Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 71-71)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلاَّ تَكُونَ } : قرأ البصري والأَخَوان برفع النون ، والباقون بنصبها . فَمَنْ رفع فـ " أَنْ " عنده مخففةٌ من الثقيلة ، واسمها ضميرُ الأمرِ والشأنِ محذوفٌ تقديرُه : أنه ، و " لا " نافية ، و " تكون " تامة ، و " فتنةٌ " فاعلها ، والجملةُ خبر " أن " وهي مفسِّرةٌ لضميرِ الأمرِ والشأن ، وعلى هذا فـ " حَسِب " هنا لليقين لا للشكِّ ، ومن مجيئِها لليقين قولُ الشاعر : @ 1780 - حَسِبْتُ التقى والجودَ خيرَ تجارةٍ رَباحاً إذا ما المرءُ أصبحَ ثاقِلاً @@ أي : تيقَّنْتُ لأنه لا يلِيقُ الشكُّ بذك ، وإنما اضطرِرْنا إلى جَعْلِها في الآية الكريمة بمعنى اليقين لأنَّ " أَنْ " المخففةَ لا تقع إلا بعد يقين ، فأمَّا قوله : @ 1781 - أرجو وآمُل أَنْ تدنُو مودتُها وما إخالُ لدينا منكِ تنويلُ @@ فظاهرُه أنها مخففةٌ لعدم إعمالها وقد وقعت بعد " أرجو " و " آمل " وليسا بيقينٍ . والجوابُ من وجهين ، أحدُهما : أنَّ " أَنْ " ناصبة ، وإنما أُهْمِلَتْ حملاً على " ما " المصدرية ، ويَدُلُّ على ذلك انها على ذلك أنها لو كانَتْ مخففةً لفُصِل بينها وبين الجملةِ الفعليةِ بما سنذكره ، ويكون هذا مثلَ قولِ الله تعالى : { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } [ البقرة : 233 ] ، وكقوله : @ 1782 - يا صاحبيَّ فَدَتْ نفسي نفوسَكما وحيثما كنتما لُقِّيتُما رَشَدا أَنْ تَحْمِلا حاجةً لي خَفَّ مَحْمَلُها تستوجبا نعمةً عندي بها ويَدا أَنْ تقرآنِ على أسماءَ ويحكما مني السلامَ وألاَّ تُشْعِرا أحدا @@ فقوله : " أَنْ تقرآن " بدلٌ من " حاجة " وقد أَهْمل " أن " ومثلُه قوله : @ 1783 - إني زعيمٌ يا نُوَيْـ ـقَةُ إن نجوْتِ من الرَّزاحِ ونجوتِ من وَصَبِ العدو و [ من الغدو ] إلى الرَّواحِ أَنْ تهبطين بلادَ قَوْ مٍ يَرْتَعُون من الطِّلاحِ @@ وكيفما قُدِّر فيما ذكرته من الأبيات يلزم أحد شذوذين قد قيل باحتمال كل منهما : إمَّا إهمالُ " أَنْ " وإمَّا وقوع المخففة بعد غير علم ، وعدمُ الفصل بينها وبين الجملة الفعلية . والثاني من وجهي الجواب : أنَّ رجاءه وأملَه قَوِيا حتى قربا من اليقين فأجراهما مُجْراه في ذلك . وأما قول الشاعر : @ 1784 - عَلِموا أَنْ يُؤَمَّلون فجادُوا قبلَ أَنْ يُسْألوا بأعظمِ سُؤْلِ @@ فالظاهرُ أنها المخففة ، وشَذَّ عدمُ الفصلِ ، ويُحتمل أن تكونَ الناصبةَ شَذَّ وقوعُها بعد العلمِ وشَذَّ إهمالُها ، ففي الأولِ شذوذٌ واحدٌ وهو عدم الفصلِ ، وفي الثاني شذوذان : وقوعُ الناصبةِ بعد العلمِ ، وإهمالُها حملاً على " ما " أختِها . وجاء هنا على الواجبِ - عند بعضِهم - أو الأحسنِ - عند آخرين - وهو الفصلُ بين " أَنْ " الخفيفةِ وبين خبرِها إذا كان جملةً فعلية متصرفة غيرَ دعاءٍ ، والفاصلُ : إمَّا نفيٌ كهذه الآية ، / وإمَّا حرفُ تنفيس كقوله تعالى : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } [ المزمل : 20 ] ، ومثلُه : " عَلِمْت أن سوف تقومُ " وإمَّا " قد " كقوله تعالى : { وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } [ المائدة : 113 ] وإمَّا " لو " - وهي غريبة - كقوله : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } [ الجن : 16 ] { أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ } [ سبأ : 14 ] . وتَحرَّزْتُ بالفعلية من الاسمية فإنها لا تحتاج إلى فاصل ، كقولِه تعالى : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] وكقوله : @ 1785 - في فتيةٍ كسيوفِ الهندِ قد عَلِموا أَنْ هالِكٌ كلُّ مَنْ يَخْفَى ويَنْتَعِلُ @@ وبالمصترفةِ من غيرِ المتصرفة فإنه لا تَحْتاج إلى فاصلٍ ، كقوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] { وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ } [ الأعراف : 185 ] ، وبغيرِ دعاءٍ من الواقعةِ دعاءً كقولِه تعالى : { أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ } [ النور : 9 ] في قراءة نافع . ومَنْ نصب " تكونَ " فـ " أَنْ " عنده هي الناصبة للمضارع دخلت على فعل منفي بـ " لا " ، و " لا " لا يمنعُ أن يعملَ ما بعدها فيما قبلها من ناصبٍ ولا جازم ولا جارّ ، فالناصبُ كهذه الآية ، والجازم كقوله تعالى : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 73 ] { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } [ التوبة : 40 ] ، والجارُّ نحو : : جئت بلا زادٍ " . و " حَسِب " هنا على بابها من الظن ، فالناصبة لا تقع بعد علم ، كما أنَّ المخففة لا تقع بعد غيرِه ، وقد شَذَّ وقوعُ الناصبة بعد يقين وهو نصٌّ فيه كقوله : @ 1786 - نَرْضَى عن الناسِ إنَّ الناسَ قد عَلِموا أَنْ لا يدانِيَنا من خَلْقِه بشرُ @@ وليس لقائلٍ أن يقول : العلمُ هنا بمعنى الظن ، إذ لا ضرورةَ تدعو إليه ، والأكثرُ بعد أفعالِ الشكِّ النصبُ بـ " أَنْ " ولذلك أُجْمِع على انصب في قوله تعالى : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } [ العنكبوت : 2 ] ، وأمَّا قولُه تعالى : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ } [ طه : 89 ] فالجمهورُ على الرفع ، لأنه الرؤية تقعُ على العلمِ . والحاصلُ أنه متى وَقَعَتْ بعد علم وَجَبَ أن تكونَ المخففةَ ، وإذا وقعت بعد ما ليس بعلمٍ ولا شك وَجَبَ أَنْ تكونَ الناصبةَ ، وإن وقعت بعد فعلٍ يحتمل اليقين والشك جاز فيها وجهان باعتبارين : إنْ جعلناه يقيناً جعلناها المخففةَ ورفعنا ما بعدها ، وإنْ جعلناه شكّاً جعلناها الناصبةَ ونصبنا ما بعدها ، والايةُ الكريمةُ من هذا الباب ، وكذلك قوله تعالى : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِم } [ طه : 89 ] وقوله : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } [ العنكبوت : 2 ] ، لكن لم يُقرأ في الأولى إلا بالرفع ، ولا في الثاينة إلا بالنصب ، لأن القراءة سنةٌ متبعة . وهذا تحريرٌ العبارة فيها ، وإنما قلت ذلك لأن بعضَهم يقول : يجوزُ فيها بعد أفعال الشك وجهان فيوهمُ هذا أنه يجوزُ فيها أن تكونَ المخففةَ والفعلُ قبلها باقٍ على معناه من الشك ، لكن يريد ما ذكرتُه لك من الصلاحيةِ اللفظيةِ بالاعتبارين المتقدمين ، ولهذا قال الأستاذ الزمخشري : " فإنْ قلت : كيف دخل فعلُ الحسبان على " أَنْ " التي هي للتحقيق " قلت : نَزَّل حسبانَهم لقوته في صدروهم منزلةَ العلم " والسببُ المقتضي لوقوعِ المخففةِ بعد اليقين ، والناصبةِ بعد غيره ، وجوازِ الوجهين فيما تردَّد : ما ذكروه وهو " أَنْ " المخففة تَدُلُّ على ثباتِ الأمرِ واستقرارِه لأنها التوكيدِ كالمشددة ، والعلمُ وبابُه كذلك فناسَبَ أَنْ تُوقِعَها بعد اليقين للملائمةِ بينهما ، ويدلٌّ على ذلك وقوعُها مشددةً بعد اليقين كقوله تعالى : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 25 ] { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 106 ] { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 107 ] إلى غير ذلك ، والنوعُ الذي لا يدلُّ على ثبات واستقرارٍ / تقع بعده الناصبة كقوله تعالى : { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي } [ الشعراء : 82 ] { نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } [ المائدة : 52 ] { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا } [ الكهف : 80 ] { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ } [ المجادلة : 13 ] إلى غير ذلك ، والنوعُ المحتمل للأمرين تقع بعده تارة المخففةُ وتارةً الناصبةُ كما تقدم من الاعتبارين ، وعلى كلا التقديرين أعني كونَها المخففةَ أو الناصبةَ فهي سادَّةٌ مسدَّ المفعولين عند جمهورِ البصريين ، ومسدَّ الأولِ والثاني محذوفٌ عند أبي الحسن ، أي : حَسِبوا عدمَ الفتنةِ كائناً أو حاصلاً . وحكى بعض النحويين أنه ينبغي لِمَنْ رفع أن يَفْصِل " أن " من " لا " في الكتابة ؛ لأنها الهاء المضمرةَ حائلةٌ في المعنى ، ومَنْ نَصَبَ لم يَفْصِل لعدمِ الحائل بينهما . قال أبو عبد الله : " هذا ربما ساغَ في غيرِ المصحفِ ، أمَّا المصحفُ فلم يُرْسَمْ إلى على الاتصال " انتهى . قلت : " وفيه هذه العبارة تجوُّز إذ لفظُ الاتصالِ يُشْعر بأَنْ تُكْتب " أنلا " فتوصلَ " أن " بـ " لا " في الخط ، فينبغي أن يقال : لا تُثْبَتُ لها صورةٌ ، أو تُثْبَتُ لها صورةٌ منفصلة . قوله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } في هذا الكتاب خمسة أوجه ، أحدها : أنَّ الواوَ علامةُ جمع الفاعل ، كما يَلْحق الفعلَ تاءُ التأنيث ليدلَّ على تأنيث الفاعل ، كـ " قامت هند " وهذه اللغة جاريةٌ في المثنى وجمعِ الإِناث أيضاً فيقال : " قاما أخواك ، وقمن أخواتك " كقوله : @ 1787 - … وقد أَسْلَماه مُبْعَدٌ وحَميمٌ @@ وقوله : @ 1788 - ولكنْ دِيافِيٌّ أبوه وأمُّه بِحَوْرانَ يَعْصِرنَ السَّليطَ أقاربُهْ @@ واستدلَّ بعضُهم بقولِه عليه السلام : " " يتعاقبون فيكم ملائكة " ويعبِّر النحاة عن هذه اللغةِ بلغةِ " أكلوني البراغيث " ولكنَّ الأفصحَ ألاَّ تلحقَ الفعلَ علامةٌ ، وفَرَّق النحويون بين لَحاقِه علامةَ التأنيث وعلامةَ التثنية والجمع بأنَّ علامةَ التأنيث ألزمُ ؛ لأن التأنيث في ذاتِ الفاعل بخلاف التثنيةِ والجمعِ فإنه غيرُ لازمٍ . الوجه الثاني : أنَّ الواوَ ضميرٌ عائدٌ على المذكورين العائدِ عليهم واو " حسبوا " و " كثير " بدلٌ من هذا الضمير ، كقولك : " إخوتك قاموا كبيرُهم وصغيرُهم " ونحوه . الوجه الثالث : أن الواو ضمير أيضاً ، و " كثيرٌ " بدلٌ منه ، والفرقُ بين هذا الوجه والذي قبله أن الضمير في الوجهِ الأولِ مفسَّر بما قبلَه وهم بنو إسرائيل ، وأمَّا في هذا الوجه فهو مفسَّر بما بعده ، وهذا أحدُ المواضع التي يُفَسَّر فيها الضميرُ بما بعده ، وهو أن يُبْدَلَ منه ما يفسِّرهُ ، وهي مسألةُ خلاف وقد تقدم تحريرها . الوجه الرابع : أن الضميرَ عائدٌ على مَنْ تقدَّم ، و " كثير " خبر مبتدأ محذوف ، وقَدَّره مكي تقديرين ، أحدهما : قال : " تقديرُه العُمْيُ والصُّمُّ كثير منهم " والثاني : العَمَى والصَّمَمُ كثيرٌ منهم ، ودلَّ على ذلك قوله : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ } فعلى تقديره الأول : يكون " كثير " صادقاً عليهم و " منهم " صفة لـ " كثير " ، وعلى التقدير الثاني يكون " كثير " صادقاً على العَمَى والصَّمَمِ لا عليهم ، و " منهم " صفةٌ له بمعنى أنه صادر منهم ، وهذا الثاني غيرُ ظاهرٍ . وقدَّره الزمخشري فقال : " أولئك كثير منهم " الوجه الخامس : أنَّ " كثير " مبتدأٌ والجملةُ الفعلية قبله خبرٌ ، ولا يُقال : إنَّ الفعلَ متى وقع خبراً وجَبَ تأخيرُه لأنَّ ذلك مشروطٌ بكونِ الفاعل مستتراً نحو : " زيدٌ قام " لأنه لو قُدِّم فقيل : قام زيدٌ لألبس بالفاعل ، فإنْ قيل : وهذا أيضاً يُلْبس بالفاعل في لغة " أكلوني البراغيث " فالجواب أنها لغةٌ ضعيفةٌ لا نبالي بها . وضَعَّفَ أبو البقاء هذا الوجه بمعنى آخرَ فقال : " لأنَّ الفعلَ قد وَقَع في موضِعِه فلا يُنْوَى به غيرُه " وفيه نظرٌ لأنَّا لا نُسَلِّم أنه وَقَع موقعَه ، وإنما كان واقعاً موقعَه لو كان مجرداً من علامةٍ . ومثلُ هذه الآية أيضاً قولُه تعالى : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الأنبيا : 3 ] . والجمهورُ على " عَمُوا وَصمُّوا " بفتح العين والصاد ، والأصل : عَمِيُوا وصَمِمُوا كشَرِبُوا ، فأُعِلَّ الأولُ بالحذفِ ، والثاني : بالإِدغام . وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي بضم العين والصاد وتخفيف الميم من " عَمُوا " قال الزمخشري : " على تقدير / عماهم الله وصَمَّهم أي : رماهم وضربهم بالعَمَى والصَّمم ، كما يقال : نَزَكْتُه إذا ضربته بالنَّيْزَك وَركَبْتُه إذا ضربته بركبتِك " ولم يَعْترض عليه الشيخ ، وكان قد قال قبل ذلك بعد أَنْ حكى القراءة : " جَرَتْ مَجْرى زُكِم الرجلُ وأَزْكَمَه الله ، وحُمَّ وأَحَمَّه الله ، ولا يقال : زَكَمه الله ولا حمَّه ، كما لا يقال : عَمَيْتُه ولا صَمَمْته ، وهي أفعالٌ جاءت مبنيةً للمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعلُه وهي متعدِّيةٌ ثلاثية ، فإذا بُنيت للفاعلِ صارَتْ قاصرة فإذا أَرَدْتَ بناءَها للفاعلِ متعديةً أَدْخَلْتَ همزة النقل ، وهي نوع غريب في الأفعال " انتهى . فقوله : " كما لا يُقال عَمَيْتُه ولا صَمَمْتُه " يقتضي أن الثلاثي منها لا يتعدَّى ، والزمخشري قد قال على تقدير : " عَماهُم الله وصَمَّهم " فاستعمل ثلاثِيَّةُ متعدياً ، فإن كان ما قاله الشيخ صحيحاً فينبغي أن يكونَ كلام أبي القاسم فاسداً أو بالعكس . وقرأ ابن أبي عبلة " كثيراً " نصباً على أنه نعت لمصدر محذوف ، وتقدم غيرَ مرة أنه عند سيبويه حالٌ . وقال مكي : " ولو نَصَبْتَ " كثيراً " في الكلام لجازَ أن تجعلَه نعتاً لمصدر محذوف ، أي : عمًى وصمماً كثيراً " قلت : كأنه لم يطَّلِعْ عليها قراءةً ، أو لم تَصِحَّ عنده لشذوذها . وقوله : { فَعَمُواْ } عطفَه بالفاء وقوله : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ } عطفه بـ " ثم " ، وهو معنى حسن ، وذلك أنهم عَقِيبَ الحسبانِ حَصَل لهم العَمَى والصَّمَمُ مِنْ غير تراخٍ ، وأسند الفعلين إليهم ، بخلافِ قولِه : { فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 23 ] لأنَّ هذا فيمن لم يَسْبِقْ له هدايةٌ ، وأسند الفعل الحسنَ لنفسِه في قوله : { ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وعطف قوله : { ثُمَّ عَمُواْ } بحرفِ التراخي دلالةً على أنهم تمادَوا في الضلالِ إلى وقت التوبة .