Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-64)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقرأ أبو السمَّال : " ولُعنوا " بسكون العين ، وحَسَّن تخفيفَها هنا كونُها كسرةً بين ضمتين ، ومثلُه قولُ الآخر : @ 1762 - لو عُصْرَ منه البانُ والمسكُ انعصَرْ @@ والظاهر أن الضميرَ في " كانوا " عائدٌ على الأحبار والرهبان ، ويجوز أن يعودَ على المتقدمين . وقول تعالى حكايةً عن اليهود : { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } فيه قولان ، أحدُهما : أنه خبرٌ مَحْضٌ . وزعم بعضُهم أنه على تقديرِ همزةِ استفهام تقديره : " أيدُ اللَّهِ مغلولةٌ " ؟ قالوا ذلك لَمَّا قَتَّر عليهم معيشتهم ، ولا يحتاجون إلى هذا التقدير . و " بما قالوا " الباء للسببية أي : لُعنوا بسببِ قولِهم ، و " ما " مصدريةٌ ، ويجوزُ أن تكونَ موصولةً اسمية والعائدُ محذوف . وغَلُّ اليدِ وبسطُها هنا استعارةٌ للبخل والجود ، وإن كان ليس ثَمَّ يدٌ ولا جارحة ، وكلامُ العرب ملآنُ من ذلك . قالت العرب : " فلانٌ ينفق بكلتا يديه " قال : @ 1763 - يداك يدا مجدٍ ، فكفٌّ مفيدةٌ وكفٌ إذا ما ضُنَّ بالمالِ تُنْفِقُ @@ وقال آخر هو ابو تمام : @ 1764 - تعوَّد بَسْطَ الكفِّ حتى لَوَ أنَّه دعاها لقَبْضٍ لم تُطِعْه أنامِلُهْ @@ وقد استعارت العربُ ذلك حيث لا يدَ البتة ، ومنه قولُ لبيد : @ 1765 - … إذْ أصبحَتْ بيدِ الشَمالِ زِمامُها @@ وقال آخر : @ 1766 - جادَ الحِمَى بَسْطُ اليدين بوابلٍ شَكَرتْ نداه تِلاعُه ووِهادُهْ @@ وقالوا : " بَسَطَ اليأسُ كفَّيه في صدري " واليأسُ معنًى لا عينٌ ، وقد جعلوا له كَفَّين مجازاً . قال الزمخشري : " فإنْ قلت : لِمَ ثُنِّيت اليد في " بل يداه مبسوطتان " وهي في " يَدُ اللَّهِ مغلولةٌ " مفردةٌ ؟ قلت : ليكونَ ردُّ قولِهم وإنكارُه أبلغَ وأدلَّ على إثباتِ غايةِ السخاء له ونَفْيِ البخل عنه ، وذلك أنَّ غايةَ ما يبذله السخيُّ من ماله بنفسِه أن يعطيَه بيديه جميعاً فبنى المجازَ على ذلك " وقوله : { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ } يحتمل الخبرَ المحضَ ، ويحتمل أن يُرادَ به الدعاءُ عليهم . وفي مصحف عبد الله : " بُسُطان " يقال : " يدٌ بُسُط " على زنة " ناقة سُرُح " و " أُحُد " و " مِشْية سُجُع " ، أي : مبسوطة بالمعروف ، وقرأ عبد الله : " بسيطتان " يقال : يد بسيطة أي : مُطْلَقَةٌ بالمعروف . قوله : { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } في هذه الجملة خمسةُ أوجه ، أحدها : - وهو الظاهر - أنْ لا محلَّ لها من الإِعراب لأنها مستأنفة والثاني : أنها في محلِّ رفع لأنها خبر ثان لـ " يداه " والثالث : أنها في محل نصبٍ على الحال من الضميرِ المستكنِّ في " مبسوطتان " وعلى هذين الوجهين فلا بُدَّ من ضمير مقدَّرٍ عائدٍ على المبتدأ ، أو على ذي الحال أي : ينفق بهما ، وحَذْفُ مثلِ ذلك قليلٌ . وقال أبو البقاء : " ينفق كيف يشاء " مسأنفٌ ، ولا يجوزُ ان يكونَ حالاً من الهاء - يعني في " يداه " - لشيئين ، أحدُهما : أنَّ الهاءَ مضاف إليها . والثاني : أنَّ الخبرَ يَفْصِل بينهما : ولا يجوزُ أن تكونَ حالاً من اليدين ، إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما " قلت : قوله : " أحدُهما : أنَّ الهاء مضاف إليها " ليس ذلك بمانع ؛ لأن الممنوع إنما هو مجيءُ الحال من المضافِ إليه إذا لم يكن المضاف جزءاً من المضافِ إليه أو كجزئه أو عاملاً فيه وهذا من النوع الأول فلا مانع فيه . وقوله : " والثاني : أن الخبرَ يَفْصِل بينهما " هذا أيضاً ليس بمانع ، ومنه : { وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] إذا قلنا إن " شيخاً " حالٌ من اسم الإِشارة ، والعاملُ فيه التنبيه . وقوله : " إذ ليس فيها ضمير " قد تقدَّم أن العائِدَ يُقَدَّر ، أي : ينفق بهما . الرابع : أنها حالٌ من " يداه " وفيه خلافٌ - أعني مجيءَ الحال من المبتدأ - ووجهُ المنعِ أنَّ العامل في الحالِ هو العاملُ في صاحبها ، والعاملُ في صاحبها أمرٌ معنوي لا لفظيٌ وهو الابتداء ، وهذا على أحدِ الأقوال في العاملِ في الابتداء . الخامس : أنها حال من الهاء في " يداه " ولا اعتبارَ بما منعه أبو البقاء لِمَا تقدَّم من تصحيحِ ذلك . و " كيف " في مثلِ هذا التركيبِ شرطيةٌ نحو : " كيف تكون أكون " ومفعولُ المشبه محذوفٌ ، وكذلك جوابُ هذا الشرط أيضاً محذوفٌ مدلولٌ عليه بالفعلِ السابق لـ " كيف " والمعنى : ينفق كما يشاء أن ينفق ينفق ، ويبسطُ في السماء كيف يشاء أن يبسطَه يبسطه ، فحذف مفعول " يشاء " وهو " أَنْ " وما بعدها ، وقد تقدم أن مفعول " يشاء " و " يريد " لا يُذْكران إلا لغرابتهِمها ، وحَذَفَ أيضاً جوابَ " كيف " وهو " ينفق " المتأخرُ " ويبسط " المتأخرُ لدلالة " ينفق ويبسط " الأولين ، وهو نظيرُ قولك : " أقوم إنْ يقم زيد " ، ولا جائزٌ أن يكونَ " ينفق المتقدُم عاملاً في " كيف " لأنَّ لها صدرَ الكلامِ ، ومالَه صدرُ الكلام لا يعمل فيه إلا حرفُ الجر أو المضاف . وقال الحوفي : " كيف " سؤالٌ عن حال ، وهي نصبٌ بـ " يشاء " قال الشيخ " ولا يُعْقَلُ هنا كونُها سؤالاً عن حال " قلت : وقد تقدم الكلام عليها مشبعاً عند قولِه : { يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } [ آل عمران : 6 ] ، وذكرنا عبارةَ الناس فيها . قوله : { مَّآ أُنزِلَ } " ما " هنا موصولةٌ اسمية في محل رفع ، لأنها فاعل بقوله : { وَلَيَزِيدَنَّ } ولا يجوزُ ان تكونَ " ما " مصدريةً ، و " إليك " قائمٌ مقام الفاعل لـ " أُنْزل " ويكون التقديرُ : " وليزيدَنَّ كثيراً الإِنزالُ إليك " لأنه لم يُعْلَمْ نفسُ المُنَزَّل ، والذي يزيدهم إنما هو المُنَزَّل لا نفسُ الإِنزال . وقوله : " منهم " صفةٌ لـ " كثيراً " فيتعلَّقُ بمحذوف و " طغياناً " مفعولٌ ثان لـ " يَزيد " وقوله : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } متعلقٌ بـ " أَلْقينا " ، ويجوز أن يتعلَّق بقوله : " والبغضاء " اي : إنَّ التباغضَ بينهم إلى يوم القيامة ، ولا يجوزُ أن يتعلَّقَ بالعداوةِ لئلا يَلْزَمَ الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه بالأجنبي وهو المعطوفُ ، وعلى هذا فلا يجوزُ أن تكونَ المسألةُ من التنازع ، لأن شرطَه تسلُّطُ كلٍ من العاملين ، والعاملُ الأولُ هنا لو سُلِّط على المتنازع فيه لم يَجُزْ للمحذورِ المذكور . وقد نَقَل بعضُهم أنه يجوز التنازع في فِعْلَي التعجب مع التزامِ إعمالِ الثاني ؛ لأنه لا يُفْصَلِّ بين فعل التعجب ومعمولِه ، وهذا مثلُه ، أي : يُلْتَزَمُ إعمالُ العامل الثاني ، وهو خارج عن قياسِ التنازع ، وتقدَّم لك نظيره . والفرقُ بين العداوة والبغضاء أن العداوة كل شيء مشتهر يكون عنه عملٌ وحرب ، والبغضاء لا تتجاوزُ النفوس ، قال ابن عطية وقال الشيخ : " العداوةُ أخَصُّ من البغضاء لأنَّ كل عدو مُبْغَضٌ ، وقد يُبْغَضُ مَنْ ليس بعدو " . قوله : { لِّلْحَرْبِ } فيه وجهان أحدهما : أنه متعلقٌ بـ " أوقدوا " أي : أوقدوها لأجل الحرب . والثاني : أنه صفة لـ " نارا " فيتعلق بمحذوف ، وهل الإِيقادُ حقيقةٌ أو مجازٌ ؟ قولان . و " أطفأها الله " جواب " كلما " وهو أيضاً حقيقة أو مجاز على حَسَب ما تقدم . وقوله : { فَسَاداً } [ المائدة : 33 ] قد تقدم نظيره ، وأنه يجوز أن يكونَ مصدراً من المعنى ، وحينئذ لك اعتباران ، أحدهما : ردُّ الفعل لمعنى المصدر . والثاني : ردُّ المصدر لمعنى الفعل ، وأن يكون حالاً أي : يَسْعَوْن سَعْيَ فساد ، أو : يفسدون بسعيهم فساداً ، أو : يَسْعَوْن مفسدين ، وأن يكونَ مفعولاً من أجله : أي : يَسْعَوْن لأجل الفساد . والضميرُ في " بينهم " يجوز أن يعود على اليهودِ وحدَهم لأنه فِرَقٌ مختلفةٌ وطوائفُ متشعبةٌ ، وأَنْ يعودَ على اليهود والنصارى لتقدُّم ذكرهم في قولِه تعالى : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ } [ المائدة : 51 ] ، ولا ندراجِ الصنفين في قوله : { قُلْ يَـۤأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ المائدة : 59 ] ، والألفُ واللام في " الأرض " يجوزُ أن تكونَ للجنس وأن تكون للعهد .