Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 7-8)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { خُشَّعاً } : قرأ أبو عمر والأخَوان " خاشِعاً " وباقي السبعة " خُشَّعاً " . فالقراءةُ الأولى جاريةٌ على اللغةِ الفُصْحى مِنْ حيث إن الفعلَ وما جرى مَجْراه إذا قُدِّمَ على الفاعلِ وُحِّد . تقول : تَخْشَع أبصارُهم ولا تقولُ : تَخْشَعْن أبصارُهم ، وأنشد قولَ الشاعر : @ 4149ـ وشَبابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ مِنْ إيادِ بنِ نزارِ بنِ مَعَدّْ @@ وقال آخر : @ 4150ـ يَرْمي الفِجاجَ بها الرُّكبانُ معْتَرِضاً أعناقَ بُزَّلِها مُرْخى لها الجُدُلُ @@ وأمَّا الثانيةُ فجاءَتْ على لغة طَيِّىء يقولون : أكلوني البراغيث . وقد تقدَّم القولُ في هذا مشبعاً في المائدة والأنبياء . ومثلُه قولُ الآخر : @ 4151ـ بمُطَّرِدٍ لَدْنٍ صِحاح كُعُوبُه وذي رَوْنَقٍ عَضْبٍ يَقُدُّ القَوانِسا @@ وقيل : وجمعُ التكسير في اللغة في مثل هذا أكثرُ من الإِفراد . وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله " خاشعةً " على تَخْشَعُ هي . وقال الزمخشري : " وخُشَّعاً على : تخشَعْن أبصارهم ، وهي لغةُ مَنْ يقول : أكلوني البراغيث وهم طيىء " ، قال الشيخ : " ولا يَجْري جمعُ التكسيرِ مَجْرى جمعِ السلامةِ ، فيكون على تلك اللغةِ النادرِ القليلةِ . وقد نَصَّ سيبويه على أنَّ جمعَ التكسيرِ في كلام العربِ أكثرُ ، فكيف يكونُ أكثرَ ، ويكون على تلك اللغةِ النادرةِ القليلة ؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإِفراد مذكراً ومؤنثاً وجمعَ التكسيرِ ، قال : " لأنَّ الصفةَ متى تَقَدَّمَتْ على الجماعة جاز فيها جميعُ ذلك ، والجمعُ موافِقٌ لِلَفْظِها فكان أشبهَ " قال الشيخ : " وإنما يُخَرَّجُ على تلك اللغةِ إذا كان الجمعُ جَمْعَ سلامةٍ نحو : " مَرَرْتُ بقومٍ كريمين آباؤُهم " والزمخشريُّ قاسَ جَمْعَ التكسيرِ على جَمْعِ السلامةِ وهو قياسٌ فاسدٌ يَرُدُّه النَّقْلُ عن العربِ : أنَّ جَمْعَ التكسيرِ أجودُ من الإِفرادِ ، كما ذكره سيبويهِ ، ودَلَّ عليه كلامُ الفراء " . قلت : قد خَرَّج الناسُ قولَ امرىء القيس : @ 4152ـ وُقوفاً بها صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ يقولون : لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ @@ على أنَّ " صحبي " فاعل بـ " وقوفاً " وهو جمعُ واقِف في أحدِ القولين في " وقوفاً " . وفي انتصابِ خاشعاً وخُشَّعاً وخاشعةً أوجهٌ ، أحدُها : أنه مفعولٌ به وناصبُه " يَدْعُ الداعِ " وهو في الحقيقةِ لموصوفٍ محذوفٍ تقديرهُ : فريقاً خاشعاً ، أو فوجاً خاشعاً . والثاني : أنه حالٌ مِنْ فاعل " يَخْرُجون " المتأخرِ عنه . ولَمَّا كان العاملُ متصرِّفاً جاز تقدُّمُ الحالِ عليه ، وهو رَدٌّ على الجرميِّ حيث زعم أنه لا يجوزُ . ورُدَّ عليه أيضاً بقول العرب : " شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَة " ، فـ " شتى " حالٌ من " الحلَبَة " وقال الشاعر : @ 4153ـ سَريعاً يهون الصَّعْبُ عند أُولي النُّهى إذا برجاءٍ صادقٍ قابلوا البأسا @@ الثالث : أنه حالٌ من الضمير في " عنهم " ولم يذكر / مكيٌّ غيره . الرابع : أنه حالٌ مِنْ مفعولَ " يَدْعُو " المحذوفِ تقديره : يومَ يَدْعوهم الداعي خُشَّعاً ، فالعامل فيها " يَدْعو " ، قاله أبو البقاء . وهو تكلُّفُ ما لا حاجةَ إليه . وارتفع " أبصارهم " على وجهين : إمَّا الفاعلية بالصفةِ قبلَه وهو الظاهرُ ، وإمَّا على البدلِ من الضمير المستتر في " خُشَّعاً " لأنَّ التقديرَ : خُشَّعاً هم . وهذا إنما يتأتَّى على قراءةِ " خُشَّعاً " فقط . وقرِىء " خُشَّعٌ أبصارهم " على أنَّ خشعاً خبرٌ مقدمٌ و " أبصارُهُمْ " مبتدأ . والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ وفيه الخلافُ المذكورُ مِنْ قبلُ كقوله : @ 4154ـ … وَجَدْتُه حاضِراه الجودُ والكرمُ @@ قوله : { يَخْرُجُونَ } يجوزُ أنْ يكونَ حالاً من الضمير في " أبصارُهم " ، وأنْ يكونَ مستأنفاً . والأَجْداث : القبورُ . وقد تقَدَّم ذكرُه في سورةِ يس . قوله : { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً مِنْ فاعلِ " يَخْرُجون " أو مستأنفةً . و " مُهْطِعين " حالٌ أيضاً مِنْ اسم كان أو مِنْ فاعلِ " يَخْرُجون " عند مَنْ يرى تعدُّدَ الحال . قال أبو البقاء : " ومُهْطِعين حالٌ من الضميرِ في " مُنْتَشِرٌ " عند قوم . وهو بعيدٌ ؛ لأنَّ الضميرَ في " مُنتشِر " للجراد ، وإنما هو حالٌ مِنْ فاعل " يَخْرُجون " أو من الضمير المحذوف " انتهى . وهو اعتراضٌ حسنٌ على هذا القول . والإِهْطاعُ : الإِسراعُ وأُنْشِد : @ 4155ـ بدِجلَةَ دارُهُمْ ولقد أَرَاهُمْ بدِجْلةَ مُهْطِعين إلى السَّماع @@ وقيل : الإِسراعُ مع مَدِّ العُنُق . وقيل : النظر . وأنشد : @ 4156ـ تَعَبَّدَني نِمْرُ بنُ سَعْدٍ وقد أُرَى ونِمْرُ بنُ سَعْدٍ لي مُطيعٌ ومُهْطِعُ @@ وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في سورة إبراهيم . قوله : { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ } قال أبو البقاء : " حالٌ من الضمير في " مُهْطعين " . وفيه نظرٌ من حيث خلوُّ الجملةِ مِنْ رابطٍ يَرْبُطُها بذي الحال . وقد يُجابُ عنه : بأنَّ " الكافرون " هم الضميرُ في المعنى ، فيكونُ من باب الربطِ بالاسمِ الظاهر عند مَنْ يرى ذلك ، كأنه قيل : يقولون هذا . وإنما أَبْرزهم تشنيعاً عليهم بهذه الصفةِ القبيحةِ .