Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-92)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن } : قد تقدَّم نظيرُ هذا التركيب : { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } [ البقرة : 114 ] . و " إلا خَطَأً " فيه أربعة أوجه ، أحدُها : أنه استثناء منقطع وهو قولُ الجمهور إنْ أُريد بالنفي معناه ، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ متصلاً إذ يصير المعنى : إلا خطأ فله قتلُه . والثاني : أنه متصلٌ إنْ أريد بالنفي التحريمُ ، ويصير المعنى : إلا خطأ بأن عَرَفَه كافراً فقتله ثم كَشَف الغيبُ أنه كان مؤمناً . الثالث : أنه استثناء مفرغ ، ثم في نصبهِ ثلاثة احتمالات ، الأول : أنه مفعولٌ له أي : ما ينبغي له أن يقتلَه لعلة من العلل إلا لخطأِ وحدَه ، الثاني : أنه حال أي : ما ينبغي له أن يقتلَه في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ . الثالث : أنه نعتُ مصدرٍ محذوف أي : إلا قَتْلاً خطأ ، ذكر هذه الاحتمالاتِ الزمخشري . الرابع من الأوجه : أن تكونَ " إلا " بمعنى " ولا " والتقدير : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً عمداً ولا خطأ ، ذَكَره بعضُ أهل العلم ، حكى أبو عبيدة عن يونس قال : " سألتُ رؤبة بن العجاج عن هذه الآيةِ فقال : " ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأ " فأقام " إلا " مقامَ الواوِ ، وهو كقول الشاعر : @ 1639ـ وكلُّ أخٍ مفارِقُه أخوه لَعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ @@ إلا أن الفراء ردَّ هذا القولَ بأن مثل ذلك لا يجوزُ ، إلا إذا تقدَّمه استثناء آخر فيكونُ الثاني عطفاً عليه كقوله : @ 1640ـ ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا @@ وهذا رأي الفراء ، وأمَّا غيرُه فيزعم أن " إلا " تكون عاطفة بمعنى الواو من غير شرط ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في قوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ } [ البقرة : 150 ] . والجمهور قرأ " خَطَأً " مهموزاً بوزن " نبأ " والزهري : " خَطَا " بوزن عصا ، وفيها تخريجان ، أحدهما : أنه حذف لام الكلمة تخفيفاً ، كما حذفوا لام دم ويد وأخ وبابِها . والثاني : أنه خَفَّف الهمزة بإبدالها ألفاً ، فالتقت مع التنوينِ فَحُذِفت لالتقاء الساكنين ، كما يُفْعَل ذلك بسائر المقصور ، والحسن قرأ : " خَطاءً " بوزن " سَماء " . قوله : { فَتَحْرِيرُ } الفاء جواب الشرط ، أو زائدةٌ في الخبر إنْ كانت " مَنْ " بمعنى الذي ، وارتفاعُ " تحريرُ " : إمَّا على الفاعلية ، أي : فيجبُ عليه تحريرُ وإما على الابتدائية والخبر محذوف أي : فعليه تحريرُ ، أو بالعكس أي : فالواجبُ تحريرُ . والدِّيَةُ في الأصل مصدر ، ثم أُطْلِقَ على المال المأخوذ في القتل ، ولذلك قال : " مُسَلَّمَةٌ إلى أهله " والفعلُ لا يُسَلَّمُ بل الاعيان ، تقول : وَدَى يَدِي دِيةً ووَدْياً كوشَى يشي شِيَةً ، فحذفت فاء الكلمة ، ونظيره في الصحيح اللام " زِنة " و " عِدة " و " إلى أهله " متعلق بـ " مُسَلَّمة " تقول : سَلَّمت إليه كذا ، ويجوزُ أن يكونَ صفةً لـ " مُسَلَّمة " وفيه ضعفٌ . و " خطأ " في قوله : " من قتل مؤمناً خطأ " منصوبٌ : إمَّا على المصدر أي : قتلاً خطأ ، وإمَّا على أنه مصدرٌ في موضع الحال أي : ذا خطأ أو خاطئاً . قوله : { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فيه قولان ، أحدهما : أنه استثناء منقطع . والثاني : أنه متصلٌ ، قال الزمخشري : " فإنْ قلت : بمَ تَعَلَّق " أَنْ يصَّدَّقوا " وما محلُّه ؟ قلت : تَعَلَّق بـ " عليه " أو بِـ " مُسَلَّمَةٌ " كأنه قيل : وتَجِبُ عليه الدِّية أو يسلِّمها إلا حين يتصدقون عليه ، ومحلُّها النصب على الظرف بتقديرِ حذف الزمان ، كقولهم : " اجِلسْ ما دام زيد جالساً " ويجوز أن يكون حالاً من " أهله " بمعنى إلا متصدقين " . وخَطَّأه الشيخ في هذين التخريجين / ، أما الأول فلأنَّ النحويين نَصُّوا على منع قيام " أَنْ " وما بعدَها مقامَ الظرف ، وأنَّ ذلك ما تختص به " ما " المصدريةُ لو قلت : " آتيك أن يصيحَ الديك " أي : وقت صياحِه لم يجز . وأما الثاني فنصَّ سيبويه على منعه أيضاً قال في قول العرب : " أنت الرجل أن تنازلَ ، أو أن تخاصمَ " أي : أنت الرجل نزالاً ومخاصمة : " إنَّ انتصابَ هذا انتصابَ هذا انتصابُ المفعول من أجله ، لأنَّ المستقبل لا يكون حالاً " فكونُه منقطعاً هو الصوابُ . وقال أبو البقاء : " وقيل : هو متصلٌ ، والمعنى : فعليه دِيَةٌ في كل حال إلا في حال التصدُّق عليه بها " . والجمهور على " يَصَّدَّقوا " بتشديد الصاد ، والأصل يتصدَّقوا ، فأدغمت التاء في الصاد . ونقل عن أُبيّ هذا الأصلُ قراءةً ، وقرأ أبو عمرو في روايةِ عبد الوراث - وتُعْزى للحسن وأبي عبد الرحمن - : " تَصَدَّقوا " بتاء الخطاب والأصل : تَتصدقوا بتاءين ، فَأُدغمت الثانية . وقُرئ : " تَصْدُقوا " بتاء الخطاب وتخفيف الصاد ، وهي كالتي قبلها ، إلا أنَّ تخفيفَ هذه بحذفِ إحدى التاءين : الأولى أو الثانيةِ على خلاف في ذلك ، وتخفيفَ الأولى بالإِدغام . قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } مفعولُه محذوفٌ أي : فَمَنْ لم يجِدْ رقبة ، وهي بمعنى وجدان الضالّ ، فلذلك تَعَدَّتْ لواحدٍ . وقوله : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } ارتفاعُه على أحدِ الأوجه المذكورة في قوله : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وقد مَرَّ . أي : فعليه صيامُ أو : فيجبُ عليه صيام أو فواجبُه صيام . قال أبو البقاء : " ويجوزُ في غير القرآنِ النصبُ على " فليصم صومَ شهرين " . وفيه نظرٌ لأنَّ الاستعمالَ المعروفَ في ذلك أَنْ يُقالَ " " صمتُ شهرين ويومين " ولا يقولون : صمتُ صومَ - ولا صيامَ - شهرين . قوله : { تَوْبَةً } في نصبه ثلاثة أوجه ، أحدهم : أنهما مفعول من أجله تقديره : شَرَعَ ذلك توبةً منه . قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن يكون العامل " صوم " إلا على حذف مضاف ، أي : لوقوعِ توبة أو لحصول توبة " يعني أنه إنما احتاج إلى تقدير ذلك المضاف ولم يقل إن العامل هو الصيام ؛ لأنه اختلَّ شرطٌ من شروطِ نصبه ؛ لأنَّ فاعل الصيام غير فاعلَ التوبة . الثاني : أنها منصوبةً على المصدر أي : رجوعاً منه إلى التسهيل حيث نَقَلكم من الأثقلِ إلى الأخفِّ ، أو توبة منه أي : قَبُولاً منه ، مِنْ تاب عليه إذا قَبِل توبته ، فالتقدير : تابَ عليكم توبةً . الثالث : أنها منصوبةٌ على الحال ولكن على حذف مضافٍ تقديرُه : فعليه كذا حالَ كونِه صاحبَ توبةٍ ، ولا يجوز ذلك من غيرِ تقدير هذا المضافِ لأنك لو قلتَ : " فعليه صيامُ شهرين تائباً من الله " لم يَجُزْ " ومِن الله " في محلِّ نصبٍ لأنه صفةٌ لـ " توبة " فيتعلَّقُ بمحذوف .