Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 10-10)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَلاَّ تُنفِقُواْ } كقوله { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ } [ البقرة : 246 ] فالأصلُ : في أن لا تُنْفِقُوا ، فلمَّا حُذِف حرفُ الجرِّ جَرى الخلافُ المشهورُ . وأبو الحسن يرى زيادتَها كما تقدَّم تقريرُه في البقرة . قوله : { وَللَّهِ مِيرَاثُ } جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل الاستقرار ومفعولِه ، أي : وأيُّ شيءٍ يمنعُكم من الإِنفاقِ في سبيلِ اللهِ والحالُ أنَّ ميراثَ السماواتِ والأرضِ له ، فهذه حالٌ منافيةٌ لبُخْلِكم . قوله : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَق } في فاعل " يَسْتوي " وجهان ، أظهرُهما : أنه مِنْ أَنْفَق ، وعلى هذا فلا بُدَّ مِنْ حذفِ معطوفٍ يتمُّ به الكلامُ ، فقدَّره الزمخشري : " لا يَسْتوي منكم مَنْ أنفقَ قبلَ فتحِ مكةَ وقوةِ الإِسلام ومَنْ أنفق مِنْ بعدِ الفتح ، فَحَذَفَ لوضوحِ الدلالة " وقَدَّره أبو البقاء " ومَنْ لم يُنْفِق " قال : " ودلَّ على المحذوفِ قولُه : { مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ } والأول أحسنُ لأنَّ السِّيَاقَ إنما جيء بالآية ليُفرِّق بين المُنْفِقين في زمانَيْنِ . والثاني : أنَّ فاعلَه ضميرٌ يعود على الإِنفاقِ ، أي : لا يَسْتوي جنسُ الإِنفاقِ إذ منه ما وَقَعَ قبل الفتح ، ومنه ما وَقَعَ بعدَه ، فهذان النوعان متفاوتان . وعلى هذا فتكون " مَنْ " مبتدأ و " أولئك " مبتدأٌ ثانٍ و " أَعظَمُ " خبرُه ، والجملةُ خبرُ " مَنْ " وهذا ينبغي أن لا يجوزَ البتةَ ، وكأنَّ هذا المُعْرِبَ غَفَل عن قولِه : " منكم " ولو أعربَ هذا القائلُ " منكم " خبراً مقدماً ، و " مَنْ " مبتدأ مؤخراً . والتقدير : مِنْكم مَنْ أنفق من قبلِ الفتحِ ، ومنكم مَنْ لم يُنْفِقْ قبلَه ولم يقاتِلْ ، وحُذِف هذا لدلالةِ الكلامِ عليه لكان سديداً ، ولكنه سها عن لفظةِ " منكم " . قوله : { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } قراءةُ العامَّةِ بالنصبِ على أنه مفعولُ مقدمٌ ، وهي مرسومةٌ في مصاحفِهم " وكلاً " بألفٍ ، وابنُ عامر برفعِه ، وفيه وجهان ، أظهرُهما : أنه ارتفعَ على الابتداءِ ، والجملة بعدَه خبرٌ ، والعائدُ محذوفٌ ، أي : وعده اللهُ . ومثلُه : @ 4231ـ قد أصبحَتْ أمُّ الخِيار تَدَّعِي عليَّ ذَنْباً كلُّه لم أَصْنَعِ @@ برفع " كلُّه " ، أي : لم أَصْنَعْه . والبصريُّون لا يُجيزون هذا إلاَّ في شعرٍ كقولِه : @ 4232ـ وخالِدٌ يَحْمَدُ ساداتُنا بالحقِّ لا يُحْمَدُ بالباطلِ @@ وقد نقل ابن مالك الإِجماعَ من البصريين والكوفيين على جواز ذلك إنْ كان المبتدأ " كلاً " أو ما أشبهَها في الافتقار والعمومِ ، وهذا لم أَرَه لغيره . وقد تقدَّم نحوٌ مِنْ ذلك في سورة المائدةِ عند قولِه : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [ المائدة : 50 ] ولم يُرْوَ قولُه : " كلُّه لم أصنَع " إلاَّ بالرفعِ مع إمكانِ أَنْ ينصبَه فيقول : " كلَّه لم أصنعِ " مفعولاً مقدَّماً . قال أهل البيان : لأنه قصد عمومَ السلبِ لا سَلْبَ العمومِ ، فإن الأولَ أبلغُ ، وجعلوا من ذلك قولَه عليه السلام : " كل ذلك لم يكنْ " ولو قال : " لم يكن كلُّ ذلك " لكان سَلْباً للعُموم ، والمقصودُ عمومُ السَّلْب . والثاني : أن يكونَ " كل " خبَر مبتدأ محذوفٍ ، و { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } صفةٌ لما قبله ، والعائدُ محذوف ، أي : وأولئك كلٌّ وعدَه اللهُ الحسنى . فإن قيل : الحذفُ موجودٌ أيضاً وقد عُدْتم لِما فرَرْتُمْ منه . فالجوابُ : أنَّ حَذْفَ العائدِ من الصفة كثيرٌ بخلاف حَذْفِه من الخبرِ . ومِنْ حَذْفِه من الصفة قولُه : @ 4233ـ وما أَدْري أغَيَّرهم تَناءٍ وطولُ العَهْدِ أم مالٌ أصابوا @@ أي أصابوه ، ومثله كثيرٌ . وهي في مصاحفِ الشامِ مرسومةٌ " وكلٌّ " بدون ألف ، فقد وافق كلٌّ مصحفَه . و " الحُسْنى " مفعولٌ ثانٍ ، والأولُ محذوفٌ على قراءةِ الرفعِ ، وأمَّا النصبُ فالأولُ مقدَّمٌ / على عامِله .