Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 25-25)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } : راعى لفظَ " مَنْ " فأفردَ ، ولو راعى المعنى لَجَمَع كقوله في موضع آخر : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ } [ يونس : 42 ] وقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } إلى آخره ، حُمِل على معناها . قوله : { وَجَعَلْنَا } " جَعَلَ " هنا يحتمل أن يكونَ للتصيير فيتعدى لاثنين ، أَوَّلُهما " أكنَّةً " ، والثاني الجار قبله ، فيتعلَّق بمحذوف ، أي : صَيَّرنا الأكِنَّةَ مستقرَّةً على قلوبهم . ويحتمل أن يكون بمعنى خلق فيتعدَّى لواحد ، ويكون الجارُّ قبله حالاً فيتعلَّق بمحذوف ، لأنه لو تأخر لوقع صفةً لـ " أَكِنَّة " ويُحتمل أن يكونَ بمعنى " ألقى " فتتعلق " على " بها كقولك : " ألقيت على زيدٍ كذا " وقوله : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [ طه : 39 ] . وهذه الجملةُ تحتمل وجهين ، أظهرهما : أنها مستأنفة سيقت للإِخبار بما تضمَّنَتْه من الخَتْم على قلوبهم وسمعهم . ويُحْتمل أن تكون في محلِّ نصب على الحال ، والتقدير : مَنْ يستمع في حال كونه مجعولاً على قلبه كِنانٌ وفي أذنه وَقْرٌ ، فعلى الأول يكون قد عطف جملةً فعلية على اسمية ، وعلى الثاني تكون الواو للحال ، و " قد " مضمرة ، بعدها عند مَنْ يقدِّرها قبل الماضي الواقع حالاً . والأَكِنَّة : جمع كِنان وهو الوعاء الجامع . قال : @ 1883 - إذا ما انْتَضْوها في الوغَى مِنْ أكنَّةٍ حَسِبْتَ بروقَ الغيث تأتي غيومُها @@ وقال بعضهم : " الكِنُّ - بالكسر - ما يُحْفَظُ فيه الشي ، وبالفتح المصدر . يقال : كنَّنْتُه كِنَّاً أي : جعلتُه في كِنّ ، وجُمِعَ على أَكْنان قال تعالى : { مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } [ النحل : 81 ] . والكِنانُ : الغِطاء الساتر ، والفعل من هذه المادة يُستعمل ثلاثياً ورباعياً ، يقال : كَنَنْتُ الشيء وأكنَنْتُه كِنَّاً وأكناناً ، إلا أنَّ الراغبَ فرَّقَ بين فَعَل وأَفْعل فقال : " وخُصَّ كَنَنْتُ بما يَسْتُرُ من بيتٍ أو ثوب أو غير ذلك من الأجسام ، قال تعالى : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } [ الصافات : 49 ] وأكنَنْتُ بما يُسْتَرُ في النفس ، قال تعالى : { أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } [ البقرة : 235 ] . قلت : ويَشْهد لما قال قوله أيضاً : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } [ الواقعة : 77ـ78 ] وقوله تعالى : { مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } [ القصص : 69 ] . وكِنانُ يُجْمع على أكِنَّة في القلة والكثرة لتضعيفه ، وذلك أن فَعالاً وفِعالاً بفتح الفاء وكسرها يُجْمع في القلة على أَفْعِله كأَحْمِرَة واقْذِلة وفي الكثرة على فُعُل كحُمُر وقُذُل ، إلا أن يكونَ مضاعفاً كـ " بَتَات " و " كِنان " أو معتلَّ اللام كخِباء وقَباء فيُلْتَزَمَ جَمْعُه على أَفْعِلة ، ولا يجوز على فُعُل إلا في قليلٍ من الكلام كقولهم عُنُن وحُجُج في جمع عِنان وحِجاج . قوله : { أَن يَفْقَهُوهُ } في محلِّ نصب على المفعول من أجله ، وفيه تأويلان سَبَقا ، أحدهما : كراهةَ أن يفقهوه ، وهو رأيُ البصريين ، والثاني : حَذْفُ " لا " أي : أن لا يفقهوه ، وهو رأيُ الكوفيين . قوله : { وَقْراً } عطفٌ على " أَكِنَّة " فينصبُ انتصابَه ، أي : وجَعَلْنا في آذانهم وقراً . و " في آذانهم " كقوله " على قلوبهم " وقد تقدَّم أنَّ " جَعَل " يَحْتمل معانيَ ثلاثةً فيكونُ هذا الجار مبنيَّاً عليها مِنْ كونه مفعولاً ثانياً قُدِّمَ ، أو متعلقاً بها نفسِها أو حالاً . والجمهور على فتح الواو من " وَقْراً " وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها والفرق بين الوَقْر والوِقْر أنَّ المفتوح هو الثِّقل في الأذن ، يُقال منه : وَقَرِتْ أذنه بفتح القاف وكَسْرِها ، والمضارع تَقِر وتَوْقَر بحسب الفعلين كـ تَعِد وتَوْجَل . وحكى أبو زيد : أذنٌ مَوْقورة ، وهو جارٍ على القياس ، ويكون فيه دليلٌ على أن وَقَر الثلاثي يكون متعدِّياً ، وسُمِع " أذن مُوْقَرَة " والفعل على هذا أَوْقَرْتُ رباعياً كأكرم . والوِقْر - بالكسر - الحِمْل للحمار والبغل ونحوهما ، كالوسَق للبعير ، قال تعالى : { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } [ الذاريات : 2 ] فعلى هذا قراءةُ الجمهور واضحة أي : وجَعَلْنا في آذانهم ثِقَلاً أي : صَمَماً . وأمَّا قراءةُ طلحة فكأنه جَعَلَ آذانهم وَقِرت من / الصَّمَم كما تُوْقَرُ الدابة بالحِمْل ، والحاصل أن المادَّة تدلُّ على الثِّقَل والرِّزانة ، ومنه الوَقار للتُّؤَدة والسَّكينة ، وقوله تعالى : { وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } فيه الفصلُ بين حَرْفِ العطف وما عَطَفه بالجار مع كونِ العاطف على حرفٍ واحد وهي مسألة خلافٍ تقدَّم تحقيقُها في قوله : { أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] والظاهر أن هذه الآيةَ ونظائرها مثلُ قوله : { آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } [ البقرة : 201 ] ليس مما فُصِل فيه بين العاطِف ومعطوفِه . وقد حقَّقْتُ جميع ذلك في الموضعِ المُشارِ إليه . قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ } قد تقدَّم الكلام في " حتى " الداخلة على " إذا " في أول النساء . وقال أبو البقاء هنا : " إذا " في موضع نصب بجوابها وهو " يقول " وليس لـ " حتى " هنا عملٌ وإنما أفادَتْ معنى الغاية كما لا تعمل في الجمل " . وقال الحوفي : " حتى " غاية ، و " يُجادلونك " حال ، و " تقولُ " جوابُ " إذا " وهو العامل في " إذا " وقال الزمخشري : " هي " حتى " التي تقع بعدها الجمل ، والجملةُ قولُه : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ } ، و " يجادلونك " في موضع الحال ، ويجوزُ أن تكونَ الجارَّةَ ، ويكون " إذا جاؤوك " في محل الجَرِّ بمعنى : حتى وقت مجيئهم ، ويجادلونك حال ، وقوله : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } تفسير له ، والمعنى : أنه بلغ تكذيبُهم الآياتِ إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك ، وفسَّر مجادلتهم بأنهم يقولون : إنْ هذا إلا أساطير الأولين . قال الشيخ : " وقد وُفِّق الحوفي وأبو البقاء وغيرُهما للصواب في ذلك ، ثم ذكر عبارة أبي البقاء والحوفي . وقال أيضاً : " و " حتى " إذا وقع بعدها " إذا " يُحْتمل أن تكونَ بمعنى الفاء ، ويُحتمل أن تكون بمعنى إلى أن ، فيكون التقدير : فإذا جاؤوك يجادلونك يقول ، أو يكون التقدير : وجَعَلْنا على قلوبهم أَكِنَّة ، وكذا إلى أَنْ قالوا : إنْ هذا إلا أساطير الأولين ، وقد تقدَّم أن " يُجادِلونك " حالٌ من فاعل " جاؤوك " و " يقول " : إمَّا جواب " إذا " وإمَّا مفسِّرةٌ للمجيء كما تقدَّم تقريره . و " أساطير " فيه أقوال ، أحدها : أنه جمع لواحد مقدر ، واختُلِفَ في ذلك المقدَّر فقيل : أُسْطورة ، وقيل : أَسْطارة ، وقيل : أُسْطور ، وقيل : أَسْطار ، وقيل : إسْطير وقال بعضهم : بل لُفِظَ بهذه المفردات . والثاني : أنه جمعُ جمعٍ ، فأساطير جمع أَسْطار ، وأَسْطار جمع سطَر بفتح الطاء ، وأما سَطْر بسكونها فجمعُه في القلة على أَسْطُر ، وفي الكثرة على سُطور كفَلْس وأَفْلُس وفُلوس . والثالث : أنه جَمْعُ جَمْعِ الجمع ، فأساطير جمع أَسْطار ، وأَسْطار جمع أَسْطُر ، وأَسْطُر جمع سَطْر . وهذا مرويٌّ عن الزجاج . وهذا ليس بشيء ، فإنَّ " أَسْطار " ليس جمعَ أَسْطُر ، بل هما مثالا جمع قلة . الرابع : أنه اسم جمع ، قال ابن عطية : " وقيل : هو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه " وهذا ليس بشيء ؛ لأنَّ النحويين قد نصُّوا على أذا كان على صيغة تَخُصُّ الجموعَ لم يُسمُّوه اسم جمع بل يقولون هو جمعٌ كعباديد وشماطيط . وظاهر كلام الراغب أن أساطير جمع سَطَر بفتح الطاءِ فإنه قال : " وجمعُ سَطَر - يعني بالفتح - أسطار وأساطير " ووقال المبرد : " هي جمع أُسْطورة نحو أُرْجوحة وأراجيح وأُحْدُوثه وأحاديث " ومعنى الأساطير الأحاديث الباطلة والتُرَّهات ممَّا لا حقيقةَ له .