Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 29-29)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } : يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ ، لأنه لَمَّا تقدَّمَ : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ } دَلَّ على ذلك المقدَّرِ أي : هو أي : الرسولُ بالهدى محمدٌ ، و " رسولُ " بدلٌ أو بيانٌ أو نعتٌ ، وأن يكونَ مبتدأً أو خبراً ، وأن يكونَ مبتدأً و " رسولُ اللَّهِ " على ما تقدَّم من البدلِ والبيانِ والنعتِ . و " الذين معه " عطفٌ على " محمدٌ " والخبرُ عنهم قوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } . وابن عامر في روايةٍ " رسولَ الله " بالنصبِ على الاختصاصِ ، وهي تؤيِّدُ كونَه تابعاً لا خبراً حالةَ الرفعِ . ويجوزُ أَنْ يكونَ " والذين " على هذا الوجه مجروراً عطفاً على الجلالة أي : ورسولُ الذين آمنوا معه ؛ لأنه لَمَّا أُرْسِل إليهم أُضيف إليهم فهو رسولُ اللَّهِ بمعنى : أنَّ اللَّهَ أرسله ، ورسولُ أمتِه بمعنى : أنه مُرْسَلٌ إليهم ، ويكون " أشدَّاءُ " حينئذٍ خبرَ مبتدأ مضمر أي : هم أشدَّاء . ويجوزُ أَنْ يكونَ تَمَّ الكلام على " رسولُ الله " و " الذين معه " مبتدأٌ و " أشدَّاءُ " خبره . وقرأ الحسن " أشداءَ ، رحماءَ " بالنصبِ : إمَّا على المدحِ ، وإمَّا على الحال من الضميرِ المستكنِّ في " معه " لوقوعِه صلةً ، والخبرُ حينئذٍ عن المبتدأ . قوله : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } حالان ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ ، وكذلك " يَبْتَغُون " يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وإذا كانَتْ حالاً فيجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثالثةً مِنْ مفعول " تَراهم " وأن تكونَ من الضمير المستترِ في " رُكَّعاً سجداً " . وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ " سُجَّداً " حالاً مِنَ الضمير في " رُكَّعاً " حالاً مقدرة . فعلى هذا يكونُ " يَبْتَغون " حالاً من الضميرِ في " سُجَّداً " فتكونُ حالاً مِنْ حال ، وتلك الحالُ الأولى حالٌ مِنْ حال أخرى . وقرأ ابن يعمر " أَشِدَّا " بالقصرِ ، والقصرُ مِنْ ضرائر الأشعار كقوله : @ 4081 لا بدَّ مِنْ صَنْعا وإنْ طالَ السَّفرْ @@ فلذلك كانَتْ شاذَّةً . قال الشيخ : " وقرأ عمرو بن عبيد " ورُضوانا " بضم الراء " . قلت : هذه قراءةٌ متواترةٌ قرأها عاصمٌ في روايةِ أبي بكرٍ عنه قَدَّمْتها في سورة آل عمران ، واستثنيتُ له حرفاً واحداً وهو ثاني المائدة . وقُرِئ " سِيْمِياؤهم " بياء بعد الميمِ والمدِّ ، وهي لغةٌ فصيحةٌ وأُنْشِد : @ 4082 غلامٌ رَماه اللَّهُ بالحُسْن يافعاً له سِيْمِياءُ لا تَشُقُّ على البصَرْ @@ وتقدَّم الكلامُ عليها وعلى اشتقاقِها في آخر البقرة . و " في وجوههِم " خبرُ " سِيماهم " . قوله : { مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } حال من الضمير المستتر في الجارِّ ، وهو " في وجوههم " . والعامَّةُ " مِنْ أَثَرِ " بفتحتين ، وابن هرمز بكسرٍ وسكون ، وقتادة " مِنْ آثارَ " جمعاً . قوله : " ذلك مَثَلُهم " " ذلك " إشارةٌ إلى ما تقدَّم من وَصْفِهم بكونهم أَشِدَّاءَ رُحَماءَ لهم سِيما في وجوههم ، وهو مبتدأ خبرُه " مَثَلُهم " و " في التوراة " حالٌ مِنْ مَثَلُهم " والعاملُ معنى الإِشارة . قوله : { وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ } يجوزُ فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه مبتدأٌ وخبرُه " كزَرْعٍ " فيُوقَفُ على قولِه : " في التوراة " فهما مَثَلان . وإليه ذهب ابن عباس . والثاني : أنه معطوفٌ على " مَثَلُهم " الأولِ ، فيكونُ مَثَلاً / واحداً في الكتابَيْن ، ويُوْقَفُ حينئذٍ على " الإِنجيل " وإليه نحا مجاهدٌ والفراء ، ويكون قولُه على هذا : " كزَرْع " فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : مَثَلُهم كزَرْعٍ ، فَسَّر بها المثل المذكور . الثاني : أنه حالٌ من الضمير في " مَثَلُهم " أي : مُماثِلين زَرْعاً هذه صفتُه . الثالث : أنها نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي : تمثيلاً كزرع ، ذكره أبو البقاء . وليس بذاك . وقال الزمخشريُّ : " ويجوزُ أَنْ يكونَ " ذلك " إشارةً مُبْهَمَةً أُوْضِحَتْ بقولِه : " كَزَرْع " كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ } " . قوله : " أَخْرَجَ شَطْأَه " صفةٌ لزرع . وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء ، والباقون بإسكانها ، وهما لغتان . وفي الحرف لغاتٌ أخرى قُرِئَ بها في الشاذِّ : فقرأ أبو حيوةَ " شَطاءَه " بالمدِّ ، وزيد بن علي " شَطاه " بألفٍ صريحةٍ بعد الطاءِ ، فاحتملَتْ أَنْ تكونَ بدلاً من الهمزةِ بعد نقلِ حركتِها إلى الساكنِ قبلَها على لغةِ مَنْ يقولُ : المَراةُ والكَماةُ بعد النقلِ ، وهو مقيسٌ عند الكوفيين ، واحتملَ أَنْ يكونَ مقصوراً من الممدود . وأبو جعفر ونافعٌ في روايةٍ " شَطَه " بالنقل والحَذْفِ وهو القياسُ . والجحدري " شَطْوَه " أبدل الهمزة واواً ، إذ تكونُ لغةً مستقلةً . وهذه كلُّها لغاتٌ في فراخِ الزَّرْع . يقال : شَطَأَ الزَّرْعُ وأَشْطَأ أي : أخرجَ فِراخَه . وهل يختصُّ ذلك بالحِنْطة فقط ، أو بها وبالشعيرِ فقط ، أو لا يختصُّ ؟ خلاف مشهور قال : @ 4083 أَخْرج الشَّطْءَ على وجهِ الثَّرى ومنَ الأشجارِ أفنانَ الثمرْ @@ قوله : " فآزَرَه " العامَّةُ على المدِّ وهو على أَفْعَل . وغَلَّطوا مَنْ قال : إنه فاعَلَ كمجاهدٍ وغيرِه بأنَّه لم يُسْمَعْ في مضارِعه يُؤَازِرُ بل يُؤْزِرُ . وقرأ ابن ذكوان " فَأَزَره " مقصوراً جعله ثلاثياً . وقُرِئ " فأَزَّرَه " بالتشديدِ والمعنى في الكلِّ : قَوَّاه . وقيل : ساواه . وأُنْشد : @ 4084 بمَحْنِيَةٍ قد آزَرَ الضالُّ نَبْتَها مَجَرَّ جُيُوشٍ غانِميْنَ وخُيَّبِ @@ قوله : " على سُوْقِه " متعلِّقٌ بـ " اسْتوى " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً أي : كائناً على سُوْقِه أي : قائماً عليها . وقد تقدَّم في النمل أن قنبلاً يقرأ " سُؤْقِه " بالهمزةِ الساكنة كقولِه : @ 4085 أحَبُّ المُؤْقِدين إليَّ موسى … @@ وبهمزةٍ مضمومةٍ بعدها واوٌ كقُرُوْح ، وتوجيهُ ذلك . والسُّوْق : جمع ساق . قوله : " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " حالٌ أي : مُعْجِباً ، وهنا تَمَّ المَثَلُ . قوله : " ليَغيظَ " فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه متعلِّقٌ بـ " وَعَدَ " ؛ لأنَّ الكفارَ إذا سَمِعوا بعِزِّ المؤمنين في الدنيا وما أُعِدَّ لهم في الآخرة غاظَهم ذلك . الثاني : أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ دَلَّ عليه تشبيهُهم بالزَّرْعِ في نَمائِهم وتَقْويتِهم . قاله الزمخشري أي : شَبَّههم اللَّهُ بذلك ليَغيظَ . الثالث : أنه متعلِّقٌ بما دَلَّ عليه قولُه : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } إلى آخره أي : جعلهم بهذه الصفاتِ ليَغيظَ . قوله : " مِنْهم " " مِنْ " هذه للبيانِ لا للتبعيضِ ؛ لأنَّ كلَّهم كذلك فهي كقولِه : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] . وقال الطبري : " منهم أي : من الشَّطْء الذي أخرجه الزرعُ ، وهم الداخلون في الإِسلامِ إلى يومِ القيامة " ، فأعاد الضميرَ على معنى الشَّطْءِ ، لا على لفظِه ، وهو معنى حسنٌ .