ و [ قوله ] : @ 1218ـ … … يا عُمَرُ الجَوادا @@ فإنَّ الأولَ على " أنت " والثاني على نداءٍ ثانٍ ، والثالثُ على إضمارِ " أعني " ، فلمَّا كان هذا الاسمُ الأصلُ فيه ألاَّ يوصَفَ لِمَا ذَكَرْنا كان " اللهم " أَوْلى ألاَّ يوصفَ ، لأنه قبل ضمِّ الميمِ إليه واقعٌ موقعَ ما لا يوصفُ ، فلَّما ضُمَّتْ إليه الميمُ صيغَ معَهَا صياغةً مخصوصةً ، وصارَ حكمُه حكمَ الأصوات ، وحكُم الأصواتِ ألاَّ توصَفَ نحو : " غاق " وهذا مع ما ضُمَّ إليه من الميمِ بمنزلةِ صوتٍ مضمومٍ إلى صوتٍ نحو : " حَيَّهَلَ " فحقُّه ألاَّ يوصفَ كما لا يُوصف " حيهل " . انتهى ما انتصر به أبو علي السيبويه وإن كان لا ينتهضُ مانعاً . قوله : { تُؤْتِي } هذه الجملةُ وما عُطِفَ عليها يجوزُ أنْ تكونَ مستأنفةً مُبَيِّنَةً لقوله : { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } ويجوزُ أن تكونَ حالاً من المنادى ، وفي انتصابِ الحالِ عن المنادىٰ خلافٌ ، الصحيحُ جوازُه ، لأنه مفعولٌ به ، والحالُ كما تكونُ لبيانِ هيئةِ الفاعل تكونُ لبيان هيئةِ المفعولِ ، ولذلك أَعْرب الحُذَّاقُ قولَ النابغةَ : @ 1219ـ يا دارمَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ أَقْوَت وطالَ عليها سالِفُ الأبدِ @@ إن " بالعلياء " حالٌ من " دارمَيَّة " ، وكذلك " أَقْوت " . والثالث من وجوه " تُؤتي " أن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمر أي : أنت تُؤتي ، فتكونُ الجلمةُ اسميةً ، وحينئذ يجوز أن تكونَ مستأنفة وأن تكون حالية . وقوله : { تَشَآءُ } أي : تشاء إيتاءه ، وتشاء انتزاعه ، فحذف المفعول بعد المشيئة للعلم به / قوله : { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } [ قيل : في الكلام حذفُ معطوف تقديره : والشر ، فحذف كقوله ] : { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] أي : والبردَ ، وكقوله : @ 1220ـ كأنَّ الحَصَا مِنْ خلفِها وأمامِها إذا نَجَلْتهُ رِجْلُها خَذْفَ أَعْسَرا @@ أي : ويدُها . وقال الزمخشري : " فإن قلت : كيف قال : " بيدِك الخيرُ " فذكرَ الخيرَ دونَ الشر ؟ قلت : لأن الكلامِ إنما وقع في الخير الذي يسوقه الله إلى المؤمنين ، وهو الذي أنكرَتْه الكفرةُ ، فقال : بيدك الخير تؤتيه أولياءَك على رغمٍ مِنْ أعدائك " انتهى . وهذا جوابٌ حسنٌ جداً ، ثم ذكر هو كلاماً آخرَ يُوافق مذهبَه لا حاجةَ لنا به ، وقيل : هذا من آداب القرآن حيث لم يصرِّحْ إلا بما هو محبوبٌ لخَلْقِه ، ونحوٌ منه قولُه : " والشرُّ ليس إليك " وقولُه : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] . والنَّزْعُ : الجَذْبُ ، يقال : نَزَعَهُ يَنْزِعُه نَزْعاً إذا جَذَبَه عنه ، ويُعَبَّر به عن المَيْلِ ، ومنه : " نَزَعَتْ نفسُه إلى كذا " كأنَّ جاذباً جَذَبَها ، ويُعَبَّر به عن الإِزالَةِ ، " نَزَعَ الله عنك الشَّر " أي : أَزاله ، { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } [ الأعراف : 27 ] أي : أَزاله ، وكهذه الآيةِ فإنَّ المعنى : ويُزِيلُ المُلْكَ .