Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 6-6)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا } : في " ثم " هذه أوجهٌ ، أحدها : أنها على بابها من الترتيب بمُهْلة ، وذلك أنه يُرْوى أنه تعالى أخرجَنا من ظهرِ آدمَ كالذَّرِّ ثم خَلَق حواءَ بعد ذلك بزمانٍ . الثاني : أنها على بابها أيضاً ولكنْ لمَدْركٍ آخرَ : وهو أن يُعْطَفَ بها ما بعدها على ما فُهِم من الصفة في قولِه : " واحدة " إذ التقدير : من نفسٍ وَحَدَتْ أي انفَرَدَتْ ثم جَعَلَ منها زَوْجَها . الثالث : أنَّها للترتيب في الأخبار لا في الزمان الوجوديِّ كأنه قيل : كان مِنْ أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجَها . الرابع : أنها للترتيبِ في الأحوالِ والرُّتَبِ . قال الزمخشري : " فإنْ قلت : وما وجهُ قولِه : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وما يُعطيه من التراخي ؟ قلت : هما آيتان من جملةِ الآياتِ التي عَدَّدها دالاًّ على وحدانيَّتِه وقُدْرَتِه بتشعيب هذا الخلقِ الفائتِ للحَصْرِ من نفسِ آدمَ عليه السلام وخَلْقِ حواء من قُصَيْراه ، إلاَّ أَن إحداهما جعلها اللَّهُ عادةً مستمرةً ، والأخرى لم تَجْرِ بها العادةُ ولم تُخْلَقْ أنثى غيرُ حواءَ من قُصيرى رجلٍ ، فكانَتْ أَدخلَ في كَوْنها آيةً وأَجْلَبَ لعَجَبِ السامعِ ، فعطفَها بـ " ثم " على الآية الأولى للدلالةِ على مباينَتِها فضلاً ومزيةً ، وتراخيها عنها فيما يرجِعُ إلى زيادةِ كونِها آيةً فهي من التراخي في الحالِ والمنزلةِ لا من التراخي في الوجودِ . قوله : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } عطف على " خَلَقَكم " ، والإِنزالُ يَحتمل الحقيقةَ . يُرْوى أنه خَلَقها في الجنةِ ثم أَنْزَلَها ، ويُحتملُ المجازُ ، وله وجهان ، أحدهما : أنها لم تَعِشْ إلاَّ بالنبات والماء ، والنباتُ إنما يعيش بالماء ، والماءُ يَنْزِلُ من السحاب أطلق الإِنزالَ / عليها وهو في الحقيقةِ يُطْلَقُ على سببِ السببِ كقولِه : @ 3885 أَسْنِمَةُ الآبالِ في رَبابَهْ @@ وقوله : @ 3886 صار الثريدُ في رُؤوسِ العِيْدانْ @@ وقوله : @ 3887 إذا نَزَل السماءُ بأرضِ قَوْمٍ رَعَيْناه وإنْ كانوا غِضابا @@ والثاني : أنَّ قضاياه وأحكامَه مُنَزَّلَةٌ من السماءِ من حيث كَتْبُها في اللوحِ المحفوظِ ، وهو أيضاً سبَبٌ في إيجادِها . قوله : " يَخْلُقكم " هذه الجملةُ استئنافيةٌ ، ولا حاجةَ إلى جَعْلِها خبرَ مبتدأ مضمرٍ ، بل اسُتُؤْنفت للإِخبار بجملةٍ فعلية . وقد تقدَّم خلافُ القراءِ في كسرِ الهمزةِ وفتحِها وكذا الميمُ . قوله : " خَلْقاً " مصدرٌ لـ " يَخْلُق " و { مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } صفةٌ له ، فهو لبيانِ النوعِ من حيث إنه لَمَّا وُصِفَ زاد معناه على معنى عاملِه . ويجوز أن يتعلَّقَ { مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } بالفعل قبلَه ، فيكون " خَلْقاً " لمجرد التوكيد . قوله : " ظُلُمات " متعلقٌ بخَلْق الذي قبله ، ولا يجوز تعلُّقُه بـ " خَلْقاً " المنصوبِ ؛ لأنه مصدرٌ مؤكِّدٌ ، وإن كان أبو البقاء جَوَّزه ، ثم مَنَعَه بما ذكرْتُ فإنه قال : " و " في " متعلِّقٌ به أي بـ " خَلْقاً " أو بخلق الثاني ؛ لأنَّ الأولَ مؤكِّدٌ فلا يعملُ " ولا يجوزُ تعلُّقُه بالفعلِ قبله ؛ لأنه قد تعلَّقَ به حرفٌ مثلُه ، ولا يتعلَّق حرفان متحدان لفظاً ومعنًى إلاَّ بالبدليةِ أو العطفِ . فإنْ جَعَلْتَ " في ظلمات " بدلاً مِنْ { فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ } بدلَ اشتمالٍ ؛ لأن البطونَ مشتملةٌ عليها ، وتكونُ بدلاً بإعادة العاملِ ، جاز ذلك ، أعني تعلُّقَ الجارَّيْن بـ " يَخْلُقكم " . ولا يَضُرُّ الفصلُ بين البدلِ والمبدلِ منه بالمصدرِ لأنه مِنْ تتمةِ العاملِ فليس بأجنبي . قوله : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } يجوزُ أَنْ يكونَ " الله " خبراً لـ " ذلكم " و " ربُّكم " نعتٌ للَّهِ أو بدلٌ منه . ويجوز أَنْ يكونَ " الله " بدلاً مِنْ " ذلكم " و " ربُّكم " خبرُه . قوله : " له المُلْكُ " يجوز أَنْ يكونَ مستأنفاً ، ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً بعد خبر ، وأَنْ يكونَ " الله " بدلاً مِنْ " ذلكم " و " ربُّكم " نعتٌ لله أو بدلٌ منه ، والخبرُ الجملةُ مِنْ " له الملكُ " . ويجوزُ أَنْ يكون الخبرُ نفسَ الجارِّ والمجرور وحدَه و " المُلْكُ " فاعلٌ به ، فهو من بابِ الإِخبارِ بالمفرد . قوله : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وأَنْ يكونَ خبراً بعد خبرٍ .