Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فِي ٱلْكَلاَلَةِ } : متعلق بـ " يُفْتيكم " على إعمال الثاني ، وهو اختيار البصريين ، ولو أَعْمل الأولَ لأضمرَ في الثاني ، وله نظائرُ في القرآن : { هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [ الحاقة : 19 ] { آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [ الكهف : 96 ] { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 5 ] { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [ البقرة : 39 ] . وقد تقدَّم الكلام فيه بأشَبع من هذا في سورة البقرة فليراجَعْ . وتقدَّم أيضاً اشتقاقُ الكلالة أول هذه السورة . وقوله : { إِن ٱمْرُؤٌ } كقوله : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ } [ النساء : 128 ] . و " هلك " جملةٌ فعليةٌ في محلّ رفع صفة لـ " امرؤ " . و " ليس له ولدٌ " جملةٌ في محلِّ رفعٍ أيضاً صفةً ثانية ، وأجاز أبو البقاء أن تكونَ هذه الجملةُ حالاً من الضمير في " هلك " ولم يذكر غيره . ومع الزمخشري أن تكونَ حالاً ، ولم يبيِّنْ العلةَ في ذلك ، ولا بيَّن صاحبَ الحال أيضاً : هل هو " امرؤ " أو الضمير في " هلك " ؟ قال الشيخ : " ومَنَعَ الزمخشري أن يكونَ قولُه : " ليس له ولد " جملةً حالية من الضمير في " هلك " فقال : " ومحلُّ ليس له ولد الرفعُ على الصفةِ لا النصبُ على الحال " انتهى . والزمخشري لم يَقُلْ كذلك أي : لم يمنع كونَها حالاً من الضمير في " هلك " ، بل منع حاليَّتَها على العموم كما هو ظاهرُ قوله ، ويحتمل أنه أراد مَنْعَ حاليتها من " امرؤ " لأنه نكرةٌ ، لكنَّ النكرة هنا قد تخصَّصت بالوصف ، وبالجملةِ فالحالُ من النكرة أقلُّ مه من المعرفة والذي ينبغي امتناعُ حاليتها مطلقاً كما هو ظاهر عبارته ، وذلك أنَّ هذه الجملةَ المفسِّرةَ للفعل المحذوف لا موضِعَ لها من الإِعراب فأشبهت الجملَ المؤكدة ، وأنت إذا أتبعت أو أخبرتَ فإنما تريدُ ذلك الاسمَ المتقدِّمَ في الجملة المؤكدة السابقة لا ذلك الاسمَ المكرَر في الجملة الثانية التي جاءت تأكيداً ، لأنَّ الجملةَ الأولى هي المقصودةُ بالحديثِ ، فإذا قلت : " ضربتُ زيداً ضربت زيداً الفاضلَ " فـ " الفاضل " صفةُ " زيداً " الأول لأنه في الجملة المؤكَّدَة المقصودُ بالإِخبار ، ولايَضُرُّ الفصلُ بين النعتِ والمنعوت بجملة التأكيد ، فهذا المعنى يَنْفي كونَها حالاً من الضمير في " هلك " وأما ما ينفي كونَها حالاً من " امرؤ " فلِما ذكرته لك من قلةِ مجيء الحال من النكرةِ في الجملة . وفي هذه الآيةِ على ما اختاروه من كونِ " ليس له ولد " صفةً دليلٌ على الفصل بين النعت والمنعوت بالجملة المفسرة للمحذوف في باب الاشتغال ، ونظيرُه : " إنْ رجلٌ قام عاقلٌ فأكرمْه " فـ " عاقل " صفةٌ لـ " رجل " فُصِل بينهما بـ " قام " المفسِّرٍ لـ " قام المفسَّر . وقوله : { وَلَهُ أُخْتٌ } كقوله : { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } ، والفاء في " فلها " جوابُ " إنْ " وقوله : { وَهُوَ يَرِثُهَآ } لا محلَّ لهذه الجملة من الإِعراب لاستئنافِها ، وهي دالةٌ على جواب الشرط ، وليست جواباً خلافاً للكوفيين وأبي زيد . وقال أبو البقاء : " وقد سَدَّتْ هذه الجملة مسدَّ جوابِ الشرط " يريد أنها دالةٌ كما تقدَّم ، وهذا كما يقول النحاة : إذا اجتمع شرط وقسم أُجيب سابقُهما ، وجعل ذلك الجواب ساداً مسدَّ جواب الآخر . والضميران من قوله : " وهو يرثها " عائدان على لفظ امرئ وأخت دونَ معناهما ، فهو من باب قوله : @ 1682 - وكُلُّ أناسٍ قاربوا قيدَ فَحْلِهمْ ونحن خَلَعْنا قيدَه فَهْوَ سارِبُ @@ وقولهم : " عندي درهمٌ ونصفه " وقوله تعالى : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } وإنما احتيج إلى ذلك لأنَّ الحيةَ لا تُورَثُ والهالكَ لا يرثُ فالمعنى : وامرأً آخرَ غيرَ الهالك يرثُ أختاً له أخرى . قوله : { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ } الألفُ في " كانتا " فيها أقوال أحدُهما : أنها تعودُ على الأختين يدلُّ على ذلك قولُه : " وله أخت " أي : فإن كانتِ الأختان اثنتين . وقد جَرَتْ عادةُ النحويين أن يسألوا هنا سؤالاً وهو أنَّ الخبر لا بد أن يفيد ما لا يفيده المبتدأ ، وإلاَ لم يكن كلاماً ، ولذلك مَنَعوا : " سيدُ الجارية مالكُها " لأن الخبر لم يَزِدْ على ما أفاده المبتدأ ، والخبرُ هنا دَلَّ على عدد ذلك العدد مستفادٌ من الألف في " كانتا " وقد أجابوا عن ذلك بأجوبةٍ منها : ما ذكره أبو الحسن والأخفش وهو أنَّ قولَه " اثنتين " يدلُّ على مجرد الاثنيية من غير تقييدٍ بصغير أو كبير أو غير ذلك من الأوصاف ، يعني أن الثلثين يُستَحقان بمجرد هذا العدد من غير اعتبار قيدٍ آخر ، فصار الكلام بذلك مفيداً " . وهذا غيرُ واضحٍ لأنَّ الألفَ في " كانتا " تدل أيضاً على مجرد الاثنيية من غير قيد بصغير أو كبير أو غيرهما من الأوصاف ، فقد رجعَ الأمرُ إلى أنَّ الخبر لم يُفِدْ غيرَ ما أفاده المبتدأ . ومنها : ما ذكره مكي عن الأخفش أيضاً ، وتبعه الزمخشري وغيره وهو الحَمْلُ على معنى " مَنْ " وتقريره ما ذكره الزمخشري ، قال رحمه الله : " فإن قلت : إلى مَنْ يرجع ضميرُ التثنية والجمع في قوله : { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ ، وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً } قلت : أصلُه : فإن كان مَنْ يرث بالأخوَّة اثنتين ، وإن كان [ من ] يرث بالأخوَّة ذكوراً وإناثاً ، وإنما قيل : " فإن كانتا ، وإن كانوا " كما قيل : " مَنْ كانت امَّك " فكما أَنَّث ضميرَ " مَنْ " لمكان تأنيث الخبر كذلك ثَنَّى وجمع ضميرَ مَنْ يرث في " كانتا " و " كانوا " لمكانِ تثنية الخبر وجمعِه " / وهو جوابٌ حسن . إلا أن الشيخَ إعترضه فقال : " هذا تخريجٌ لا يَصِحُّ ، وليس نظيرَ " مَنْ كانت أمَّك " لأنه قد صَرَّح بـ " مَنْ " ولها لفظ ومعنى ، فمن أنَّث راعى المعنى ، لأن التقدير : أيةُ أُمٍّ كانت أمكَ " ومدلول ُ الخبر في هذا مخالفٌ لمدلول الاسم ، بخلافِ الآية فإن المدلولين واحد ، ولم يؤنث في " مَنْ كانت أمك " لتأنيثِ الخبر ، إنما أنث لمعنى " من " إذ أراد بها مؤنثاً ألا ترى أنك تقول " مَنْ قامت " فتؤنث مراعاة للمعنى إذا أردْتَ السؤال عن مؤنث ، ولا خبر هنا فيؤنَّثَ " قامت لأجلهِ " انتهى وهو تحاملٌ منه على عادته ، والزمخشري وغيره لم ينكروا أنه لم يُصَرَِّح في الآية بلفظِ " مَنْ " حتى يُفَرِّقَ لهم بهذا الفرقِ الغامض ، وهذا التخريجُ المذكورُ هو القولُ الثاني في الألف . والظاهرُ أنَّ الضميرَ في " كانتا " عائدٌ على الوارثتين . و " اثنتين " خبرُه ، و " له " صفةٌ محذوفة بها حَصَلت المغايرة بين الاسم والخبر ، والتقدير : فإنْ كانت الوارثتان اثنتين من الأخوات ، وهذا جوابٌ حسن ، وحَذْفُ الصفةِ لفهمِ المعنى غيرُ منكرٍ ، وإن كان أقلَّ من عكسه ، ويجوز أن يكونَ خبرُ " كان " محذوفاً ، والألفُ تعودُ على الاختين المدلولِ عليهما بقوله : " وله أخت " كما تقدَّم ذكرُه عن الأخفش وغيرِه ، وحينئذ يكونُ قولُه : " اثنتين " حالاً مؤكدة ، والتقديرُ : وإنْ كانت الأختان له ، فَحَذَفَ " له " لدلالةِ قوله : " وله أخت " عليه فهذه أربعةُ أقوال . و " إنْ كانوا " في هذا الضمير ثلاثة أوجه أحدها : أنه عائد على المعنى " مَنْ " المقدرة تقديرُه : " فإن كان مَنْ يرث إخوة " كا تقدَّم تقريره عن الزمخشري وغيره . الثاني : أنه يعود على الإِخوة ، ويكون قد أفاد الخبر بالتفصيل ، فإنَّ الإِخوة يشمل الذكورَ والإِناث ، وإن كان ظاهراً في الذكور خاصة فقد أفاد الخبر ما لم يُفِدْه الاسم ، وإن عاد على الوارث فقد أفاد ما لم يُفِدْه الاسم إفادة واضحة ، وهذا هو الوجهُ الثالث . وقوله : " فللذكرِ " أي : منهم فحُذِفَ لدلالة المعنى عليه . قوله : { أَن تَضِلُّواْ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أظهرها : أن مفعول البيان محذوفٌ ، و " أن تَضِلُّوا " مفعولٌ من أجله على حَذْفِ مضاف تقديره : يبيِّن اللَّهُ أمرَ الكلالة كراهةَ أن تَضِلوا فيها ، أي : في حكمها ، وهذا تقديرُ المبرد . والثاني : - قول الكسائي والفراء وغيرهما من الكوفيين - أنَّ " لا " محذوفةٌ بعد " أن " والتقدير : لئلا تضلوا . قالوا : " وحَذْفُ " لا " شائع ذائعٌ كقوله : @ 1683 - رأينا ما رأى البُصَراءُ فيها فآلينا عليها أَنْ تُباعَا @@ أي : أن لا تُباع . وقال أبو إسحاق الزجاج : " هو مثلُ قولِه تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [ فاطر : 41 ] أي : لئلا تزولا . وقال أبو عبيد : " رَوَيْتُ للكسائي حديثَ ابن عمر وهو : " لا يَدْعُوَنَّ أحدُكم على ولدِه أن وافقَ من الله إجابةَ " فاسنحسنه أي : لئلا يوافق . ورجَّح الفارسي قولَ المبرد بأنَّ حَذْفَ المضاف أشيعُ من حذف " لا " النافية . الثالث : أنه مفعول " يبين " والمعنى : يبيِّن الله لكم الضلالة فتجتنبونَها ، لأنه إذا بَيِّن الشر اجتُنِبَ ، وإذا بَيَّن الخيرَ ارتُكِب .