Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ } : فيه وجهان ، أحدهما : أن في الكلامِ حَذْفَ مضافٍ تقديرُه : مواضعَ الصلاة ، والمراد بمواضعها المساجدُ ، ويؤيدُ هذا قولُه بعد ذلك : { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } في أحد التأويلين . والثاني : أنه لا حذفَ ، والنهي عن قربان نفسِ الصلاة في هذه الحالة . قوله : { وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تقربوا " . وقرأ الجمهورُ : " سُكارى " بضم السين وألف بعد الكاف ، وفيه قولان ، أحدهما : وهو الصحيح أنه جمع تكسير ، نص عليه سيبويه ، قال : " وقد يُكَسِّرون بعضَ هذا على فُعالى ، وذلك كقولِ بعضِهم " سُكارى " " وعُجالى " . والثاني : أنه اسمُ جمع ، وزعم ابنُ الباذش أنه مذهب سيبويه ، قال : " وهو القياسُ لأنه لم يأت من أبنيةِ الجمع شيءٌ على هذا الوزن " . وذكر السيرافي الخلافَ ، ورجَّح كونه تكسيراً . وقرأ الأعمش : " سُكْرى " بضم السين وسكون الكاف / ، وتوجيهُها أنها صفةٌ على فُعْلى كحُبْلى ، وقعت صفةً لجماعةٍ أي : وأنتم جماعةٌ سُكْرى . وحَكى جناح بن حبيش : " كُسْلى وكَسْلى " بضم الكاف وفتحها . قاله الزمخشري . وقرأ النخعي : " سَكْرى " بفتح السين وسكون الكاف ، وهذه تحتمل وجهين ، أحدُهما : ما تقدَّم في القراءة قبلها وهو أنها صفةٌ مفردةٌ على فَعْلى كامرأةٍ سَكْرى وُصِفَ بها الجماعة . والثاني : أنها جمعُ تكسيرٍ كجَرْحى ومَوْتى وهَلْكى ، وإنما جَمْعُ سَكْران على " فَعْلى " حملاً على هذه ؛ لِما فيه من الآفةِ اللاحقةِ للفعلِ ، وقد تقدَّم لك شيء من هذا في قولهِ في البقرة عند قولِه : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ } [ الآية : 85 ] ، وقُرىء " سَكارى " بفتحِ السينِ ، والألفِ ، وهذا جمعُ تكسيرِ نحو : نَدْمان ونَدامى وعَطْشان وعَطاشَى . والسُّكْر لغةً : السَّدُّ ، ومنه قيل لِما يَعْرِضُ للمرءِ مِنْ شرب المُسْكِر ؛ لأنه يَسُدُّ مابين المرء وعقله ، وأكثرُ ما يقال السُّكْرُ لإِزالة العقلِ بالمُسكِر ، وقد يُقال ذلك لإِزالتِه بغضبٍ ونحوِه من عشقٍ وغيرِه قال : @ 1586ـ سُكْرانِ سُكْرُ هوىً وسُكْرُ مُدامَةٍ أنَّى يُفيقُ فتىً به سُكْرانِ @@ والسَّكْرُ بالفتح وسكون الكاف حَبْسُ الماءِ ، وبكسرِ السينِ نفسُ الموضعِ المسدودِ ، وأمَّا " السَّكَر " بفتحهما فما يُسْكَرُ به من المشروبِ ، ومنه { سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [ النحل : 67 ] ، وقيل : السُّكْر بضمِّ السين وسكون الكاف السَّدُّ أي : الحاجزُ بين الشيئين قال : @ 1587ـ فما زِلْنَا على السُّكْرِ نُداوي السُّكْرِ بالسُّكْرِ @@ والحاصلُ : أنَّ أصلَ المادة الدلالةُ على الانسدادِ ، ومنه " سَكِرتْ عينُ البازي " إذا خالَطَها نومٌ ، و " سَكِر النهرُ " إذا لم يَجْرِ ، وسَكَرْتُه أنا . قوله : { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ } " حتى " جارةٌ بمعنى " إلى " ، فهي متعلقة بفعلِ النهي ، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار " أَنْ " ، وتقدَّم تحقيقُه . و " ما " يجوزُ فيها ثلاثة أوجه : أن تكونَ بمعنى الذي ، أو نكرةً موصوفةً ، والعائدُ على هذين القولين محذوفٌ أي : يقولونه ، أو مصدريةً فلا حَذْفَ إلا على رأيِ ابنِ السراجِ ومَنْ تَبِعه . قوله : { وَلاَ جُنُباً } نصبٌ على أنه معطوفٌ على الحال قبله ، وهو قوله { وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } ، عَطَفَ المفردَ على الجملةِ لَمَّا كانَتْ في تأويلِه ، وأعادَ معها " لا " تنبيهاً على أنَّ النهيَ عن قربانِ الصلاةِ مع كل واحدة من هذين الحالين على انفرادِهما ، فالنهيُ عنها مع اجتماعِ الحالين آكدُ وأَوْلى . والجُنُبُ : مشتقٌ من الجَنابة وهي البُعْد قال : @ 1588ـ فلا تَحْرِمَنِّي نائلاً عن جَنابَةٍ فإني امرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غريبُ @@ وسُمِّي الرجلُ جُنُباً لبُعْده عن الطهارة ، أو لأنه ضاجَعَ بجَنْبه ومَسَّ به ، والمشهورُ أنه يُستعمل بلفظٍ واحد للمفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، ومنه الآيةُ الكريمة . قال الزمخشري : " لجَرَيانه مَجَرى المصدر الذي هو الإِجْناب " ومن العرب مَنْ يُثَنِّيه فيقول : " جُنُبان " ويجمعه سَلامَةً فيقول : " جُنُبون " وتكسيراً فيقول : " أَجْناب " ، ومثله في ذلك : " شُلُل " وتقدَّم تحقيق ذلك . قوله : { إِلاَّ عَابِرِي } فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على الحال ، فهو استثناء مفرغ ، والعامل فيها فعل النهي ، والتقدير : لا تقربوا الصلاةَ في حال الجنابة ، إلا في حال السفر أو عبور المسجد ، على حَسَب القولين . وقال الزمخشري : { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } استثناءٌ من عامة أحوالِ المخاطبين ، وانتصابُه على الحالِ . فإنْ قلت : كيف جَمَع بين هذه الحالِ والحالِ التي قبلها ؟ قلت : كأنه قيل : لا تقربوا الصلاةَ في حالِ الجنابة إلا ومعكم حالٌ أخرى تُعْذَرُون فيها وهي حال السفر ، وعبُور السبيلِ عبارةٌ عنه " . والثاني : أنه منصوب على أنه صفةٌ لقوله : " جُنُباً " وصفَة بـ " إلا " بمعنى " غير " فظهر الإِعرابُ فيما بعدها ، وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ عند قولِه تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] كأنه قيل : لا تَقْرَبوها جُنُباً غيرَ عابري سبيل أي : جُنُباً مُقِيمين غيرَ مَعْذُورين ، وهذا معنى واضح على تفسيرِ العبورِ بالسفر . وأمَّا مَنْ قَدَّر مواضع الصلاة فالمعنى عنده : لاتقْربوا المساجدَ جُنُباً إلا مجتازين لكونهِ لا ممرَّ سواه ، أو غيرِ ذلك بحَسَبِ الخلاف . والعُبور : الجوازُ ، ومنه : " ناقةٌ عُبْرُ الهَواجِر " قال : @ 1589ـ عَيْرانَةٌ سُبُحُ اليدينِ شِمِلَّةٌ عُبْرُ الهواجرِ كالهِزَفِّ الخاضِبِ @@ وقوله : { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } كقوله : { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ } فهي متعلقةٌ بفعلِ النهي . قوله : { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } في محلِّ نصبٍ عطفاً على خبر " كان " وهو " مَرْضَى " وكذلك قوله : { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ } { أَوْ لاَمَسْتُمُ } وفيه دليلٌ على مجيء خبرِ " كان " فعلاً ماضياً من غيرِ " قد " ، وادِّعاء حذفِها تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه ، كذا استدلَّ به الشيخ ، ولا دليلَ فيه لاحتمال أن يكونَ " أو جاء " عطفاً على " كنتم " تقديرُه : " وإنْ جاء أحد " ، وإليه ذهب أبو البقاء وهو أظهرُ من الأول ، والله أعلم . و " منكم " في محلِّ رفعٍ لأنه صفةٌ لـ " أحد " ، فيتعلق بمحذوف و " من الغائط " متعلِّقٌ بـ " جاء " ، فهو مفعولُه . وقرأ الجمهور : " الغائِط " بزنة فاعِل ، وهو المكانُ المطمئِنُّ من الأرض ، ثم عَبَّر به عن نفسِ الحدثِ كنايةً للاستحياء مِنْ ذكره ، وفَرَّقت العرب بين الفعلين منه ، فقالت : " غاطَ في الأرض " أي : ذهب وأبعد إلى مكانٍ لا يراه فيه إلا مَنْ وَقَفَ عليه ، وتغوَّط : إذا أَحْدَثَ . وقرأ ابن مسعود : " من الغَيْطِ " وفيه قولان ، أحدُهما : وإليه ذهب ابن جني أنه مخفف من فَيْعِل كهَيْن ومَيْت في : هيّن وميّت . والثاني أنه مصدرٌ على وزن فَعْلَ قالوا : غاط يغيط غَيْطاً ، وغاط يَغُوط غَوطاً . وقال أبو البقاء : " هو مصدرُ " يَغُوط " فكان القياس " غَوْطاً " فَقَلبَ الواوَ ياءً وإنْ سَكَنَتْ وانفتَحَ ما قبلَها لِخفَّتها " كأنه لم يَطَّلع على أنَّ فيه لغةً أخرى من ذواتِ الياء حتى ادَّعى ذلك . وقرأ الأخوان هنا وفي المائدة : " لَمَسْتم " والباقون : " لامستم " فقيل : " فاعِل " بمعنى فَعَل ، وقيل : لمَس : جامَع ، ولامسَ لما دون الجماع . قوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ } الفاءُ عَطَفَتْ ما بعدهَا على الشرط . وقال أبو البقاء : " على جاء " ، لأنه جَعَل " جاء " عطفاً على " كنتم " فهو شرط عنده . والفاءُ في قوله " فتيمَّموا " هي جوابُ الشرط ، والضمير في " تَيَمَّموا " لكلِّ مَنْ تقدَّم من مريضٍ ومسافرٍ ومتغوِّط وملامس أو لامس ، وفيه تغليبٌ للخطابِ على الغَيْبَةِ ، وذلك أنه تقدَّم غيبة في قوله : { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ } وخطابُ في " كنتم " و " لمستم " فَغَلَّب الخطابَ في قوله " كنتم " وما بعده عليه . وما أحسنَ ما أتى هنا بالغيبة لأنه كنايةٌ عما يُسْتحيا منه فلم يخاطِبْهم به ، وهذا من محاسِنِ الكلام ، ونحُوه : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] . و " وَجَد " هنا بمعنى " لَقِي " فتعدَّت لوَاحد . و " صعيداً " مفعولٌ به لقوله : " تَيمَّموا " أي : اقصِدوا ، وقيل : هو على إسقاطِ حرف أي : بصعيدٍ ، وليس بشيء لعدمِ اقتياسِه . و " بوجوهكم " متعلِّقٌ بـ " امْسَحوا " وهذه الباءُ تحتمل أَنْ تكون زائدة ، وبه قال أبو البقاء ، ويحتمل أن تكون متعدية ، لأن سيبويه حكى : " مَسَحْتُ رأسَه وبرأسِه " فيكون من باب : نصحته ونصحت له . وحُذِفَ الممسوحُ به ، وقد ظهَر في آية المائدة في قوله " منه " فَحُمِلَ عليه هذا .