Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 20-20)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَنَاةَ } : قرأ ابن كثير " مَناءَة " بهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الألف ، والباقون بألفٍ وحدَها ، وهي صخرةٌ كانت تُعْبَدُ من دونِ اللَّه . فأمَّا قراءةُ ابنِ كثير فاشتقاقُها من النَّوْء ، وهو المطرُ لأنهم يَسْتَمطرون عندها الأَنْواء ، ووزنُها حينئذٍ مَفْعَلَة فألفُها عن واوٍ ، وهمزتُها أصليةٌ ، وميمُها زائدةٌ . وأنشدوا على ذلك : @ 4130ـ ألا هل أَتَى تَيْمَ بنَ عبدِ مَناءة علَى النَّأْيِ فيما بيننا ابنُ تميمِ @@ وقد أَنْكر أبو عبيد قراءةَ ابن كثير ، وقال : " لم أسمع الهمز " . قلت : قد سمعه غيرُه ، والبيتُ حُجَّةٌ عليه . وأمَّا قراءةُ العامَّة فاشتقاقُها مِنْ مَنى يَمْني أي : صبَّ ؛ لأن دماءَ النَّسائِكِ كانت تُصَبُّ عندها ، وأنشدوا لجرير : @ 4131ـ أزيدَ مَناةَ تُوْعِدُ يا بنَ تَيْمٍ تَأَمَّلْ أين تاهَ بك الوعيدُ @@ وقال أبو البقاء : " وألفه من ياءٍ لقولِك : مَنَى يَمْني إذا قدَّر ، ويجوز أَنْ تكونَ من الواو ، ومنه مَنَوان " فوزْنُها على قراءة القصر فَعْلة . " والأُخْرى " صفةٌ لمَناة . قال أبو البقاء : " والأُخْرى توكيدٌ ؛ لأنَّ الثالثةَ لا تكونُ إلاَّ أُخرَى " . وقال الزمخشري : " والأُخْرى ذَمٌ وهي المتأخرةُ الوضيعةُ المقدارِ ، كقولِه : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } [ الأعراف : 38 ] أي : وُضَعاؤُهم لأَشْرافِهم ، ويجوزُ أَنْ تكونَ الأَوَّليةُ والتقدمُ عندهم لِلاَّت والعُزَّى " . انتهى . وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ الأخرى إنما تدلُّ على الغَيْرِيَّة وليس فيها تَعَرُّضٌ لمَدْح ولا ذَمٍّ ، فإن جاء شيءٌ مِنْ هذا فلقرينةٍ خارجيةٍ . وقيل : الأُخْرى صفةٌّ للعُزَّى ؛ لأنَّ الثانيةَ أُخْرى بالنسبة إلى الأُوْلى . وقال الحسين ابن الفضل : " فيه تقديمٌ وتأخيرٌ " أي : العُزَّى الأخرى ومناةَ الثالثة ، ولا حاجةَ إلى ذلك لأنَّ الأصلَ عدمُه . و " أرأيت " بمعنى أَخْبِرْني فيتعدَّى لاثنين ، أوَّلُهما : " اللات وما عُطِف عليها . والثاني : الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه : " أَلكُمُ الذَّكَرَ " فإنْ قيل : لم يَعُدْ من هذه الجملةِ ضميرٌ على المفعول الأولِ . فالجوابُ : أنَّ قولَه : " وله الأنثى " في قوةِ " وله هذه الأصنامُ " وإن كان أصلُ التركيبِ : ألكم الذَّكَر وله هُنَّ ، أي : تلك الأصنامُ ، وإنما أُوْثِرَ هذا الاسمُ الظاهرُ لوقوعِه رَأْسَ فاصلةٍ . / وقد جَعَلَ الزجَّاجُ المفعولَ الثاني محذوفاً فإنَّه قال : " وجهُ تَلْفيقِ هذه الآيةِ مع ما قبلَها فيقول : أَخْبِروني عن آلهتِكم هل لها شيءٌ من القدرةِ والعظمة التي وُصِفَ بها ربُّ العزَّةُ في الآي السالفة " انتهى . فعلى هذا يكونُ قولُه : " ألكم الذَّكَرُ " متعلقاً بما قبلَه من حيث المعنى ، لا من حيث الإِعرابُ . وجَعَل ابنُ عطية الرؤية هنا بَصَريةً فقال : " وهي من رؤيةِ العين ؛ لأنَّه أحال على أَجْرام مرئيةٍ ، ولو كانَتْ " أَرَأَيْتَ " التي هي استفتاءٌ لم تَتَعَدَّ " وهذا كلامٌ مُثْبَجٌ ، وقد تقدَّم لك الكلامُ عليها مُشْبَعاً في الأنعام وغيرها .