Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 27-27)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱلإِنجِيلَ } : قد تقدَّم أنَّ الحسنَ قرأه بفتح الهمزة في أول آل عمران . قال الزمخشري : " أَمْرُه أهونُ / مِنْ أَمْرِ البِرْطيل والسِّكِّين فيمن رَواهما بفتح الفاء لأنَّ الكلمةَ أعجمية لا يلزَمُ فيها حِفْظُ أبنية العرب " . وقال أبو الفتح : " هو مثالٌ لا نظيرَ له " . قوله : { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } في انتصابِها وجهان ، أحدهما : أنها معطوفةٌ على " رأْفَةً ورحمةً " . و " جَعَلَ " إمَّا بمعنى خَلق أو بمعنى صيَّر ، و " ابْتدعوها " على هذا صفةٌ لـ " رَهْبانية " وإنما خُصَّتْ بذِكر الابتداعِ لأنَّ الرأَفةَ والرحمةَ في القلب أمرُ غريزةٍ لا تَكَسُّبَ للإِنسانِ فيها بخلافِ الرهبانية فإنها أفعالُ البدن ، وللإِنسانِ فيها تكسُّبٌ . إلاَّ أنَّ أبا البقاء منعَ هذا الوجهَ بأنَّ ما جعله اللَّهُ لا يَبْتدعونه . وجوابُه ما تَقَدَّم : مِنْ أنَّه لَمَّا كانت مكتسبةً صَحَّ ذلك فيها . وقال أيضاً : " وقيل : هو معطوفٌ عليها ، وابتدعوها نعتٌ له . والمعنى : فَرَضَ عليهم لزومَ رهبانيةٍ ابتدعوها ، ولهذا قال : { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } . والوجه الثاني : أنه منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره الظاهرُ وتكون المسألةُ من الاشتغالِ . وإليه نحا الفارسيُّ والزمخشريُّ وأبو البقاء وجماعةٌ إلاَّ أنَّ هذا يقولون إنه إعرابُ المعتزلة ؛ وذلك أنَّهم يقولون : ما كانَ مِنْ فِعْلِ الإِنسانِ فهو مخلوقٌ له ، فالرحمةُ والرأفة لَمَّا كانتْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى نَسَبَ خَلْقَهما إليه . والرَّهْبانِيَّة لَمَّا لم تكنْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى بل مِنْ فعل العبدِ يَسْتَقِلُّ بفعلِها نَسَب ابتداعَها إليه ، وللردِّ عليهم موضعٌ آخرُ هو أليقُ به من هذا الموضعِ ، وسأبِّينُه إنْ شاء الله في " الأحكام " . ورَدَّ الشيخُ عليهم هذا الإِعرابَ من حيث الصناعةُ وذلك أنَّه مِنْ حَقِّ اسمِ المُشْتَغَلِ عنه أن يَصْلُح للرفع بالابتداءِ و " رهبانيةً " نكرةٌ لا مُسَوِّغ للابتداء بها ، فلا يصلُحُ نصبُها على الاشتغال . وفيه نظرٌ ؛ لأنَّا لا نُسَلِّمُ أولاً اشتراطَ ذلك ، ويَدُلُّ عليه قراءةُ مَنْ قرأ " سورةً أنزَلْناها " بالنصب على الاشتغالِ كما قَدَّمْتُ تحقيقه في موضعه . ولئِنْ سَلَّمْنا ذلك فثَمَّ مُسَوِّغٌ وهو العطفُ . ومِنْ ذلك قولُه : @ 4235ـ عندي اصْطِبارٌ وشكْوى عند قاتلتي فهل بأعجبَ مِنْ هذا امرؤٌ سَمِعا @@ وقوله : @ 4236ـ تَعَشَّى ونجمٌ قد أضاء فَمُذْ بدا مُحَيَّاكَ أَخْفَى ضوْءُه كلَّ شارقِ @@ ذكر ذلك الشيخُ جمال الدين بن مالك . و قرأ الحسن " رَآفة " بزنة فَعالة . والرَّهْبانيةُ منسوبةٌ إلى الرَهْبان فهو فَعْلان مِنْ رَهِب كقولِهم : " الخَشْيان " مِنْ خَشِي . وقد تقدَّم معنى هذه المادةِ في المائدة مستوفى وقُرِىء بضمِّ الراء . قال الزمخشري : " كأنَّها نِسْبةُ إلى الرُّهْبان وهو جمعُ راهبٍ كراكبِ ورُكْبان " . قال الشيخ : " والأَوْلَى أََنْ يكونَ منسوباً إلى رَهْبان يعني بالفتح وغُيِّر ؛ لأنَّ النسبَ بابُ تغيير ، ولو كان منسوباً لرُهبان الجمع لرُدَّ إلى مفردِه ، إلاَّ إنْ كان قد صار كالعَلَم فإنه يُنْسَبُ إليه كالأَنْصار " . قوله : { مَا كَتَبْنَاهَا } صفةٌ لـ " رَهْبانيةً " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ استئناف إخبارٍ بذلك . قوله : { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } فيه أوجه ، أحدها : أنه استثناء متصلٌ ممَّا هو مفعولٌ من أجلِه . والمعنى : ما كَتَبْناها عليهم لشيءٍ من الأشياءِ إلاَّ لابتغاءِ مَرْضاتِ اللَّهِ ، ويكون " كتب " بمعنى قضى ، فصار : كَتَبْناها عليهم ابتغاءَ مرضاةِ اللَّهِ ، وهذا قولُ مجاهد . والثاني : أنه منقطعٌ . قال الزمخشري : ولم يذكُرْ غيرَه ـ ، أي : ولكنهم ابْتَدعوها . وإلى هذا ذهبَ قتادةُ وجماعةٌ ، قالوا : معناه لم يَفْرِضْها عليهم ولكنهم ابتدعوها . الثالث : أنه بدلٌ من الضميرِ المنصوبِ في " كَتَبْنَاها " قاله مكيُّ وهو مُشْكِلٌ : كيف يكونُ بدلاً ، وليس هو الأولَ ولا بعضَه ولا مشتملاً عليه ؟ وقد يُقال : إنه بدلُ اشتمالٍ ، لأن الرهبانيةَ الخالصةَ المَرْعِيَّةَ حَقَّ الرِّعاية قد يكون فيها ابتغاءَ رضوانِ اللَّهِ ، ويصير نظيرَ قولِك " الجاريةُ ما أحببتها إلاَّ أدبَها " فإلاَّ أدبَها بدلٌ من الضمير في " أَحْبَبْتُها " بدلُ اشتمالٍ ، وهذا نهايةُ التمحُّلِ لصحةِ هذا القولِ واللَّهُ أعلمُ . والضميرُ المرفوعُ في " رَعَوْها " عائدٌ على مَنْ تَقَدَّمَ . والمعنى : أنهم لم يَدُوموا كلُّهم على رعايتها ، وإنْ كان وُجِدَ هذا في بعضِهم . وقيل : يعودُ على الملوكِ الذين حاربوهم . وقيل : على أحلافِهِم . و " حَقَّ " نصبٌ على المصدر .