Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-59)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَفَاتِحُ } : فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : أنه جمعُ مِفْتح بكسر الميم والقصر ، وهو الآلة التي يُفتح بها نحو : مُنْخُل ومَنَاخل . والثاني : أنه جمع مَفْتَح بفتح الميم ، وهو المكان ، ويؤيده تفسير ابن عباس هي خزائن المطر . والثالث : أنه جمع مِفتاح بكسر الميم والألف ، وهو الآلة أيضاً ، إلا أنَّ هذا فيه ضعفٌ من حيث إنه كان ينبغي أن تُقلب ألف المفرد ياء فيقال : مفاتيح كدنانير ، ولكنه قد نُقِل في جمع مصباح مصابح ، وفي جمع مِحْراب مَحارِب ، وفي جمع قُرْقُرر قراقِر ، وهذا كما أتوا بالياء في جمع ما لا مَدَّةَ في مفرده كقولهم : دراهيم وصياريف في جمع دِرْهَم وصَيْرَف ، قال : @ 1938 - تَنْفي يداها الحصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدارهيمِ تَنْقادُ الصَّياريفِ @@ وقالوا : عيِّل وعَياييل . قال : @ 1939 - فيها عياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ @@ الأصل : عيايل ونمور ، فزاد في ذلك ونَقَّصَ مِنْ هذا . وقد قُرِئ " مفاتيح " بالياء وهي تؤيد أنَّ مفاتح جمع مفتاح ، وإنما حُذِفَتْ مدَّتْه . وجَوَّز الواحدي أن يكون مفاتح جمع مَفْتَح بفتح الميم على أنه مصدر ، قال بعد كلام حكاه عن أبي إسحاق : " فعلى هذا مفاتح جمع المَفْتح بمعنى الفتح " ، كأن المعنى : " وعنده فتوح الغيب " أي : هو يفتح الغيب على مَنْ يشاء من عباده . وقال أبو البقاء : " مفاتح جمع مَفْتَح ، والمَفْتَحُ الخزانة ، فأمَّا ما يُفتح به فهو المفتاحُ ، وجمعه مفاتيح وقد قيل مَفْتح أيضاً " انتهى . يريد جمع مَفتح أي بفتح الميم . وقوله : " وقد قيل : مَفْتَح يعني أنها لغة قليلة في الآلة والكثير فيها المدُّ ، وكان ينبغي أن يوضِّح عبارته فإنها موهمة ولذلك شرحتها . قوله : { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } في محل نصب على الحال من " مفاتح " ، والعامل فيها الاستقرار الذي تضمَّنه حرف الجر لوقوعه خبراً . وقال أبو البقاء : " نفسُ الظرف إنْ رَفَعْتَ به مفاتح " أي : إنْ رفعته به فاعلاً ، وذلك على رأي الأخفش ، وتضمُّنه للاستقرار لا بد منه على كل قول ، فلا فرق بين أن ترفعَ به الفاعل أو تجعله خبراً . قوله : { مِن وَرَقَةٍ } فاعل " تَسْقُط " و " مِنْ " زائدة لاستغراق الجنس ، وقوله : { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } حالٌ من " ورقة " وجاءت الحال من النكرة لاعتمادِها على النفي ، والتقدير : ما تسقط من ورقة إلا عالماً هو بها كقولك : " ما أكرمْتُ أحداً إلا صالحاً " ويجوز عندي أن تكونَ الجملة نعتاً لـ " ورقة " وإذا كانوا أجازوا في قوله { إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] أن تكون نعتاً لقرية في قوله : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] مع كونها بالواو ويعتذرون عن زيادة الواو ، فأَنْ يجيزوا ذلك هنا أولى ، وحينئذ فيجوز أن تكون في موضع جر على اللفظ أو رفع على المَحَلَّ . قوله : { وَلاَ حَبَّةٍ } عطفٌ على لفظ " ورقةٍ " ولو قُرِئ بالرفع لكان على الموضع . و " في ظلمات " صفة لحبة . وقوله : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } معطوفان أيضاً على لفظ " ورقة " وقرأهما ابن السميفع والحسن وابن أبي إسحاق بالرفع على المحل ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن يكونا مبتدأين ، والخبر قوله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ونقل الزمخشري أن الرفع في الثلاثة أعني قوله : " ولا حبةٍ ولا رطبٍ ولا يابسٍ " وذكر وجهي الرفع المتقدِّمين ، ونظَّر الوجه الثاني بقولك : " لا رجلٌ منهم ولا امرأة إلا في الدار " . قوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } في هذا الاستثناء غموض ، فقال الزمخشري : " وقوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } كالتكرير لقوله : { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } لأن معنى " إلاَّ يعلمها " ومعنى " إلا في كتاب مبين " واحد ، والكتاب علم الله أو اللوح " وأبرزه الشيخ في عبارة قريبة من هذه فقال : " وهذا الاستثناء جارٍ مجرى التوكيد لأن قوله : " ولا حبةٍ ولا رطب ولا يابس " معطوف على " مِنْ ورقة " والاستثناءُ الأولُ منسحبٌ عليها كما تقول : " ماجاءني من رجلٍ إلا أكرمته ولا أمرأةٍ " فالمعنى : إلا أكرمتها ، ولكنه لَمَّا طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد ، وحَسَّنه كونُه فاصلة " انتهى . وجعل صاحب " النظم " الكلامَ تاماً عند قوله : { ولا يابس } ثم استأنف خبراً آخر بقوله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } بمعنى : وهو في كتاب مبين أيضاً . قال : " لأنك لو جَعَلْتَ قوله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } متصلاً بالكلام الأول لفسَدَ المعنى ، وبيان فساده في فصل طويل ذكرناه في سورة يونس في قوله : " ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين " انتهى . قلت : إنما كان فاسدَ المعنى من حيث اعتقد أنه استثناءٌ آخرُ مستقلٌّ ، وسيأتي كيف فسادُه ، أمَّا لو جعله استثناء مؤكداً للأول كما قاله أبو القاسم لم يفسد المعنى ، وكيف يُتَصَوَّرُ تمام الكلام على قوله تعالى : { وَلاَ يَابِسٍ } ويُبْتَدَأ بـ " إلا " وكيف تقع " إلا " هكذا ؟ وقد نحا أبو البقاء لشيءٍ مِمَّا قاله الجرجاني فقال : " إلا في كتاب مبين " أي : إلا هو في كتاب مبين ، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه " يَعْلمها " ؛ لأنَّ المعنى يصير : وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب ، فينقلب معناه إلى الإِثبات أي : لا يعلمها في كتاب ، وإذا لم يكن إلا في كتاب وجب أن يعلمها في الكتاب ، فإذن يكون الاستثاءُ الثاني بدلاً من الأول أي : وما تسقط من ورقة إلا هي في كتاب وما يَعْلَمُها " انتهى . وجوابه ما تقدم من جَعْلِ الاستثناء تأكيداً ، وسيأتي هذا مقرَّراً إن شاء الله في سورة يونس لأنَّ له بحثاً يخصُّه .