Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ } هل هذا القولُ وقعَ وانقضَى أو سيقع يومَ القيامة ؟ قولان للناس ، فقال بعضُم : لَمَّا رفعه إليه قال له ذلك ، وعلى هذا فـ " إذ " و " قال " على موضوعهما من المُضِيِّ وهو الظاهر . وقال بعضُهم : سيقولُه له يوم القيامة وعلى هذا فـ " إذا " بمعنى " إذا " ، " وقال " بمعنى " يقول " وكونُها بمعنى " إذا " أهونُ من قول أبي عُبيد إنها زائدة ؛ لأنَّ زيادةَ الأسماء ليست بالسهلة . قوله : { أَأَنتَ قُلتَ } دَخَلَتِ الهمزةُ على المبتدأ فائدةٍ ذكرها أهل البيان وهو : أن الفعلَ إذا عُلِم وجودُه وشُكَّ / في نسبته إلى شخص أُولِي الاسمُ المشكوكُ في نسبة الفعل إليه للهمزة فيقال : " أأنت ضرب زيداً " فَضَرْبُ زيدٍ قد صدر في الوجود وإنما شُكَّ في نسبته إلى المخاطب ، وإنْ شُكَّ في اصل وقوع الفعل أُولِي الفعلُ للهمزة فيقال : " أضربْتَ زيداً " لم تَقْطَعْ بوقوعِ الضرب بل شَكَكْتَ فيه ، والحاصل : أنَّ الهمزةَ يليها المشكوك فيه ، جئنا إلى الآية الكريمة فالاستفهامُ فيها يُراد به التقريعُ والتوبيخُ بغيرِ عيسى عليه السلام وهم المتَّخذون له ولأمة الهين ، دَخَل على المبتدأ لهذا المعنى الذي قد ذكرته ، لأن الاتخاذَ قد وقع لا بد . واللام في " للناس " للتبليغ فقط ، و " اتخذوني " يجوز أن تكون بمعنى " صَيَّر " فتتعدَّى لاثنين ثانيهما " إلهين " وأن تكونَ المتعدية لواحد فـ " إلهين " حالٌ . و " من دون الله " فيه وجهان ، أظهرهما : أنه متعلقٌ بالاتخاذ وأجاز أبو البقاء - وبه بدأ - أن يكون متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " آلهين " . قوله : { سُبْحَانَكَ } أي : تنزيهاً ، وتقدَّم الكلامُ عليه في البقرة مشبعاً ، ومتعلَّقُه هنا محذوفٌ فقدَّره الزمخشري : سبحانك من أن يكونَ لك شريكٌ " وقَدَّره ابن عطية : " عن أَنْ يُقال هذا وينطق به " ورجَّحه الشيخ لقوله بعد : { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ } قوله : { أَنْ أَقُول } في محلِّ رفع لأنه اسمُ " يكون " ، والخبرُ في الجار قبله ، أي : ما ينبغي لي قولُ كذا . و " ما " يجوزُ أن تكونَ موصولةً أن نكرةً موصوفة . والجملةُ بعدها صلةٌ فلا محلَّ لها ، أو صفةٌ فمحلُّها النصبُ ، فإنّ " ما " منصوبةٌ بـ " اقول " نصبَ المفعول به لأنها متضمنةٌ لجملة فهو نظيرُ " قلت كلاماً " ، وعلى هذا فلا يُحتاج أن يُؤَوَّل " أقول " بمعنى أَدَّعِي أو أذكر ، كما فعله أبو البقاء . وفي " ليس " ضميرٌ يعودُ على ما هو اسمُها ، وفي خبرِها وجهان ، أحدهما : أنه " لي " أي : ما ليس مستقراً لي وثابتاً ، وأمَّا " بحق " على هذا ففيه ثلاثةُ أوجه ، ذكر أبو البقاء منها وجهين ، احدُهما أنه حالٌ من الضمير في " لي " قال : والثاني : أن يكونَ مفعولاً به تقديره : ما ليسَ يَثْبُتُ ليس بسببِ حق ، فالباءُ متعلقةٌ بالفعلِ المحذوف لا بنفسِ الجارِّ ، لأنَّ المعاني لا تعمل في المفعول به " . قلت : وهذا ليس بجيدٍ لأنه قَدَّر متعلَّق الخبرِ كوناً مقيداً ثم حَذَفه وأبقى معموله . الوجه الثالث : أنَّ قوله " بحق " متعلقٌ بقوله : " عَلِمْتَه " ويكون الوقف على هذا على قوله " لي " والمعنى : فقد عَلِمْتَه بحق . وقد رُدَّ هذا بأن الأصل عدم التقديم والتأخير ، وهذا لاينبغي أن يُكتفى به في ردِّ هذا ، بل الذي منع من ذلك أنَّ معمولَ الشرطِ أو جوابِه لا يتقدَّم على أداة الشرط لا سيما المرويُّ عن الأئمة القُرَّاء الوقفُ على " بحق " ، ويَبْتدئون بـ " إنْ كنت قلتُه " وهذا مَرِويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فوجَبَ اتِّباعه ] والوجهُ الثاني في خبرِ " ليس " أنه " بحق " ، وعلى هذا ففي " لي " ثلاثةُ أوجه ، أحدُها : أنه " يتبين " كما في قولهم : " سُقْياً له " أي : فيتعلَّقُ بمحذوف ، والثاني : أنه حال من " بحق " لأنه لو تأخَّر لكانَ صفةً له ، قال أبو البقاء : " وهذا يُخَرَّج على قولِ مَنْ يجوِّزُ تقديمَ حالِ المجرور عليه " قلت : قد تقدم لك خلافُ الناسِ فيه وما أوردوه من الشواهِد ، وفيه أيضاً تقديمُ الحال على عامِلها المعنوي : فإنَّ " بحق " هو العاملُ إذ " ليس " لا يجوز أن تعملَ في شيء ، وإنْ قلنا : إنَّ " كان " أختها قد تعمل لأن " ليس " لا حدَثَ لها بالإِجماع . والثالث : أنه متعلِّقٌ بنفسِ " حق " لأنَّ الباءَ زائدةٌ ، وحَقّ بمعنى مُسْتحق أي : ما ليس مستحِقَّاً لي . قوله : { إِن كُنتُ } : " كنت " وإن كانت ماضية اللفظ فهي مستقبلة في المعنى ، والتقدير : إن تَصِحَّ دعواي لِما ذُكر ، وقَدَّره الفارسي بقوله : " إن أكن الآن قلتُه فيما مضى " لأنَّ الشرطَ والجزاء لايقعان إلا في المستقبل " وقولُه : { فَقَدْ عَلِمْتَهُ } أي : فقد تبيَّن وظهرَ عِلمُك به كقوله : { فَصَدَقَتْ } [ يوسف : 26 ] و { فَكَذَبَتْ } [ يوسف : 27 ] و { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [ النمل : 90 ] . قوله : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي } هذه لا يجوزُ أن تكونَ عرفانيةً ، لأنَّ العرفان كما قَدَّمْتُه يستدعي سَبْقَ جهل ، او يُقْتَصَرُ به على معرفةِ الذات دونَ أحوالها حَسْبَ ما قاله الناس ، فالمفعولُ الثاني محذوفٌ ، أي : تعلمُ ما في نفسي كائناً وموجَداً على حقيقتِه لا يَخْفَى عليك منه شيءٌ ، وأمَّا : " ولا أعلم " فيه وإنْ كان يجوزُ أن تكونَ عرفانيةً ، إلا أنها لَمَّا صارَتْ مقابلةً لما قبلها ينبغي أن يكونَ مثلَها ، والمرادُ بالنفسِ هنا على ما قاله الزجاج " انها تُطْلَقُ ويُراد بها حيققةُ الشي ، والمعنى في قوله { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي } إلى آخره واضحٌ ، وقال : " المعنى : تعلمُ ما أُخْفيه من سِرِّي وغيبي ، أي : ما غابَ ولم أُظْهِرْه ، ولا أعلمُ ما تُخفِيه أنت ولا تُطْلِعُنا عليه ، فذكرالنفس مقابلةً وازداجاً ، وهذا منتزع من قول ابن عباس ، وعليه حام الزمخشري فإنه قال : " تعلمُ معلومي ولا أعلمُ معلومَك " ، وأتى بقوله : { مَا فِي نَفْسِكَ } على جهةِ المقابلةِ والتشاكلِ لقوله : { مَا فِي نَفْسِي } فهو كقوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] ، وكقوله : { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 14ـ15 ] .