Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-145)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مُحَرَّماً } : منصوبٌ بقوله " لا أَجِدُ " وهو صفة لموصوف محذوف حُذِفَ لدلالة قوله على " طاعم يَطْعَمُه " والتقدير : لا أجد طعاماً محرَّماً . و " على طاعم " متعلق بمحرَّماً و " يَطْعَمُه " في محل جرّ صفةً لطاعم . وقرأ الباقر ونقلها مكي عن أبي جعفر " يَطَّعِمُه " بتشديد الطاء وأصلها يَطْتَعِمه افتعالاً من الطعم ، فأبدلت التاء طاء لوقوعها بعد طاء للتقارب فوجب الإِدغام . وقرأت عائشة ومحمد بن الحنفية وأصحاب عبد الله بن مسعود " تَطَعَّمه " بالتاء من فوق وتشديد العين فعلاً ماضياً . قوله { إِلاَّ أَن يَكُونَ } منصوبٌ على الاستثناء وفيه وجهان ، أحدهما : أنه متصل قال أبو البقاء : " استثناء من الجنس ، وموضعه نصب ، أي : لا أجد مُحَرَّماً إلا الميتة " والثاني : أنه منقطع ، قال مكي : " وأن يكون في موضع نصب على الاستثناء المنقطع " . وقال الشيخ : " وإلا أن يكون " استثناء منقطع لأنه كون وما قبله عين ، ويجوز أن يكون موضعه نصباً بدلاً على لغة تميم ونصباً على الاستثناء على لغة الحجاز " يعني أن الاستثناء / المنقطع فيه لغتان إحداهما لغة الحجاز وهو وجوبُ النصبِ مطلقاً ، ولغة التميميين يجعلونه كالمتصل ، فإن كان في الكلام نفي أو شبهه رُجِّح البدلُ ، وهنا الكلام نفي فيترجَّح نصبُه عند التميميين على البدل دون النصب على الاستثناء فنصبُه من وجهين ، وأمَّا الحجاز فنصبُه عندهم مِنْ وجهٍ واحد ، وظاهر كلام أبي القاسم الزمخشري أنه متصل فإنه قال : " محرماً أي : طعاماً محرماً من المطاعم التي حَرَّمتموها ، إلا أن يكون ميتة " إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة " وقرأ ابن عامر في رواية : " أوحَى " بفتح الهمزة والحاء مبنياً للفاعل . وقوله تعالى : { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ } وقوله " نَبِّئوني " ، وقوله أيضاً " آلذكرين " ثانياً وقوله " أم كنتم شهداء " جمل اعتراضٍ بين المعدودات التي وقعَتْ تفصيلاً لثمانية أزواج . قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف فصل بين المعدود وبين بعضه ولم يُوالِ بينه ؟ قلت : قد وقع الفاصل بينهما اعتراضاً غيرَ أجنبي من المعدود ، وذلك أن الله عز وجل مَنَّ على عباده بإنشاء الإِنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم ، فاعترض بالاحتجاج على مَنْ حرَّمها ، والاحتجاج على مَنْ حرَّمها تأكيد وتسديد للتحليل ، والاعتراضات في الكلام لا تُساق إلا للتوكيد " . وقرأ ابن عامر " إلا أَنْ تكونَ ميتةٌ " بالتأنيث ورفع ميتة يعني : إلا أن يوجدَ ميتة ، فتكون تامة عنده ، ويجوز أن تكون الناقصة والخبرُ محذوفٌ تقديره : إلا أن يكون هناك ميتة ، وقد تقدَّم أن هذا منقولٌ عن الأخفش في قوله مثل ذلك { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } . وقال أبو البقاء : " ويُقْرأ برفع " ميتة " على أنَّ " تكون " تامة ، وهو ضعيف لأن المعطوف منصوب " . قلت : كيف يُضَعِّف قراءة متواترة ؟ وأما قوله " لأن المعطوف منصوب " فذلك غير لازم ؛ لأن النصب على قراءة مَنْ رفع " ميتة " يكون نَسَقَاً على محلِّ " أن تكون " الواقعة مستثناةً تقديره : إلا أن يكون ميتة ، وإلا دماً مسفوحاً ، وإلا لحم خنزير . وقال مكي ابن أبي طالب " وقرأ أبو جعفر " إلا أن تكون " بالتاء ، ميتةٌ بالرفع " ، ثم قال : " وكان يلزم أبا جعفر أن يقرأ " أو دمٌ " بالرفع وكذلك ما بعده " . قلت : هذه هي قراءة ابن عامر نسبها لأبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني شيخ نافع وهو محتمل ، وقوله " كان يلزمه " إلى آخره هو معنى ما ضَعَّف به أبو البقاء هذه القراءةَ ، وقد تقدَّم جوابُ ذلك ، واتفق أن ابن عامر يقرأ " وإن تكنْ ميتةٌ " بالتأنيث والرفع وهنا كذلك . وقرأ ابن كثير وحمزة " تكون " بالتأنيث ، " ميتةً " بالنصب على أن اسم " تكون " مضمر عائد على مؤنث أي : إلا أن يكون المأكول ، ويجوز أن يعودَ الضميرُ مِنْ " تكون " على " محرَّماً " ، وإنما أنَّث الفعلَ لتأنيث الخبر كقوله { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن } [ الأنعام : 23 ] ينصب " فتنتهم " وتأنيث " تكن " . وقرأ الباقون " يكون " بالتذكير ، " ميتة " نصباً ، واسم " يكون " يعود على قوله " مُحَرَّماً " أي : إلا أن يكون ذلك المحرَّم . وقدَّره أبو البقاء ومكي وغيرهما : " إلا أن يكون المأكولُ " أو " ذلك ميتة " . قوله : " أو دماً " " دماً " على قراءةِ العامة معطوفٌ على خبر " يكون " وهو " ميتة " ، وعلى قراءة ابن عامر وأبي جعفر معطوفٌ على المستثنى وهو " أن يكون " وقد تقدم تحرير ذلك . ومسفوحاً صفة لـ " دماً " . والسَّفْحُ : " الصَّبُّ . وقيل : السَّيَلان وهو قريب من الأول ، وسفح يُستعمل قاصراً ومتعدِّياً يقال : سَفَحَ زيدٌ دمعه ودمه أي : أهراقَه وسفح هو ، إلا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر ففي المتعدي يقال : سَفْح ، وفي اللازم يقال سُفُوح ، ومن التعدِّي قوله تعالى : { أو دماً مسفوحاً } فإن اسم المفعول التام لا يُبْنى إلا مِنْ متعدٍّ ، ومن اللزوم ما أنشده أبو عبيدة لكثير عزة : @ 2107ـ أقول ودَمْعي واكفٌ عند رسمها عليك سلامُ الله والدمعُ يَسْفَح @@ قوله : " أو فِسْقاً " فيه ثلاثة أوجه أحدها : أنه عطف على خبر يكون أيضاً أي : إلا أن يكون فسقاً . و " أُهِلَّ " في محل نصب لأنه صفة له كأنه قيل : أو فِسْقاً مُهَلاًّ به لغير الله ، جعل العينَ المحرَّمة نفسَ الفسق مبالغة ، أو على حذف مضاف ويُفَسِّره ما تقدَّم من قوله : / { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] . الثاني : أنه منصوب عطفاً على محل المستثنى أي : إلا أن يكون ميتة أو إلا فسقاً . وقوله " فإنه رجْسٌ " اعتراض بين المتعاطفين . والثالث : أن يكون مفعولاً من أجله ، والعامل فيه قوله " أُهِلَّ " مقدَّم عليه ، ويكون قد فصل بين حرف العطف وهو " أو " وبين المعطوف وهو الجملة من قوله " أُهِلَّ " بهذا المفعول من أجله ، ونظيره في تقديم المفعول له على عامله قوله : @ 2108ـ طَرِبْتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُ ولا لَعِباً مني وذو الشيب يَلْعَبُ @@ و " أُهِلَّ " على هذا الإِعراب عَطْفٌ على " يكون " ، والضمير في " به " عائد على ما عاد عليه الضمير المستتر في " يكون " ، وقد تقدَّم تحقيقُه ، قاله الزمخشري . إلا أن الشيخ تَعَقَّب عليه ذلك فقال : " وهذا إعرابٌ متكلَّف جداً وتركيب على هذا الإِعراب خارج عن الفصاحة وغيرُ جائزٍ على قراءةِ مَنْ قرأ { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } بالرفع ، فيبقى الضمير في " به " ليس له ما يعود عليه ، ولا يجوز أن يُتكلَّفَ محذوفٌ حتى يعود الضمير عليه ، فيكون التقدير : أو شيء أهِلَّ لغير الله به ؛ لأنَّ مثل هذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر " . قلت : يعني بذلك أنه لا يُحذف الموصوف والصفة جملة إلا إذا كان في الكلام " مِنْ " التبعيضية كقولهم : " منا ظَعَنَ ومنا أقام " أي : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ، فإن لم يكن فيه " مِنْ " كان ضرورة كقوله : @ 2109ـ تَرْمي بكفَّيْ كان مِنْ أرمى البشَرْ @@ أي : بكفَّيْ رجل ، وهذا رأي بعضهم ، وأمَّا غيره فيقول : متى دل دليل على الموصوف حذف مطلقاً ، فقد يجوز أن يرى الزمخشري هذا الرأي . وقوله : " فإنه " الهاء فيها خلاف ، والظاهر عَوْدُها على " لحم " المضاف لخنزير . وقال ابن حزم : " إنها تعود على خنزير لأنه أقرب مذكور " ورُجِّح الأول بأن اللحم هو المحدِّث عنه ، والخنزير جاء بعرَضيَّة الإِضافة إليه ، ألا ترى أنك إذا قلت : " رأيت غلام زيد فأكرمته " أن الهاء تعود على الغلام لأنه المحدَّث عنه المقصودُ بالإِخبار عنه ، لا على زيد ؛ لأنه غير مقصود . ورُجِّح الثاني بأن التحريم المضاف للخنزير ليس مختصاً بلحمه بل شحمُه وشعره وعظمه وظِلْفُه كذلك ، فإذا أعدنا الضمير على خنزير كان وافياً بهذا المقصود ، وإذا أَعَدْنا على " لحم " لم يكن في الآية تعرُّضٌ لتحريم ما عدا اللحمَ مما ذكر . وقد أُجيب عنه بأنه إنما ذُكِر اللحم دون غيره ، وإن كان غيرُه مقصوداً بالتحريم ؛ لأنه أهمُّ ما فيه وأكثر ما يُقصد منه اللحم ، كما ذلك في غيره من الحيوانات ، وعلى هذا فلا مفهوم لتخصيص اللحم بالذِّكر ، ولو سُلِّم فإنه يكون من باب مفهوم اللقب وهو ضعيف جداً . وقوله " فإنه رِجْسٌ " : إمَّا على المبالغة بأَنْ جُعل نفس الرجس ، أو على حَذْفِ مضاف وله نظائر .