Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-1)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } : هذان مفعولا الاتخاذ . والعدوُّ لَمَّا كان بزنةِ المصادِر وقعَ على الواحدِ فما فوقَه ، وأضاف العدوَّ لنفسه تعالى تغليظاً في جُرْمِهم . قوله : { تُلْقُونَ } فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه تفسيرٌ لموالاتِهم إياهم . الثاني : أنه استئنافُ إخبارٍ بذلك فلا يكون للجلمة على هذين الوجهَين محلٌّ من الإِعراب . الثالث : أنها حالٌ مِنْ فاعل " تَتَّخِذوا " أي : لا تتخذوا مُلْقِين المودةَ . الرابع : أنها صفة لـ " أولياءَ " . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : إذا جَعَلْتَه صفةً لأولياء ، وقد جَرَى على غير مَنْ هوله ، فأين الضميرُ البارزُ ، وهو قولُك : تُلْقُون إليهم أنتم بالمودة ؟ قلت : ذاك إنما اشترطوه في الأسماءِ دونَ الأفعالِ لو قيل : أولياءَ مُلْقِين إليهم بالمودَّة على الوصف لَما كان بُدٌّ مِن الضميرِ البارزِ " قلت : قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ مستوفاةً ، وفيها كلامٌ لمكي وغيرِه . إلاَّ أن الشيخَ اعترضَ على كونِها صفةً أو حالاً بأنهم نُهُوا عن اتخاذِهم أولياءً مطلقاً في قولِه : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] والتقييدُ بالحالِ والوصفِ يُوهم جوازَ اتِّخاذهم أولياءَ إذا انتفى الحالُ أو الوصفُ . ولا يَلْزَمُ ما قال لأنه معلومٌ من القواعدِ الشرعيةِ فلا مفهومَ لهما البتةَ . وقال الفراء : " تُلْقون من صلةِ أولياء " وهذا على أصولِهم مِنْ أنَّ النكرةَ تُوْصَلُ كغيرها من الموصولات . قوله : { بِٱلْمَوَدَّةِ } في الباء ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن الباءَ مزيدةٌ في المفعولِ به كقولِه : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [ البقرة : 195 ] . والثاني : أنها غيرُ مزيدةٍ والمفعولُ محذوفٌ ، ويكون معنى الباءِ السببَ . كأنه قيل : تُلْقُوْن إليهم أسرارَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأخبارَه بسبب المودةِ التي بينكم . / والثالث : أنها متعلقةٌ بالمصدرِ الدالِّ عليه " تُلْقُون " أي : إلقاؤُهم بالمودَّةِ ، نقله الحوفيُّ عن البصريين ، وجَعَلَ القولَ بزيادةِ الباءِ قولَ الكوفيين . إلاَّ أن هذا الذي نَقَله عن البصريين لا يُوافقُ أصولَهم ؛ إذ يَلْزَمُ منه حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معموله ، وهو لا يجوزُ عندَهم . وأيضاً فإنَّ فيه حَذْفَ الجملةِ برأسِها ، فإنَّ " إلقاءَهم " مبتدأ و " بالمودة " متعلقٌ به ، والخبرُ أيضاً محذوفٌ . وهذا إجحافٌ . قوله : { وَقَدْ كَفَرُواْ } فيه أوجهٌ : الاستئناف ، والحالُ مِنْ فاعِل " تتَّخذوا " والحالُ مِنْ فاعلِ " تُلْقُون " أي : لا تتولَّوْهم ولا توادُّوهم وهذه حالُهم . والعامَّةُ " بما " بالباء ، والجحدري وعاصمٌ في روايةٍ " لِما " باللام أي : لأجلِ ما جاءكم ، فعلى هذا الشيءِ المكفورِ غيرُ مذكور ، تقديره : كفروا باللَّهِ ورسولِه . قوله : { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ } يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وأن يكونَ تفسيراً لكُفْرِهم ، فلا مَحَلَّ له على هذَيْن ، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعل " كفروا " . قوله : { وَإِيَّاكُمْ } عطفٌ على الرسول . وقُدِّم عليهم تَشريفاً له . وقد استَدَلَّ به مَن يُجَوِّزُ انفصالَ الضميرِ مع القدرةِ على اتصالِه ، إذ كان يجوز أَنْ يُقال : يُخْرجونكم والرسولَ ، فيجوز : " يُخْرجون إياكم والرَّسولَ " في غيرِ القرآنِ وهو ضعيفٌ ؛ لأنَّ حالةَ تقديمِ الرسولِ دلالةٌ على شَرَفِه . لا نُسَلِّمُ أنه يُقَدَرُ على اتِّصاله . وقد تقدَّم لك الكلامُ على هذه الآيةِ عند قولِه تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ } في سورةِ النساء فعليك باعتباره . قوله : { أَن تُؤْمِنُواْ } مفعولٌ له . وناصبُه : " يُخْرِجون " أي : يُخْرجونكم لإِيمانِكم أو كراهةَ إيمانِكم . قوله : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } جوابُه محذوفٌ عند الجمهور لتقدُّمِ " لا تتَّخذوا " ، ومقدم وهو " لا تتخذوا " عند الكوفيين ومَنْ تابعهم . وقد تقدَّم تحريرُه . وقال الزمخشري : و { إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } متعلِّقٌ بـ " لا تَتَّخذوا " . يعين : لا تتولَّوْا أعدائي إنْ كنتم أوليائي . وقولُ النحويين في مثلِه : هو شرطٌ ، جوابُه محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليه " انتهى . يريد أنَّه متعلِّقٌ به من حيث المعنى . وأمَّا من حيث الإِعراب فكما قال جمهورُ النَّحْويين . قوله : " جِهَاداً وَٱبْتِغَآءَ " يجوزُ أَنْ يُنْصَبا على المفعول له أي : خَرَجْتُمْ لأجلِ هذَيْن ، أو على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي : تُجاهِدون ، وتبتَغُون ، أو على أنهما في موضع الحال . قوله : { تُسِرُّونَ } يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، ولم يذكُر الزمخشريُّ غيرَه ، وأن يكونَ حالاً ثانية مِنْ ما انتصب عنه " تُلْقُون " حالاً ، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " تُلْقُون " ، قاله ابن عطية . ويُشْبه أَنْ يكونَ بدلَ اشتمالٍ لأنَّ إلقاءَ المودةِ يكون سرّاً وجَهْراً ، فَأَبْدَل منه هذا للبيانِ بأيِّ نوعٍ وقع الإِلقاء ، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي : أنتم تُسِرُّون ، قاله ابن عطية ، ولا يَخْرجُ عن معنى الاستئناف . وقال أبو البقاء : " هو توكيدٌ لـ " تُلْقُون " بتكريرِ معناه " وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ الإِلقاءَ أعمُّ مِنْ أَنْ يكونَ سِرَّاً أو جَهْراً . وقوله : { بِٱلْمَوَدَّةِ } الكلامُ في الباء هنا كالكلامِ عليها بعد " تُلْقُون " . قوله : { وَأَنَاْ أَعْلَمُ } هذه الجملةُ حالٌ مِنْ فاعل " تُسِرُّون " أي : وأيُّ طائلٍ لكم في إسْراركم وقد عَلِمتم أن الإِسرارَ والإِعلان سيَّانِ في علمي ؟ و " أعلمُ " يجوز أن يكونَ أفعلَ تفضيل وهو الظاهرُ ، وأَنْ يكون فعلاً مضارعاً . قال ابن عطية : " وعُدِّي بالباء لأنك تقول : علمتُ بكذا " . قوله : { وَمَن يَفْعَلْهُ } في الضمير وجهان ، أظهرهما : أنه يعود على الإِسرار ؛ لأنه أقربُ مذكورٍ . والثاني : أنه يعودُ على الاتخاذ ، قاله ابنُ عطية . قوله : { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } يجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على الظَّرْفِ إنْ قلنا : " ضَلَّ " قاصرٌ ، وأَنْ يكونَ مفعولاً به إنْ قلنا : هو متعدٍّ .