Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 152-153)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } : استثناء مفرغ أي : لا تَقْرَبُوه إلا بالخَصْلة الحسنى ، فيجوز أن يكون حالاً ، وأن يكون نعت مصدر ، وأتى بصيغة التفضيل تنبيهاً على أنه يَتَحَرَّى في ذلك ، ويَفْعل الأحسنَ ولا يَكْتفي بالحسن . قوله : { حَتَّىٰ يَبْلُغَ } هذه غايةٌ من حيث المعنى فإن المعنى : احفظوا ما لَه حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ولو / جعلناه غاية للفظ كان التقدير : لا تقربوه حتى يبلغَ فاقربوه ، وليس ذلك مراداً . والأَشَدُّ : اختلف النحويون فيه على خمسة أقوال فقيل : هو جمع لا واحد له ، وهو قول الفراء فإنه قال : " الأشدُّ واحدها " شَدّ " في القياس ولم أسمع لها بواحد " ، وقيل : هو مفردٌ لا جمعٌ ، نقل ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة ذلك ، وأنه بمنزلة الآنُك ، ونَقَلَ الشيخ عنه أن هذا الوجه مختاره في آخرين ، ثم قال : " وليس بمختار لفقدان أَفْعُل في المفردات وضَْعاً " وقيل : هو جمع " شِدَّة " ، وفِعْلة يجمع على أَفْعُل كنِعْمَة وأنعُم ، قاله أبو الهيثم وقال : " وكأن الهاء في الشدة والنعمة لم تكن في الحرف إذ كانت زائدة ، وكان الأصل نِعم وشِدّ فجمعا على أَفْعُل كما قالوا : رجل وأرجُل وقدح وأقْدُح وضِرس وأضرُس . وقيل : هو جمع شُد بضم الشين نقله ابن الأنباري عن بعض البصريين قال : " كقولك : هو وُدٌّ ، وهم أَوَدّ . وقيل : هو جمع شَدّ بفتحها وهو محتمل . والمراد هنا ببلوغ الأشد بلوغ الحُلُمِ في قول الأكثر لأنه مَظِنَّة ذلك . وقيل : هو مبلغ الرجال من الحيلة والمعرفة . وقيل : هو أن يبلغ خمسة عشر إلى ثلاثين . وقيل : أن يبلغ ثلاثة وثلاثين . وقيل : أربعين . وقيل : ستين ، وهذه لا تليق بهذه الآية ، إنما تليق بقوله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ الأحقاف : 15 ] . والأَشَدُّ : مشتق من الشِدَّة وهي القوة والجَلادة ، وأنشد الفراء : @ 2120ـ قد ساد وهو فتىً حتى إذا بلغت أَشُدُّهُ وعلا في الأمر واجتمعا @@ وقيل : أصله من الارتفاع ، مِنْ شَدَّ النهارُ إذا ارتفع وعلا ، قال عنترة : @ 2121ـ عهدي به شَدَّ النهار كأنما خُضِبَ البَنانُ ورأسُه بالعِظْلِمِ @@ والكَيْل والميزان : هما الآلة التي يُكال بها ويوزن ، وأصل الكيل المصدر ثم أطلق على الآلة . والميزان : مِفْعال من الوَزْن لهذه الآلة كالمصباح والمقياس لما يُستصبح به ويُقاس ، وأصل ميزان مِوْزان ففُعِلَ به ما فُعِلَ بميقات وقد تقدم في البقرة . و " بالقسط " حال من فاعل " أَوْفوا " أي : أوفوهما مُقْسِطين أي : ملتبسين بالقسط ، ويجوز أن يكون حالاً من المفعول أي : أوفوا الكيل والميزان متلبسين بالقسط أي تامَّين . وقال أبو البقاء : " والكَيْلُ هنا مصدر في معنى المكيل ، وكذلك الميزان . ويجوز أن يكون فيه حذف مضاف ، تقديره : مكيل الكيل وموزون الميزان " ، ولا حاجة إلى ما ادَّعاه من وقوع المصدر موقع اسم المفعول ولا من تقدير المضاف لأن المعنى صحيح بدونهما ، وأيضاً فميزان ليس مصدراً إلا أنه يعضُد قولَه ما قاله الواحدي فإنه قال : " والميزان أي : وزن الميزان لأن المراد إتمام الوزن لا إتمام الميزان ، كما أنه قال " وأَوْفوا الكيل " ولم يقل المِكْيال فهو من باب حذف المضاف " انتهى . والظاهرُ عدم الاحتياج إلى ذلك وكأنه لم يعرف أن الكيل يُطْلق على نفس المكيال حتى يقول " ولم يقل المكيال " . قوله { لاَ نُكَلِّفُ } معترض بين هذه الأوامر ، وقوله " ولو كان " أي : ولو كان المقول له والمقول عليه ذا قرابة . وقد تقدَّم نظير هذا التركيب مراراً . وقوله " وبعهدِ الله " يجوز أن يكونَ من باب إضافة المصدر لفاعله أي : بما عاهدكم الله عليه ، وأن يكون مضافاً لمفعوله أي : بما عاهدتم الله عليه كقوله { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] { بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] وأن تكون الإِضافة لمجرد البيان أضيف إلى الله من حيث إنه الآمرُ بحفظه ، والمراد به العهد الواقع بين الآيتين . وخُتِمَت هذه بالتذكُّر لأنَّ الأربعة قبلها خفيَّةٌ تحتاج إلى إعمال فكر ونظر حتى يقفَ متعاطيها على العدل فناسبها التذكُّر ، وهذا بخلاف الخمسة الأشياء فإنها ظاهرة بحسبِ تعقُّلها وتفهُّمها فلذلك خُتِمَت بالفعل . وتَذَكَّرون حيث وقع يقرؤه الأخوان وعاصم في رواية حفص بالتخفيف ، والباقون بالتشديد والأصل : تتذكرون ، فَمَنْ خَفَّفَ حَذَفَ إحدى الياءين ، وهل هي تاء المضارعة أو تاء التفعُّل ؟ خلاف مشهور . ومَنْ ثقَّل أدغم التاء / في الذال . قوله { وَأَنَّ هَـٰذَا } قرأ الأخوان بكسر " إن " على الاستئناف و " فاتبعوه " جملة معطوفة على الجملة قبلها . وهذه الجملة الاتئنافية تفيد التعليل لقوله " فاتبعوه " ، ولذلك استشهد بها الزمخشري على ذلك كما تقدَّم ، فعلى هذا يكون الكلام في الفاء في " فاتَّبِعوه " كالكلام فيها في قراءة غيرهما وستأتي . وقرأ ابن عامر " وأَنْ " بفتح الهمزة وتخفيف النون ، والباقون بالفتح أيضاً والتشديد . فأمَّا قراءة الجماعة ففيها أربعة أوجه ، أحدها : ـ وهو الظاهر أنها في محل نصب نَسَقاً على ما حرَّم أي : أتل ما حرم وأتل أنْ هذا صراطي ، والمراد بالمتكلم النبي صلى الله عليه وسلم لأنَّ صراطه صراط لله عز وجل ، وهذا قول الفراء قال : " بفتح " أن " مع وقوع " أتلُ " عليها يعني : أتل عليكم أنَّ هذا صراطي مستقيماً . والثاني : أنها منصوبة المحل أيضاً نسقاً على " أن لا تشركوا " إذا قلنا بأنَّ " أَنْ " المصدرية وأنها وما بعدها بدل من " ما حَرَّم " قاله الحوفي . الثالث : أنها على إسقاط لام العلة أي : ولأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعوه كقوله تعالى : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ } [ الجن : 14 ] قال أبو علي : " من فتح " أنَّ " فقياس قول سيبويه أنَّه حَمَلها على " فاتَّبعوه " والتقدير : ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه كقوله : { وَأنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المؤمنون : 52 ] . قال سيبويه : " ولأن هذه أمتكم " وقال في قوله تعالى : " وأن المساجد لله " : ولأن المساجد " . قال بعضهم : وقد صرَّح بهذه اللام في نظير هذا التركيب كقوله تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ … فَلْيَعْبُدُواْ } [ قريش : 1 ] ، والفاء على هذا كهي في قولك : زيداً فاضرب ، وبزيد فامرر . وقد تقدم تقريره في البقرة . قال الفارسي : " قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة كهي في " زيد فقائم " قلت : سيبويه لا يجوِّز زيادتها في مثل هذا الخبر ، وإنما أراد أبو علي بنظيرها في مجرد الزيادة وإن لم يَقُلْ به ، بل قال به غيرُه . الرابع : أنها في محل جر نسقاً على الضمير المجرور في " به " أي : ذلكم وصَّاكم به وبأن هذا ، وهو قول الفراء أيضاً . وردَّه أبو البقاء بوجهين أحدهما : العطف على الضمير المجرور من غير إعادةِ الجار . والثاني : أنه يصير المعنى : وَصَّاكم باستقامة الصراط وهذا فاسدٌ " . قلت : والوجهان مردودان ، أمَّا الأول فليس هذا من باب العطف على المضمر من غير إعادة الجار لأن الجارَّ هنا في قوة المنطوق به ، وإنما حُذِفَ لأنه يَطَّرد حَذْفُه مع أنَّ وأنْ لطولهما بالصلة ، ولذلك كان مذهب الجمهور أنها في محل جر بعد حذفه لأنه كالموجود ، ويدل على ما قلته ما قال الحوفي قال : " حُذِفت الباء لطول الصلة وهي مرادة ، ولا يكون في هذا عَطْفُ مُظْهَرٍ على مضمر لإِرادتها " . وأمَّا الثاني فالمعنى صحيح غير فاسد ؛ لأن معنى توصيتنا باستقامة الصراط أن لا نتعاطى ما يُخْرِجنا عن الصراط ، فوصيتنا باستقامته مبالغة في اتباعه . وأمَّا قراءةُ ابنِ عامر فقالوا : " أنْ " فيها مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن أي : " وأنَّه " كقوله تعالى : { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [ يونس : 10 ] وقوله : @ 2122ـ … أنْ هالكٌ كلُّ مَنْ يَْحفَى ويَنْتَعِلُ @@ وحينئذٍ ففيها أربعةُ الأوجه المذكورة في المشددة . و " مستقيماً " حال ، العامل : إمَّا " ها " التنبيه ، وإمَّا اسم الإِشارة ، وفي مصحف عبد الله " وهذا صراطي " بدون " أنَّ " وهي قراءة الأعمش ، وبها تتأيَّد قراءةُ الكسر المؤذنة بالاستئناف . قوله : { فَتَفَرَّقَ } منصوب بإضمار " أن " بعد الفاء في جواب النهي والجمهور على " فتفرق " بتاء خفيفة ، والبزي بتشديدها ، فَمَنْ خَفَّف حذف إحدى التاءين ، ومَنْ شدَّد أدغم ، وتقدم هذا آنفاً في { تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 80 ] . و " بكم " يجوز أن تكون مفعولاً به في المعنى أي : فيفرقكم ، ويجوز أن تكون حالاً أي : وأنتم معها كقوله : @ 2123ـ … تَدُوس بنا الجماجمَ والتَّرِيبا @@ وختم هذه بالتقوى وهي اتقاء النار لمناسبة الأمر باتباع الصراط ، فإنَّ مَنْ اتَّبعه وقى نفسه من النار .