Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 14-14)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ جَآءَتْهُمُ } : فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه ظرفٌ لـ " أَنْذَرْتُكم " نحو : لَقِيْتُك إذ كان كذا . الثاني : أنه منصوبٌ بصاعقةٍ لأنَّها بمعنى العذاب أي : أنذرتُكم العذابَ الواقعَ في وقتِ مجيْءِ رسُلِهم . الثالث : أنه صفةٌ لـ " صاعِقَة " الأولى . الرابع : أنه حالٌ من " صاعقة " الثانية ، قالهما أبو البقاء وفيهما نظرٌ ؛ إذ الظاهرُ أنَّ الصَّاعقةَ جثةٌ وهي قطعةُ نارٍ تَنْزِلُ من السماء فتحرقُ ، كما تقدَّمَ في تفسيرِها أولَ هذا التصنيفِ ؛ فلا يقعُ الزمانُ صفةً لها ولا حالاً عنها ، وتأويلُها بمعنى العذابِ إخراجٌ لها عن مدلولِها مِنْ غيرِ ضرورةٍ ، وإنما جعلَها وَصْفاً للأولى لأنها نكرةٌ ، وحالاً مِن الثانية لأنها معرفةٌ لإِضافتها إلى عَلَم ، ولو جعلها حالاً من الأولى ؛ لأنها تخَصَّصَتْ بالإِضافةِ لجاز / فتعودُ الوجوهُ خمسةً . قوله : { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } الظاهرُ أنَّ الضميرَيْن عائدان على عادٍ وثمود . وقيل : الضميرُ في " خَلْفِهم " يعودُ على الرسلِ . واسْتُبْعِد هذا من حيث المعنى ؛ إذ يصير التقديرُ : جاءتهم الرسلُ مِنْ خَلْفِ الرسلِ ، أي : مِنْ خَلْفِ أنفسِهم . وقد يُجاب عنه : بأنَّه مِنْ باب " دِرْهمٌ ونصفُه " أي : ومن خَلْفِ رسُلٍ آخرين . قوله : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } يجوزُ في " أَنْ " ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أَنْ تكونَ المخففةَ من الثقيلة ، واسمُها ضميرُ الشأن محذوفٌ ، والجملةُ النَّهْيِيةُ بعدها خبرٌ ، كذا أعربه الشيخُ . وفيه نظرٌ مِنْ وجهين ، أحدهما : أنَّ المخففةَ لا تقع بعد فِعْل إلاَّ مِنْ أفعال اليقين . الثاني : أنَّ الخبرَ في بابِ " إنَّ " وأخواتِها لا يكون طلباً ، فإنْ وَرَدَ منه شيءٌ أُوِّلَ ولذلك تأوَّلوا [ قولَ الشاعرِ : ] @ 3950 إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ لا تَحْسَبُوا ليلَهم عن ليلِكم ناما @@ وقول الآخر : @ 3951 ولو أصابَتْ لقالَتْ وَهْيَ صادِقةٌ إنَّ الرِّياضَةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيْبِ @@ على إضمارِ القولِ . الثاني : أنها الناصبةُ للمضارعِ ، والجملةُ النَّهْييةُ بعدها صلتُها وُصِلَتْ بالنهي كما تُوْصَلُ بالأمر في " كَتبتُ إليه بأنْ قُمْ " ، وقد مَرَّ في وَصْلِها بالأمرِ إشكالٌ يأتي مثلُه في النهي . الثالث : أَنْ تكونَ مفسِّرَةً لمجيئِهم لأنه يتضمَّنُ قولاً ، و " لا " في هذه الأوجهِ كلِّها ناهيةٌ ، ويجوزُ أَنْ تكونَ نافيةً على الوجهِ الثاني ، ويكون الفعلُ منصوباً بـ " أنْ " بعد " لا " النافية ، فإنَّ " لا " النافيةَ لا تمنعُ العاملَ أَنْ يعملَ فيما بعدها نحو : " جئتُ بلا زيدٍ " ، ولم يذكرْ الحوفي غيرَه . قوله : " لو شاءَ " قدَّر الزمخشريُّ مفعولَ " شاء " : لو شاءَ إرسالَ الرسلِ لأَنْزَلَ ملائكةً . قال الشيخ : " تَتَبَّعْتُ القرآنَ وكلامَ العربِ فلم أَجِدْ حَذْفَ مفعولِ " شاء " الواقع بعد " لو " إلاَّ مِنْ جنسِ جوابِها نحو : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ الأنعام : 35 ] أي : لو شاءَ جَمْعَهم على الهدى لجَمَعهم عليه ، { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } [ الواقعة : 65 ] { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [ الواقعة : 70 ] { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ } [ يونس : 99 ] { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام : 112 ] { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ } [ النحل : 35 ] . وقال الشاعر : @ 3952 فلو شاءَ ربِّي كنتُ قيسَ بنَ خالدٍ ولو شاءَ ربي كنتُ قيسَ بنَ مَرْثدِ @@ وقال الراجز : @ 3953 واللذِ لو شاءَ لكنْتُ صَخْراً أو جَبَلاً أشمَّ مُشْمَخِرَّا @@ قال : " فعلَى ما تقرَّر لا يكونُ المحذوفُ ما قدَّره الزمخشريُّ ، وإنما التقديرُ : لو شاء ربُّنا إنزالَ ملائكةٍ بالرسالةِ منه إلى الإِنسِ لأَنْزَلهم بها إليهم ، وهذا أَبْلَغُ في الامتناع من إرسالِ البشرِ ، إذ عَلَّقوا ذلك بإنزال الملائكة ، وهو لم يَشَأْ ذلك فكيف يشاء ذلك في البشر ؟ " قلت : وتقديرُ أبي القاسم أوقَعُ معنىً وأخلصُ من إيقاع الظاهرِ موقعَ المضمرِ ؛ إذ يَصيرُ التقديرُ : لو شاءَ إنزالَ ملائكةٍ لأنزلَ ملائكةً . قوله : { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } هذا خطابٌ لهودٍ وصالحٍ وغيرِهم مِن الأنبياءِ عليهم السلام ، وغَلَّب المخاطبَ على الغائبِ نحو : " أنت وزيدٌ تقومان " . و " ما " يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي وعائدُها به ، وأنْ تكونَ مصدريةً أي : بإرسالِكم ، فعلى هذا يكون " به " [ يعودُ ] على ذلك المصدرِ المؤولِ ، ويكون من بابِ التأكيد كأنه قيل : كافرون بإرسالِكم به .