Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-93)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَذِباً } : فيه أربعة أوجه ، أحدها : أنه مفعول " افترى " أي : اختلقَ كَذِباً وافتعله . الثاني : أنه مصدرٌ له على المعنى أي : افترى افتراءً ، وفي هذا نظر ؛ لأنَّ المعهود في مثل ذلك إنما هو فيما كان المصدر فيه نوعاً من الفعل نحو : " قعد القرفصاء " أو مرادفاً له كـ " قعدت جلوساً " أمَّا / ما كان المصدر فيه أعمَّ من فعله نحو : افترى كذباً وَتَقَرْفَصَ قعوداً ، فهذا غيرُ معهود إذ لا فائدة فيه ، والكذبُ أعمُّ من الافتراء ، وقد تقدم تحقيقه . الثالث : أنه مفعول من أجله أي : افترى لأجل الكذب . الرابع : أنه مصدر واقع موقع الحال أي : افترى حال كونه كاذباً وهي حال مؤكدة . وقوله " أو قال " عطف على افترى ، و " إلى " في محل رفع لقيامه مقام الفاعل . وجَوَّز أبو البقاء أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير المصدر قال : " تقديره : أُوحي إليَّ الوحيُ أو الإِيحاء " ، والأول أولى ؛ لأن فيه فائدةً جديدة بخلاف الثاني فإن معنى المصدر مفهوم من الفعل قبله . قوله : { وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } جملة حالية ، وحُذِف الفاعل هنا تعظيماً له لأنَّ الموحي هو الله تعالى . وقوله : " ومن قال " مجرور المحل لأنه نَسَقٌ على " مَنْ " المجرور بـ مِنْ أي : وممَّن قال . وقد تقدَّم نظير هذا الاستفهام في البقرة ، وهناك سؤال وجوابه . وقرأ أبو حيوة : " سَأُنَزِّل " مضعفاً . وقوله : " مثلَ " يجوز فيه وجهان أحدهما : أنه منصوبٌ على المفعول به أي : سأنزل قرآناً مثل ما أنزل الله ، و " ما " على هذا موصولة اسمية أو نكرة موصوفة أي : مثل الذي أنزله أو مثل شيء أنزله . والثاني : أن يكون نعتاً لمصدر محذوف تقديره : سأنزل إنزالاً مثل ما أنزل الله ، و " ما " على هذا مصدرية أي : مثل إنزال الله ، و " إذ " منصوبٌ بـ " ترى " ، ومفعول الرؤية محذوف أي : ولو ترى الكفار أو الكذَبة ، ويجوز أن لا يُقَدَّر لها مفعول أي : ولو كنت من أهل الرؤية في هذا الوقت ، وجواب " لو " محذوف أي : لَرَأَيْتَ أمراً عظيماً . و " الظالمون " يجوز أن تكون فيه أل للجنس ، وأن تكون للعهدِ ، والمراد بهم مَنْ تقدَّم ذكرُه من المشركين واليهود والكذَبَة المفترين . و { فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } خبر المبتدأ ، والجملة في محل خفض بالظرف . والغَمَرات : جمع غَمْرة وهي الشدة المفظعة ، وأصلها مِنْ غَمَرَهُ الماء إذا ستره ، كأنها تستر بغمِّها وتنزل به ، قال : @ 1982ـ ولا يُنْجي من الغَمَراتِ إلاَّ بَرَاكاءُ القتالِ أو الفرارُ @@ وتجمع على غُمَر كعَمْرة وعُمَر ، قال : @ 1983ـ … وحان لتالِكَ الغُمَرِ انقشاعُ @@ ويروى " انحسار " . وقال الراغب : " أصل الغَمْر إزالة أثر الشيء ، ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله غَمْر وغامِر ، وأنشد غيرُ الراغب على غامر : @ 1984ـ نصفَ النهارُ الماءُ غامِرُه ورفيقُه بالغيب لا يدري @@ ثم قال : " والغَمْرَة معظمُ الماء لسَتْرها مقرَّها ، وجُعِلت مثلاً للجهالة التي تغمر صاحبها " . والغَمْر : الذي لم يجرِّبْ الأمور وجمعه أغمار ، والغِمْر : بالكسر الحقد ، والغَمْر بالفتح الماء الكثير ، والغَمَر بفتح الغين والميم ما يغمر من رائحة الدسم سائرَ الروائح ، ومنه الحديث : " من بات وفي يديه غَمَر " ، وغَمِرَت يده وغَمِر عرضَه دنسٌ ، ودخلوا في غُمار الناس وخمارهم ، والغُمْرَة ما يُطْلَى به من الزَّعْفَران ، ومنه قيل للقَدَح الذي يُتناول به الماء : غُمَرٌ ، وفلان مغامِرٌ : إذا رَمى بنفسه في الحرب : إمَّا لتوغُّله وخوضه فيه ، وإمَّا لتصور الغَمارة منه . قوله : { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ } جملة في محل نصب على الحال من الضمير المستكنِّ في قوله " في غَمَرات " و " أيديهم " خفض لفظاً وموضعه نصب ، وإنما سقطت النون تخفيفاً . قوله : { أَخْرِجُوۤاْ } منصوب المحل بقول مضمر ، والقول يُضْمر كثيراً تقديره : يقولون : أخرجوا ، كقوله : { يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الرعد : 23 ] أي يقولون : سلامٌ عليكم ، وذلك القول المضمر في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في " باسطو " . قوله : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ } في هذا الظرف وجهان ، أحدهما : أنه منصوب بـ " أخْرِجوا " بمعنى أخرجوها من أبدانكم ، فهذا القول في الدنيا ، ويجوز أن يكونَ في يوم القيامة ، والمعنى : خلِّصوا أنفسكم من العذاب ، فالوقف على قوله " اليوم " . والابتداءُ بقوله { تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } . والثاني : أنه / منصوب بتُجْزون ، والوقف حينئذ على " أنفسَكم " ، والابتداء بقوله " اليوم " والمراد باليوم يحتمل أن يكون وقت الاحتضار وأن يكون يوم القيامة ، و " عذابَ " مفعول ثان والأول قائم مقام الفاعل ، والهُون : الهَوان ، قال تعالى : { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُون } [ النحل : 59 ] وقال ذو الإِصبع : @ 1985ـ اذهَبْ إليك فيما أمي براعيةٍ ترعى المَخَاضَ ولا أُغْضي على الهُون @@ وقالت الخنساء : @ 1986ـ يُهينُ النفوسَ وهُونُ النفو سِ يومَ الكريهة أَبْقَى لها @@ وأضاف العذابَ إلى الهُون إيذاناً بأنه متمكن فيه ، وذلك أنه ليس كلُّ عذابٍ يكون فيه هُون ، لأنه قد يكون على سبيل الزجر والتأديب ، ويجوز أن يكون من باب إضافةِ الموصوفِ الى صفته ، وذلك أن الأصل : العذاب الهون ، وصفَه به مبالغةً ثم أضافه إليه على حدِّ إضافته في قولهم : بقلة الحمقاء ونحوه . ويدل على أن الهُون بمعنى الهوان قراءة عبد الله وعكرمة له كذلك . قوله : { بِمَا كُنتُمْ } " ما " مصدريةٌ أي : بكونكم قائلين غير الحق وكونكم مستكبرين . والباء متعلقة بتُجْزون أي بسببه . و " غير الحق " نصبُه من وجهين ، أحدهما : أنه مفعول به أي : تذكرون غير الحق . والثاني : أنه نعت مصدرٍ محذوفٍ أي : تقولون القول غير الحق . وقوله : " وكنتم " يجوز فيه وجهان ، أحدهما : وهو الظاهر أنه عطف على " كنتم " الأولى فتكون صلةً لـ " ما " كما تقدم . والثاني : أنها جملة مستأنفة سِيقت للإِخبار بذلك . و " عن آياته " متعلق بخبر كان ، وقُدِّم لأجل الفواصل .