Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 136-136)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ للَّهِ } : " جعل " هنا بمعنى صيَّر فيتعدى لاثنين أوَّلُهما قوله " نصيباً " ، والثاني قوله " لله " ، و " ممَّا ذَرَأ " يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف لأنه كان في الأصل صفة لـ " نصيباً " فلما قُدِّم عليه انتصب حالاً ، والتقدير : وجعلوا نصيباً ممَّا ذَرَأ لله ، و " من الحَرْث " يجوز أن يكون بدلاً مِنْ " ممَّا ذرأ " بإعادة العامل كأنه قيل : وجعلوا لله من الحرث والأنعام نصيباً . ويجوز أن يتعلق بـ " ذرأ " ، وأن يتعلَّق بمحذوف على أنه حال : إمَّا من ما الموصولة أو من عائدها المحذوف ، وفي الكلام حذفُ مفعول اقتضاه التقسيم والتقدير : وجعلوا لله نصيباً من كذا ولشركائهم نصيباً منه ، يدلُّ عليه ما بعده مِنْ قوله : { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا } و " هذا لله " جملةٌ منصوبةُ المحل بالقول ، وكذلك قوله " وهذا لشركائنا " . وقوله : { بِزَعْمِهِمْ } فيه وجهان أحدهما : أن يتعلَّق بـ " قالوا " أي : فقالوا ذلك القولَ بزعم لا بيقين واستبصار . وقيل : هو متعلِّق بما تعلَّق به الاستقرار من قوله " لله " . وقرأ العامة بفتح الزاي من " زَعمهم " في الموضعين ، وهذه لغة الحداز وهي الفصحى . وقرأ الكسائي " بزُعمهم " بالضم / وهو لغة بني أسد ، وهل الفتح والضم بمعنى واحد ، أو المفتوح مصدر والمضموم ا سم ؟ خلاف مشهور . وقرأ ابن أبي عبلة " بزَعَمهم " بفتح الزاي والعين . وفيه لغة رابعة لبعض قيس وبني تميم وهي كسر الزاي ، ولم يُقْرأ بهذه اللغة فيما علمت . وقد تقدم تحقيق الزعم . وقوله { لِشُرَكَآئِنَا } يجوز فيه وجهان أحدهما : أن الشركاء من الشرك ، ويعنون بهم آلهتهم التي أشركوا بينها وبين الباري تعالى في العبادة ، وليست الإِضافة إلى فاعل ولا إلى مفعول ، بل هي إضافة تخصيص والمعنى : الشركاء الذين أشركوا بينهم وبين الله في العبادة . والثاني : أن الشركاء من الشركة ، ومعنى كونهم سَمُّوا آلهتهم شركاءهم أنهم جعلوهم شركاء في أموالهم وزروعهم وأنعامهم ومتاجرهم وغير ذلك ، فتكون الإِضافة إضافةً لفظيةً : إمَّا إلى المفعول أي : شركائنا الذين شاركونا في أموالنا ، وإمَّا إلى الفاعل أي : الذين أشركناهم في أموالنا . وقوله : { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } قد تقدم نظيرها غير مرة ، وقد أعربها الحوفي هنا فقال : " ما " بمعنى الذي والتقدير : ساء الذي يحكمون حكمُهم فيكون " حكمُهم " مبتدأ وما قبله الخبر وحُذِف لدلالة " يحكمون " عليه ، ويجوز أن تكون " ما " تمييزاً على مذهب مَنْ يجيز ذلك في " بئسما " فتكون في موضع نصب ، التقدير : ساء حكماً حكمهم ، ولا يكون " يحكمون " صفة لـ " ما " لأن الغرض الإِبهام ، ولكنْ في الكلام حذفٌ يدل عليه " ما " والتقدير : ساء ما ما يحكمون ، فحذف " ما " الثانية " قلت : و " ما " هذه إن كانت موصولة فمذهب البصريين أنَّ حَذْفَ الموصول لا يجوز ، وقد عرف ذلك ، وإن كانت نكرة موصوفة ففيه نظر ، لأنه لم يُعْهَدْ حَذْفُ " ما " نكرةً موصوفة . وقال ابن عطية : " وما " في موضع رفع كأنه قال : ساء الذي يحكمون ، ولا يتجه عندي أن تجري " ساء " هنا مجرى نِعْم وبئس ؛ لأن المفسَّر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النحاة ، وإنما اتجه أن يجري مجرى بئس في قوله { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ } [ الأعراف : 177 ] لأن المفسَّر ظاهر في الكلام " . قال الشيخ : " وهذا كلامُ مَنْ لم ترسخ قدمه في العربية بل شدا فيها شيئاً يسيراً ؛ لأنها إذا جرت " ساء " مجرى بئس كان حكمها كحكمها سواء لا يختلف في شيء البتة مِنْ فاعل ظاهر أو مضمر وتمييز ، ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح أو الذم والتمييز بها لدلالة الكلام عليه . فقوله " لأن المفسَّر هنا مضمرٌ ولا بد من إظهاره باتفاق " قوله ساقط ، ودعواه الاتفاق على ذلك مع أن الاتفاق على خلافه عجب عُجاب " .