Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 2-2)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } : يجوزُ أَنْ تكون هذه الجملةُ خبَر الجلالة و " نَزَّل عليك " خبرٌ آخرُ ، ويجوزُ أن تكونَ { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } معترضةً بين المبتدأ وخبرِه ، ويجوزُ أن تكونَ حالاً . وفي صاحبها احتمالان ، أحدهما : أن يكونَ الجلالةَ ، والثاني : أن يكونَ الضميرَ في " نَزَّل " تقديره نزَّل عليكم الكتاب متوحِّداً بالربوبية . ذكره مكي . وأولُ الأقوال أَوْلاها . وقرأ جمهورُ الناس : " ألمَ الله " بفتح الميم وإسقاطِ همزةِ الجلالةِ ، واختلفوا في فتحةِ هذه الميم [ علىأقوالٍ ] أحدُها : أنها حركةُ التقاءِ ساكنين ، وهو مذهبُ سيبويه وجمهورِ الناسِ . فإنْ قيلَ : أصلُ التقاءِ الساكنين الكسرُ فلِمَ عَدَلَ عنه ؟ فالجوابُ أنهم لو كسروا لكانَ ذلك مُفْضِياً إلى ترقيقِ لامِ الجلالةِ والمقصودُ تفخيمُها للتعظيمِ فأُوثر الفتحُ لذلك . وأيضاً فقبلَ الميمِ ياءٌ وهي أختُ الكسرةِ ، وأيضاً فقبل الياءِ كسرةٌ فلو كَسَرْنا الميمَ الأخيرةَ لالتقاءِ الساكنينِ لتوالَى ثلاثةُ متجانساتٍ فحرَّكوها بالفتحِ كما حَرَّكوا في نحو " مِنَ الله " ، وأمَّا سقوطُ الهمزةِ فواضحٌ وبسقوطها التقى الساكنان . الثاني : أنَّ الفتحةَ لالتقاءِ الساكنين أيضاً ، ولكنْ الساكنان هما الياء التي قبلَ الميمِ والميمُ الأخيرةُ ، فحُرِّكت بالفتحِ لئلا يلتقي ساكنان ، ومثلُه : أين وكيف وكَيْتَ وذَيْتَ وما أشبهه ، وهذا على قولِنا إنه لم يُنْوَ الوقفُ على هذه الحروفِ المقطَّعة ، وهذا بخلاِف القولِ الأولِ فإنّه مَنْوِيٌّ فيه الوقفُ على الحروفِ المقطَّعةِ فَسَكَنَتْ أواخُرها وبعدها ساكنٌ آخرُ وهو لامُ الجلالةِ ، وعلى هذا القولِ الثاني ليس لإِسقاطِ الهمزةِ تأثيرٌ في التقاءِ الساكنين بخلافِ الأولِ فإنَّ التقاءَ الساكنينِ إنما نَشَأَ مِنْ حَذْفِها دَرْجاً . الثالث : أنَّ هذه الفتحةَ ليسَتْ لالتقاء الساكنين ، بل هي حركةُ نقل أي : نُقِلَتْ حركةُ الهمزةِ التي قبلَ لامِ التعريفِ على الميمِ الساكنةِ نحو : { قَدَ أفلح } [ المؤمنون : 1 ] وهي قراءةُ ورشٍ وحمزةَ في بعض طُرُقه في الوَقْفِ وهو مذهبُ الفراء ، واحتجَّ على ذلك بأن هذه الحروفَ النيةُ بها الوقفُ ، وإذا كان النيةُ بها الوقفَ فَتَسْكُنُ أواخُرها ، والنيةُ بما بعدها الابتداءُ والاستئنافُ ، فكأنَّ همزةَ الوصلِ جَرَتْ مجرىهمزةِ القطعِ إذ النيةُ بها الابتداءُ وهي تَثْبُتُ ابتداءً ليس إلاَّ ، فلمَّا كانت الهمزةُ في حكمِ الثابتةِ وما قبلها ساكنٌ صحيحٌ قابلٌ لحركتها خَفَّفوها بأَنْ ألقَوا حركتها على الساكنِ قبلها . وقد رَدَّ بعضُهم قولَ الفراء بأنَّ وَضْع هذه الحروفِ على الوَقْف لا يُوجِبُ قَطْعَ ألفِ الوصلِ وإثباتها في المواضعِ التي تسقُط فيها ، وأنتَ إذا أَلْقَيْتَ حركتها على الساكنِ قبلَها فقد وَصَلْتَ الكلمةَ التي هي فيها بما قبلَها وإنْ كان ما قبلها موضوعاً على الوقفِ ، فقولُك : " ألقيتُ حركته عليه " بمنزلة قولِك " وصلتُه " ألا ترى أنك إذا خَفَّفْتَ " مَنْ أَبوك " قلت : " مَنَ بُوك " فوصَلْتَ ، ولو وقفْتَ لم تُلْقِ الحركةَ عليها ، وإذا وصلْتَها بما قبلها لَزِم إسقاطِها ، وكان إثباتُها مخالفاً لأحكامِها في سائِر متصرَّفاتها . قلت : هذا الردُّ مردودٌ بأنَّ ذلك مُعَامَلٌ معاملة الموقوفِ عليه والابتداءُ بما بعده ، لا أنه موقوفٌ عليه ومبتدأٌ بما بَعده حقيقةً حتى يَرُدَّ عليه بما ذكره . وقد قَوَّى جماعةٌ قولَ الفراءِ بما حكاه سيبويه مِنْ قولهم : " ثَلَثَهَرْبَعَة " والأصلُ : ثلاثة أربعة ، فلمَّا وُقِف على " ثلاثة " أُبْدِلَتِ التاءُ هاءً كما هو اللغةُ المشهورةُ ، ثم أُجْري الوصلُ مُجْرى الوقفِ ، فَتَرَك الهاءَ على حالِها في الوصل ، ثم نَقَل حركةَ / الهمزةِ إلى الهاءِ فكذلك هذا . وقد رَدَّ بعضُهم هذا الدليلَ ، وقال : الهمزةُ في " أربعة " همزةُ قطعٍ ، فهي ثابتةٌ ابتداءً ودَرْجاً ، فلذلك نُقِلَتْ حركتُها بخلافِ همزةِ الجلالة فإنها واجبةُ السقوطِ فلا تستحقُّ نَقْلَ حركتها إلى ما قبلها ، فليس وِزان ما نَحْن فيه . قلتُ : وهذا من هذه الحيثيةِ صحيحٌ ، والفرقُ لائحٌ ؛ إلا أَنَّ حظَّ الفراء منه أنه أَجْرى فيه الوصلَ مُجْرى الوقفِ من حيث بقيت الهاءُ المنقلبةُ عن التاءِ وَصْلاً لا وقفاً واعتدَّ بذلك ، ونَقَلَ إليها حركةَ الهمزةِ وإنْ كانَتْ همزةَ قطعٍ . وقد اختار الزمخشري مذهبَ الفراء ، وسَأَلَ وأجابَ فقال : " ميم حقُّها أن يُوقَفَ عليها كما يُوقَفُ على ألف ولام ، وأَنْ يُبتدأ ما بعدها كما تقول : واحدْ إثنان ، وهي قراءةُ عاصم ، وأمَّا فتحُها فهي حركةُ الهمزةِ أُلْقِيَتْ عليها حين أُسْقِطَتْ للتخفيفِ . فإنْ قلت : كيف جازَ إلقاءُ حركتِها عليها وهي همزةُ وصلٍ ، لا تَثْبُتُ في دَرْجِ الكلام فلا تَثْبُتُ حركتُها لأنَّ ثباتَ حركتِها كثباتِها ؟ قلت : هذا ليسَ بدَرْجٍ ، لأنَّ ميم في حكمِ الوَقْف والسكونِ ، والهمزةُ في حكمِ الثابتِ ، وإنما حُذفت تخفيفاً ، وأُلْقِيَتْ حركتُها على الساكنِ قبلَها لتدلَّ عليها ، ونظيره : " واحدِ اثنان " بإلقائهم حركةَ الهمزةِ على الدالِ " . قال الشيخ : " وجوابُه ليس بشيءٍ لأنه ادَّعى أنَّ الميمَ حين حُرِّكتْ موقوفٌ عليها ، وأن ذلك ليس بدَرْجٍ ؛ بل هو وقفٌ ، وهذا خلافُ ما أَجْمعت عليه العربُ والنحاةُ من أنه لا يُوقف على متحركٍ البتةَ سواءً كانت حركتُه إعرابيةً أم بنائيةً أم نقليةً أم لالتقاءِ الساكنين أم للإِتباع أم للحكايةِ ، فلا يجوزُ في " قد أفلح " إذا حَذَفْتَ الهمزة ونَقَلْتَ حركتها إلى دالِ " قد " أَنْ تَقِفَ على دال " قد " بالفتحةِ ، بل تُسَكِّنها قولاً واحداً . وأمَّا قوله : " ونظيرُ ذلك " " واحدِ اثنان " بإلقاءِ حركة الهمزة على الدالِ ، فإنَّ سيبويه ذكر أنهم يُشِمُّونَ آخر " واحدٍ " لتمكُّنِه ، ولم يَحِكْ الكسرَ لغةً ، فإنْ صَحَّ الكسرُ فليس " واحد " موقوفاً عليه كما زعم الزمخشري ، ولا حركتُه حركةُ نقلٍ من همزة الوصلِ ، ولكنه موصولٌ بقولِهم : اثنان ، فالتقى ساكنان : دالُ واحد وثاءُ اثنين فكُسِرتِ الدالُ لالتقاءِ الساكنين ، وحُذِفتْ همزةُ الوصل لأنها لا تَثْبُتُ في الوصل " . قلت : ومتى ادَّعى الزمخشري أنه يُوقف على ميم مِنْ : ألف لام ميم وهي متحركةٌ ، حتى يُلْزِمَه بمخالفةِ إجماعِ العربِ والنحاةِ ، وإنما ادَّعى الرجلُ أن هذا في نيةِ الموقوفِ عليه قبلَ تحريكِه بحركة النقلِ ، لا أنه نُقِل إليه ، ثم وُقِف عليه ، وهذا لم يَقُلْه البتةَ ولم يَخْطُرْ له ، ثم قال الزمخشري : " فإنْ قلت : هَلاَّ زعمتَ أنها حركةٌ لالتقاء الساكنين . قلت : لأنَّ التقاءَ الساكنين لا يُبالى به في بابِ الوقف ، وذلك قولك : هذا إبراهيمُ وداود وإسحاق ، ولو كان التقاء الساكنين في حالِ الوقفِ بوجِبُ التحريكَ لحُرِّكَ الميمان في ألف لام ميم لالتقاء الساكنين ولَما انتُظر ساكنٌ آخرُ " . قال الشيخ : " وهو سؤالٌ صحيحٌ وجوابٌ صحيحٌ ، لكن الذي قال : " إنَّ الحركةَ هي لالتقاءِ الساكنين " لا يَتَوَهَّم أنه أرادَ التقاء الياء والميم من " ألم " في الوقفِ ، وإنّما عَنَى التقاءَ الساكنين اللذيْن هما ميم ميم الأخيرة ولامُ التعريف كالتقاءِ نون " مِنْ " ولامِ الرجل إذا قلت : من الرجل " . قلت : هذا الوجهُ هو الذي قَدَّمُتْه عن بعضهم وهو مكيٌّ وغيرُه . ثم قال الزمخشري : " فإنْ قلت : إنما لم يُحَرِّكوا لالتقاء الساكنين في ميم ؛ لأنهم أرادوا الوقفَ وأَمْكنهم النطقُ بساكنين ، فإذا جاء ساكنٌ ثالثٌ لم يكن إلا التحريكُ فحرَّكوا . قلت : الدليلُ على أنَّ الحركةَ ليست لملاقاة الساكنِ أنه كان يمكِنُهم أَنْ يقولوا : واحدْ اثنان بسكونِ الدالِ مع طَرْحِ الهمزةِ فجمعوا بين ساكنين كما قالوا : " أُصَيْمٌّ " و " مُدَيْقٌّ " فلمّا حَرَّكوا الدالَ عُلِم أّنَّ حَرَكَتها هي حركةُ الهمزةِ الساقطة لا غيرُ ، وأنها ليسَتْ لالتقاءِ ساكنين " . قال الشيخ : " وفي سؤاله تعميةٌ في قوله : " فإنْ قلتَ : لم يُحَرِّكوا لالتقاءِ الساكنين " ويَعْني بالساكنين : الياء والميم ، وحينئذٍ يجيءُ التعليلُ بقولِه : " لأنهم أردوا الوقفَ وأمكَنهم النطقُ بساكنين " يعني الياء والميم . ثم قال : " فإذا جاء ساكنٌ ثالثٌ يعني لامَ التعريف لم يكُنْ إلا التحريكُ يعني في الميم ـ ، فحرَّكوا يعني الميم لالتقائِها ساكنةً مع لامِ التعريفِ ، إذ لو لم يحرِّكوا لاجتمعَ ثلاثةُ سواكنَ وهو لا يمكنُ . هذا شرحُ السؤال ، وأمَّا جوابُ الزمخشري عن سؤالِه فلا يُطابق ، لأنه استدلَّ على أنَّ الحركةَ ليسَتْ لملاقاةِ ساكنٍ بإمكانيةِ الجَمْعِ بين ساكنين في قولهم : واحدْ اثنان بأَنْ سكَّنوا الدالَ والثاءُ ساكنةٌ وتسقطُ الهمزةُ ، فعدَلوا عن هذا الإمكان إلى نقلِ حركةِ الهمزةِ على الدال ، وهذه مكابرةٌ في المحسوسِ لا يمكنُ ذلك أَصْلاً ، ولا هو في قدرةِ البشر أن يَجْمعوا في النطقِ بين سكونِ الدالِ وسكونِ الثاء وطرحِ الهمزة . وأمّا قوله : " فجَمعوا بين ساكنين " فلا يُمكن الجَمْعُ كما قلناه . وأمّا قوله كما قالوا : " أُصَيْمُّ ومُدَيْقٌّ " فهذا ممكنٌ ، كما هو في : رادٌّ وضالٌّ ؛ لأنَّ في ذلك التقاءَ الساكنين : على حدِّهما المشروطِ في النحوِ فَأَمْكَنَ ذلك ، وليس مثلَ " واحدْ اثنان " ؛ لأنَّ الساكنَ الأولَ ليسَ حرفَ مد ولا الثاني مدغمٌ فلا يمكنُ الجمعُ بينهما . وأمَّا قولُه " فلمَّا حركوا الدالَ عُلِمَ أَّنَّ حركتها هي حركةُ الهمزةِ الساقطةِ لا غيرُ وليسَتْ لالتقاءِ الساكنين " لَمَّا بَنى على أنَّ الجمعَ بين الساكنين في " واحدْ اثنان " ممكنٌ ، وحركةُ التقاءِ السكانين إنما هي فيما لا يمكِنُ أن يجتمعا فيه في اللفظ ، ادَّعى أنَّ حركةَ الدالِ هي حركةُ الهمزةِ الساقطةِ . قلت : هذا الذي رَدَّ به عليه صحيحٌ ، وهو معلومٌ بالضرورة إذ لا يمكن النطقُ بما ذَكَر . وقد انتصر بعضُهم لرأي الفرَّاء واختيارِ الزمخشري بأنَّ هذه الحروفَ جيء بها لمعنًى في غيرها كما تقدَّم في أولِ البقرة عند بعضهم فأواخِرها موقوفةٌ ، والنيةُ بما بعدها الاستئنافُ ، فالهمزةُ في حكمِ الثَّباتِ كما في أنصاف الأبيات كقول حسان : @ 1157ـ لَتَسْمَعَُنَّ وشيكاً في ديارِهُمُ أللهُ أكبرُ يا ثاراتِ عثمانا @@ ورجَّحَهُ بعضُهم أيضاً بما حُكي عم المبردِ أنه يجيز : " الله أكبرَ الله أكبر " بفتحِ الراء الأولى قال : " لأنهم في نيةِ الوقف على " أكبر " والابتداءِ بما بعده ، فلمَّا وصلوا مع قَصْدِهم التنبيهَ على الوقفِ على آخرِ كلِّ كلمةٍ من كلماتِ التكبير نقلوا حركةَ الهمزةِ الداخلةِ على لام التعريف إلى الساكنِ قبلها التفاتاً لما ذَكَر من قصدهم ، وإذا كانوا قد فَعَلوا ذلك في حركاتِ الإعرابِ وأتوا بغيرها مع احتياجهم إلى الحركةِ مِنْ حيثُ هي فلأنْ يفعلوا ذلك فيما كان موقوفَ الأخيرِ من بابٍ أَوْلى وأَحْرى . الرابع : أن تكونَ الفتحةُ فتحةَ إعرابٍ على أنه مفعولٌ بفعلٍ مقدر أي : اقرؤوا ألم ، وإنما منعه من الصرفِ للعلَمِيَّةِ والتأنيثِ المعنوي إذا أُريد به اسمُ السورة نحو : قرأت هود ، وقد قالوا هذا الوجهَ بعيِنِه في قراءةِ مَنْ قرأ : " صادَ والقرآن " بفتحِ الدال ، فهذا يجوزُ أن يكونَ مثلَه . الخامس : أنَّ الفتحةَ علامةُ الجر , والمرادُ بألف لام ميم أيضاً السورةُ ، وأنها مُقسَمٌ بها ، فَحُذِفَ حرفُ القسم وبقي عملُه امتنعَ من الصرفِ لِمَا تقدَّم ، وهذا الوجهُ أيضاً مقولٌ في قراءةِ مَنْ قرأ : صادَ بفتح الدال ، إلا أنَّ القراءةَ هناك شاذةٌ وهنا متواترةٌ ، والظاهرُ أنها حركةُ التقاءِ الساكنين ؛ كماهو مذهبُ سيبويه وأتباعِه . السادس : قال ابن كيسان : " ألفُ الله ، وكلُّ ألفِ مع لامِ التعريف ألفُ قطْعٍ بمنزلة " قد " ، وإنما وُصِلَتْ لكثرة الاستعمالِ ، فَمَنْ حَرَّك الميمَ ألقى عليها حركةَ الهمزةِ التي بمنزلةِ القاف من " قد " من " الله " ففتحها بفتحةِ الهمزةِ ، نقله عنه مكي . فعلى هذا هذه حركةُ نقلٍ من همزةِ قطع ، وهذا المذهبُ هو مشهورٌ عن الخليلِ بن أحمد ، حيث يَعْتقد أنَّ التعريف حَصَلَ بمجموعِ " أل " كالاستفهامِ يَحْصُل بمجموع هل ، وأنَّ الهمزةَ ليست مزيدةً ، لكنه مع اعتقادِه ذلك يوافِقُ على سقوطها في الدَّرْج إجراءً لها مُجْرى همزة الوصل لكثرة الاستعمالِ ، ولذلك قد ثبتَتْ ضرورةً ، لأنَّ الضرورةَ تَرُدُّ الأشياءَ إلى أصولها . وللبحثِ في ذلك مكانٌ هو أليقُ به منه منا . ولَمَّا نَقَل أبو البقاء هذا القولَ ولم يَعْزُه قال : " وهذا يَصِحُّ على قولِ مَنْ جَعَل أداةَ التعريف " أل " يعني الخليل لأنه هو المشهورُ بهذه المقالةِ . وقد تقدَّم النقلُ عن عاصم أنه يقرأ بالوقف على ميم ، ويبتدىء بالله لا إله إلا هو ، كما هو ظاهرُ عبارةِ الزمخشري عنه ، وغيرُه يَحْكي عنه أنه يُسَكِّنُ الميمَ ويقطَعُ الهمزةَ من غير وقفٍ منه على الميم ، كأنه يُجْري الوصلَ مُجْرى الوقفِ ، وهذا هو الموافقُ لغالبِ نقلِ القُرَّاء عنه . وقرأ عمرو بن عبيد فيما نَقَل الزمخشري ، والرؤاسي فيما نَقَل ابن عطية ، وأبو حيوة : " المِ الله " بكسرِ الميم . قال الزمخشري : " وما هي بمقبولةٍ " والعجبُ منه كيف تَجرَّأَ على عمرو بن عبيد وهو عندَه معروفُ المنزلة ، وكأنه يريد وما هي مقبولةً عنه أي : لم تَصِحَّ عنه ، وكأن الأخفش لم يَطَّلِعَ على أنها قراءةً فقال : " لو كُسِرَتْ الميمُ لالتقاءِ الساكنين فقيل : " ألمِ الله " لجاز " . قال الزجاج : " وهذا غلطٌ من أبي الحسن ، لأنَّ قبلَ الميمِ ياءً مكسوراً ما قبلها فحقُّها الفتحُ لالتقاءِ الساكنين لِثقَل الكسرِ مع الياء ، وهذا وإنْ كان كما قاله ، إلاَّ أنَّ الفارسيّ انتصر لأبي الحسن ، وردَّ على أبي إسحاق رَدَّه فقال : " كسرُ الميمِ لو وَرَدَ بذلك سماعُ لم يَدْفَعْه قياسٌ ، بل كان يُثْبته ويُقَوِّيه لأنَّ الأَصلَ في التحريكِ لالتقاءِ الساكنين الكسرُ ، وإنما يُبْدَلُ إلى غير ذلك لما يَعْرِضُ من علةٍ وكراهةٍ ، فإذا جاء الشيء على بابه فلا وجه لردِّه ولا مساغَ لدَفْعِه ، وقولُ أبي إسحاق " إنَّ ما قبلَ الميم ياءٌ مكسورٌ ما قبلها فَحقُّها الفتحُ " منقوضٌ بقولِهم : " جَيْرِ " و " كان من الأمر ذَيْتِ وذِيْتِ وكَيْتِ وكِيْتِ " فَحُرِّك الساكنُ بعد الياءِ بالكسرِ ، كما حُرِّكَ بعدَها بالفتحِ في " أَيْنَ " ، وكما جاز الفتحُ بعد الياء في قولهم : " أَيْنَ " كذلك يجوز الكسرُ بعدها كقولهم جَيْر ، ويدلُّ على جوازِ التحريكِ لالتقاءِ الساكنين بالكسرِ فيما كان قبله ياءٌ جوازٌ تحريكه بالضم نحو قولِهم : حيثُ ، وإذا جازَ الضمُّ كان الكسرُ أجوزَ وأسهلَ .