Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 41-41)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } : " بل " حرفُ إضرابٍ وانتقال لا إبطالٍ ، لِما عَرَفْتَ غيرَ مرة من أنها في كلام الله كذلك . و " إياه " مفعول مقدَّم للاختصاص عند الزمخشري ، ولذلك قال : " بل تَخُصُّونه بالدعاء ، وعند غيره للاعتناء ، وإن كان ثَمَّ حَصْرٌ واختصاص فِمِنْ قرينة أخرى . " وإياه " ضمير منصوب منفصل تقدَّم الكلامُ عليه مشبعاً في الفاتحة وقال ابن عطية : " هنا " إيَّا " اسم مضمر أُجري مُجرى المظهرات في أنه مضاف أبداً " قال الشيخ : " وهذا خلافُ مذهبِ سيبويه ، فإنَّ مذهب سيبويه أن ما بعد " إيَّا " حرفٌ يُبَيِّن أحوال الضمير ، وليس مضافاً لما بعده ، لئلاَّ يلزمَ تعريفُ الإِضافةِ ، وذلك يستدعي تنكيره ، والضمائر لا تَقْبَلُ التنكير فلا تقبل الإِضافة . قوله : { مَا تَدْعُونَ } يجوز في " ما " أربعةُ أوجه ، أظهرها : أنها موصولة بمعنى الذي أي : فتكشف الذي تَدْعون ، والعائد محذوف لاستكمال الشروط أي : تَدْعونه . الثاني : أنها ظرفية ، قال ابن عطية . وعلى هذا فيكون مفعول " يكشفُ " محذوفاً تقديره : فيكشف العذاب مدةَ دعائكم أي : ما دُمْتُمْ داعِيه . قال الشيخ : " وهذا ما لا حاجةَ إليه مع أنَّ فيه وَصْلَها بمضارعٍ ، وهو قليلٌ جداً تقولُ : " لا أُكَلِّمك ما طلَعت الشمس " ويضعف : ما تطلع الشمس " قلت : قوله بمضارع " كان ينبغي أن يقول مثبت ؛ لأنه متى كان منفياً بـ " لم " كَثُر وَصْلُها به نحو قوله : @ 1921 - ولَنْ يَلْبَثَ الجُهَّالُ أن يَتَهَضَّموا أخا الحلم ما لم يَسْتَعِنْ بجَهول @@ ومِنْ وَصْلها بمضارعٍ مثبت قولُه : @ 1922 - أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثم آوي إلى أمَّا ويَرْويني النقيعُ @@ وقول الآخر : @ 1923 - أُطَوِّفُ ما أُطّوِّفُ ثم أوي إلى بيتٍ قعيدَتُهُ لَكاعِ @@ فـ " أُطَوِّفُ " صلةُ لـ " ما " الظرفية . الثالث : أنها نكرة موصوفة ذكره أبو البقاء ، والعائد أيضاً محذوف أي : فيكشفُ شيئاً تَدْعونه أي : تَدْعون كَشْفَه ، والحذفُ من الصفةِ أقلُّ منه من الصلة . الرابع : أنها مصدرية ، قال ابن عطية : " ويَصِحُّ أن تكون مصدرية على حذف في الكلام " قال الزجاج : " وهو مثل : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . قلت : والتقدير : فيكشف سبب دعائكم وموجبه قال الشيخ " وهذه دعوى محذوف غيرِ معين وهو خلاف الظاهر " وقال أبو البقاء : " وليست مصدرية إلا أَنْ تجعلَها مصدراً بمعنى المفعول " يعني يصير تقديره : فيكشف مَدْعُوَّكم أي : الذي تَدْعُون لأجله ، وهو الضُّرُّ ونحوه . قوله : { إِلَيْهِ } فيما يتعلق به وجهان ، أحدهما : أن يتعلق بـ " تَدْعون " ، والضمير حينئذ يعود على " ما " الموصولة أي : الذي تدعون إلى كَشْفِه ، و " دعا " بالنسبة إلى متعلِّق الدعاء يتعدى بـ " إلى " أو اللام . قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } [ فصلت : 33 ] { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [ النور : 48 ] وقال : @ 1924 - وإن أُدْعَ للجُلَّى أكنْ مِنْ حُماتها … @@ وقال : @ 1925 - وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ يوماً سَراةَ كرامِ الناس فادْعِينا @@ وقال : @ 1926 - دعوتُ لِما نابني مِسْوَراً فَلَبِّيْ فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ @@ والثاني : أن يتلعَّق بـ " يَكْشِفُ " قال أبو البقاء : " أي : يرفعه إليه " انتهى . والضميرُ على هذا عائد على الله تعالى ، وذكر ابو البقاء وجهَي التعلق ولم يَتَعرَّضْ للضمير وقد عَرَفْتَه . وقال ابن عطية : " والضمير في " إليه " يُحتمل أن يعودَ إلى الله بتقدير : فيكشف ما تدعون فيه إليه " قال الشيخ : " وهذا ليس بجيد ؛ لأنَّ " دعا " يتعدى لمفعول به دون حرف جر : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] { إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] ومن كلام العرب : " دعوتُ الله سميعاً " قلت : ومثلُه : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } [ الإِسراء : 110 ] { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً } [ الأعراف : 55 ] قال : ولا تقول بهذا المعنى : " دعوت إلى الله " بمعنى : دعوت الله ، إلا أنه يمكن أن يُصَحَّح كلامُه بمعنى التضمين ، ضمَّن " تدعون " معنى " تلجَؤون فيه إلى الله " إلا أنَّ التضمين ليس بقياس ، لا يُصارُ إليه إلا عند الضرورة ، ولا ضرورةَ تدعو إليه هنا " . قلت : ليس التضمين مقصوراً على الضرورة ، وهو في القرآن أكثر من أن يُحْصَر ، تقدَّم لك منه جملةٌ صالحة ، وسيأتي لك إن شاء الله مثلُها ، على أنه قد يقال تجويزُ أبي محمد عَوْدَ الضمير إلى الله تعالى محمولٌ على أن " إليه " متعلق بيكشف ، كما تقدَّم نَقْلُه عن أبي البقاء وأن معناه " يرفعه " فلا يلزم المحذورُ المذكور ، لولا أنه يُعَكِّر عليه تقديرُه بقوله " تدعون فيه إليه " فتقديره " فيه " ظاهره أنه يزعمُ تعلُّقَه بـ " تَدْعُون " . قوله : { إِنْ شَآءَ } جوابه محذوف لفهم المعنى ، ودلالة ما قبله عليه ، أي : إنْ شاء أن يكشِفَ كشف ، وادِّعاءُ تقديمِ جواب الشرط هنا واضحٌ لاقترانه بالفاء ، فهو أحسنُ مِنْ قوله : " أنت ظالم إن فعلت " لكن يمنع مِنْ كونها جواباً هنا أنها سببيَّةٌ مرتبة أي : أنها أفادَتْ ترتُّبَ الكشفِ على الدعاء ، وأن الدعاءَ سببٌ فيه ، على أن لنا خلافاً في فاء الجزاء : هل تفي السببيَّة أو لا ؟ قوله : { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } الظاهر في " ما " أن تكون موصولةً اسمية ، والمرادُ بها ما عُبِد مِنْ دون الله مطلقاً : العقلاءُ وغيرُهم ، إلا أنه غَلَّب غيرَ العقلاء عليهم كقوله : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } [ النحل : 49 ] والعائدُ محذوفٌ أي ما تُشْركونه مع الله في العبادة . وقال الفارسي : " الأصلُ : وتَنْسَون دعاءَ ما تشركون ، فحذف المضاف " ويجوز أن تكونَ مصدريةً ، وحينئذ لا تحتاج إلى عائد عند الجمهور . ثم هل هذا المصدر باق على حقيقته ؟ أي : تَنْسَون الإِشراكَ نفسَه لِما يلحقُكم من الدَّهْشَة والحَيْرة ، أو هو واقعٌ موقعَ المعفول به ، أي : وتنسَوْن المُشْرَك به وهي الأصنام وغيرها ، وعلى هذا فمعناه كالأول وحينئذٍ يحتمل السياقُ أن يكون على بابه من الغفلة ، وأن يكون بمعنى الترك ، وإن كانوا ذاكرين لها أي للأصنام وغيرها .