Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ } : في " حتى " هذه وما أشبهها أعني الداخلةَ على " إذا " قولان ، أشهرُهما : أنها حرف غاية دَخَلَتْ على الجملةِ الشرطية وجوابِها ، والمعنى : وابْتَلوا اليتامى إلى وقت بلوغِهم واستحقاقِهم دَفْعَ أموالِهم بشرطِ إيناس الرُّشْد ، فهي حرف ابتداء كالداخلة على سائر الجمل كقوله : @ 1545ـ وما زالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دماءها بِدَجْلَةَ حتى ماءُ دَجْلَةَ أَشْكَلُ @@ وقول امرىء القيس : @ 1546ـ سَرَيْتُ بهم حتى تَكِلَّ مَطِيُّهم وحتى الجيادُ ما يُقَدْنَ بِأَرْسانِ @@ والثاني : وهو قول جماعة منهم الزجاج وابن دُرُسْتويه أنَّها حرف جر ، وما بعَدها مجرور بها ، وعلى هذا فـ " إذا " تتمحَّض للظرفيةِ ، ولا يكون فيها معنى الشرط ، وعلى القولِ الأولِ يكونُ العاملُ في " إذا " ما تخلَّص من معنى جوابِها تقديرُه : إذا بلغوا النكاح راشِدين فادْفَعوا . وظاهرُ عبارةِ بعضهم أنَّ " إذا " ليست بشرطية ، قال : " وإذا ليست بشرطيةٍ لحصول ما بعدَها ، وأجاز سيبويه أن يُجازى بها في الشعرِ ، وقال : " فَعلوا ذلك مضطرين " ، وإنما جُوزي بها لأنها تحتاج إلى جواب ، وبأنه يَليها الفعلُ ظاهراً أو مضمراً ، واحتجَّ الخليل على عدمِ شرطيَّتِها بحصولِ ما بعدها ، ألا ترى أنك تقول : " أجيئك إذا احمرَّ البُسْر " ، ولا تقولُ : " إنْ احمرَّ " . قال الشيخ : " وكلامُه يدل على أنها تكونُ ظرفاً مجرداً ليس فيها معنى الشرط ، وهو مخالفٌ للنحويين ، فإنهم كالمجمِعين على أنها ظرفٌ فيها معنى الشرط غالباً ، وإن وجد في عبارةِ بعضِهم ما يَنْفي كونَها أداةَ شرطٍ فإنما يعني أنها لا يُجْزم بها لا أنها لا تكون شرطاً " . وقَدَّر بعضهُم مضافاً قال : " تقديره : بلغوا حَدَّ النكاح أو وقتَه ، والظاهرُ أنه لا يُحتاج إليه ، إذ المعنى : صَلَحوا للنكاح . والفاءُ في قوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ } جوابُ " إذا " ، وفي قولِه " فادْفَعُوا " جوابُ " إنْ " . وقرأ ابن مسعود : " فإن أحَسْتُم " والأصل : أحْسَسْتُم فَحَذَفَ إِحدى السينين ، ويُحتمل أن تكونَ العينَ أو اللام ، ومثلُه قول أبي زبيد : @ 1547ـ سِوى أنَّ العِتاقَ من المَطايا حَسِيْنَ به فهنَّ إليه شوسُ @@ وهذا حذفٌ لا ينقاس ، ونَقَلَ بعضُهم أنها لغة سُلَيْم ، وأنها مُطَّردة في عين كل فعلٍ مضاعفة اتصل به تاءُ الضمير أو نونُه . ونكَّر " رُشْداً " دلالةً على التنويعِ ، والمعنى : أيُّ نوعٍ حَصَل من الرشدِ كان كافياً . وقرأ الجمهور : " رُشْداً " بضمة وسكون ، وابن مسعود والسلمي بفتحتين ، وبعضُهم بضمتين . وسيأتي الكلامُ على ذلك في الأعراف مشبعاً إن شاء الله تعالى . وآنَسَ كذا : أحسَّ به وشَعَر ، قال : @ 1548ـ آنَسَتْ نَبْأَةً وأَفزعها القُنــ ــاصُ عَصْراً وقد دَنا الإِمساءُ @@ وقيل : " وجد " عن الفراء ، وقيل : " أبصر " . قوله : { إِسْرَافاً وَبِدَاراً } فيه وجهان ، أحدُهما : أنهما منصوبان على المفعول من أجله أي : لأجلِ الإِسرافِ والبِدار . ونقل عن ابن عباس أنه قال : " كان الأولياء يستغنمون أكل مالِ اليتيمِ ، لئلا يكبرَ ، فينتزعَ المالَ منهم " . والثاني : أنَّهما مصدران في موضعِ الحال أي : مسرفين ومُبادرين . و " بِداراً " مصدرُ بادرَ ، والمفاعَلة هنا يجوز أن تكون من اثنين على بابِها ، بمعنى " أنَّ الوليَّ يبادر اليتيم إلى أخذِ مالِه ، واليتيم يبادِرُ إلى الكبر ، ويجوزُ أن يكونَ من واحد بمعنى : أن فاعَلَ بمعنى فعل نحو : سافر وطارَقَ . قوله : { أَن يَكْبَرُواْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول بالمصدر أي : وبِداراً كِبَرُهم ، كقولِه : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [ البلد : 14 - 15 ] ، وفي إعمال المصدرِ المنونِ خلافٌ مشهور . والثاني : أنه مفعول من أجله على حَذْفٍ ، أي : مخافةَ أن يَكْبَروا ، وعلى هذا فمفعولُ " بِداراً " محذوفٌ . وهذه الجملةُ النَّهْيِيَّة فيها وجهان ، أصحُّهما : أنها استئنافية ، وليست معطوفةً على ما قبلها . والثاني : أنها عطفٌ على ما قبلها وهو جوابُ الشرط بـ " إنْ " أي : فادْفَعوا ولا تأكلوها ، وهذا فاسدٌ ، لأنَّ الشرطَ وجوابَه مترتِّبان على بلوغِ النكاح ، وهو معارضٌ لقوله { وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } فيلزَمُ منه سَبْقُه على ما ترتَّبَ عليه وذلك ممتنع . قوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } في " كفى " قولان ، أحدهما : أنها اسم فعل . والثاني : وهو الصحيح أنها فِعْلٌ ، وفي فاعِلها قولان : أحدُهما وهو الصحيح أنه المجرورُ بالباءِ ، والباءُ زائدةٌ فيه وفي فاعلِ مضارعه نحو : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ } [ فصلت : 53 ] باطِّراد . قال أبو البقاء : " زيدت لتدلَّ على معنى الأمرِ إذ التقدير : اكتفِ بالله " . والثاني : أنه مضمر ، والتقدير : كَفَى الاكتفاءُ ، و " بالله " على هذا في موضعِ نصب لأنه مفعول به في المعنى ، وهذا رأيُ ابنِ السراج . ورُدَّ هذا بأنَّ إعمال المصدر المحذوف لا يجوزُ عند البصريين إلا ضرورةًَ كقوله : @ 1549ـ هل تَذْكُرون إلى الدَّيْرَيْنِ هِجْرَتَكم ومَسْحَكم صُلْبَكُمْ رُحْمانَ قُرْبانا @@ أي : قولَكم يا رُحمان . وقال الشيخ : " وقيل : الفاعل مضمر ، وهو ضمير الاكتفاء ، أي : كفى هو ، أي : الاكتفاء ، والباءُ ليست زائدةً ، فيكون في موضع نصب ، ويتعلَّق إذ ذاك بالفاعل ، وهذا الوجه لا يَسُوغ على مذهب البصريين ؛ لأنه لا يجوزُ عندهم إعمالُ المصدرِ مضمراً وإنْ عَنَى بالإِضمارِ الحذفَ امتنع عندهم أيضاً لوجهين : حَذْفِ الفاعل ، وإعمالِ المصدر محذوفاً وإبقاءِ معمولِه " . وفيه نظر ، إذ لقائل أن يقول : إذا قلنا بأن فاعل " كفى " مضمرٌ لا نعلق " بالله " بالفاعلِ حتى يَلْزم ما ذَكَر ، بل نعلِّقه بنفس الفعل كما تقدَّم ، وهذا القول سبقه إليه مكي والزجاج فإنه قال : " دَخَلَتِ الباءُ في الفاعل ، لأَنَّ معنى الكلام الأمرُ ، أي : اكتفوا بالله " ، وهذا الكلامُ يُشْعِرُ أنَّ الباءَ ليست بزائدة ، وهو كلامٌ غيرُ صحيح ، لأنه من حيث المعنى الذي قَدَّره يكون الفاعل هم المخاطبين ، و " بالله " متعلقٌ به ، ومِنْ حيث كونُ الباءِ دخلت في الفاعلِ يكونُ الفاعلُ هو اللهَ تعالى فتناقض . وفي كلامِ ابن عطية " نحوٌ من قولِه أيضاً ، فإنه قال : " بالله " في موضعِ رفعٍ بتقديرِ زيادةِ الخافض ، وفائدةُ زيادتِه تبيينُ معنى الأمر في صورةِ الخبر أي : اكتفوا بالله ، فالباءُ تَدُلُّ على المرادِ من ذلك " ، وفي هذا ما رُدَّ به على الزجاج وزيادَةُ جعلِ الحرفِ زائداً وغيرَ زائدٍ . وقال ابن عيسى : " إنما دخلَتِ الباءُ في " كفى بالله " لأنه كان يتصل اتصالَ الفاعل ، وبدخولِ الباءِ اتصل اتصالَ المضافِ واتصالَ الفاعل ؛ لأن الكفايةَ منه تعالى ليست كالكفايةِ من غيرِه ، فضوعف لفظُها لمضاعفةِ معناها " ويَحْتاج إلى فكر . قوله : { حسيباً } فيه وجهان ، أصحُّهما : أنه تمييزٌ يَدُلُّ على ذلك صلاحيةُ دخولِ " مِنْ " عليه ، وهي علامةُ التمييز . والثاني : أنه حال . و " كفى " هنا متعديةٌ لواحدٍ ، وهو محذوفٌ تقديرُه : وكفاكم اللهُ " . وقال أبو البقاء : " وكفى " تتعدَّى إلى مفعولين حُذِفا هنا تقديرُه : كفاك اللهُ شرَّهم بدليل قوله : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 137 ] . والظاهر أنَّ معناها غيرُ معنى هذه . قال الشيخ بعد أَنْ ذكر أنها متعدية لواحدٍ : " وتأتي بغيرِ هذا المعنى متعدية إلى اثنين كقولِه : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } . وهو محلُّ نظر .