Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-150)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { غَضْبَانَ أَسِفاً } : حالان من موسى عند مَنْ يجيز تعدُّدَ الحال ، وعند مَنْ لا يجيزه يَجْعَلُ " أَسِفاً " حالاً من الضمير المستتر في " غضبان " فتكون حالاً متداخلةً ، أو يجعلها بدلاً من الأولى ، وفيه نظرٌ لعُسْر إدخالِه في أقسام البدل ، وأقربُ ما يقال : إنه بدلُ بعضٍ من كل إن فسَّرنا الأسِفَ بالشديد الغضبِ ، أو بدلُ اشتمال إن فسَّرناه بالحزين . يقال : أسِف يأسَفُ أَسَفاً ، أي : اشتدَّ غضبُه . قال تعالى : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] ويقال : بل معناه حَزِن ومنه قوله : @ 2297ـ غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ ينقضي بالهمِّ والحزن @@ فلما كانا متقاربَيْنِ في المعنى صَحَّت البدليةُ على ما ذكرته لك ، ويدلُّ على مقاربة ما بينهما كما قال الواحدي قولُه : @ 2298ـ … فحزنُ كلِّ أخي حُزْنٍ أخو الغضبِ @@ وقال الأعشى : @ 2299ـ أرى رجلاً منكمْ أسِيفاً كأنما يَضُمُّ إلى كَشْحَيْه كَفَّاً مُخَضَّبا @@ فهذا بمعنى غضبان . وفي الحديث : " إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيف " أي : حزين ، ورجلٌ أَسِف : إذا قُصِد ثبوتُ الوصف واستقراره ، فإن قُصِد به الزمان جاء على فاعِل . قوله : { قَالَ : بِئْسَمَا } هذا جوابُ " لمَّا " وتقدَّم الكلامُ على " بئسما " ، ولكنَّ المخصوصَ بالذم محذوفٌ ، والفاعلُ مستتر يفسِّره " ما خَلَفْتموني " والتقدير : بئس خلافةً خَلَفْتمونيها خلافتُكم . قوله : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } في " أَمْرَ " وجهان أحدهما : أنه منصوب على المفعول بعد إسقاط الخافض وتضمين الفعل معنى ما يتعدى بنفسه ، والأصل : أَعَجِلْتُمْ عن أمر ربكم . قال الزمخشري : " يقال : عَجِل عن الأمر : إذا تركه غير تامَّ ، ونقيضه تَمَّ ، وأعجله عنه غيره ، ويُضَمَّن معنى سبق فيتعدَّى تعديتَه فيقال : عَجِلْتُ الأمر ، والمعنى : أعجلتم عن أمر ربكم " . والثاني : أنه متعدٍّ بنفسه غيرَ مضمَّنٍ معنى فعل آخر . حكى يعقوب " عَجِلْتُ الشيء سبقته " وأعجلت الرجل استعجلته ، أي : حملتُه على العَجَلة " . قوله : { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } فيه ثلاثة أوجه ، أحدُها : أن الجملةَ حالٌ من ضمير موسى المستتر في " أخذ " ، أي : أخذ جارَّاً إليه . الثاني : أنها حال من " رأس " قاله أبو البقاء وفيه نظرٌ لعدم الرابط . الثالث : أنها حال من " أخيه " قال أبو البقاء : " وهو ضعيفٌ يعني من حيث / إن الحال من المضاف إليه يَقِلُّ مجيئُها أو يمتنعُ عند بعضهم . قلت : وقد تقدم غيرَ مرة أن بعضَهم يُجَوّزه في صورٍ هذه منها ، وهو كونُ المضافُ جزءاً من المضاف إليه . قوله : { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } قرأ الأخَوان وأبو بكر وابن عامر هنا وفي طه بكسر الميم والباقون بفتحها . فأمَّا قراءة الفتح ففيها مذهبان : مذهبُ البصريين أنهما بُنيا على الفتح لتركُّبهما تركيب خمسة عشر ، فعلى هذا فليس " ابن " مضافاً لـ " أم " بل مركَّب معها فحركتُهما حركةُ بناء . والثاني : مذهب الكوفيين وهو أن " ابن " مضاف لـ " أُمّ " و " أم " مضافة لياء المتكلم ، وياء المتكلم قد قلبت ألفاً كما تقلب في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم نحو : يا غلاماً ، ثم حُذِفَتْ الألفُ واجْتُزِئ عنها بالفتحة كما يُجْتَزَأُ عن الياء بالكسرة ، فحينئذ حركة " ابن " حركةُ إعراب وهو مضاف لـ " أُمَّ " فهي في محلِّ خفضٍ بالإِضافة . وأما قراءةُ الكسر فعلى رأي البصريين هو كسرُ بناءٍ لأجل ياء المتكلم ، بمعنى أنَّا أَضَفْنا هذا الاسمَ المركب كلَّه لياء المتكلم فكُسِر آخرُه ، ثم اجتُزِئ عن الياء بالكسرة فهو نظير : يا أحَدَ عشري ثم : يا أحد عَشرِ بالحذف ، ولا جائز أن يكونا باقيين على الإِضافة إذ لم يَجُزْ حَذْفُ الياء لأن الاسمَ ليس منادى ، ولكنه مضافٌ إليه المُنادى فلم يَجُزْ حَذْفُ الياء منه . وعلى رأي الكوفيين يكون الكسرُ كسرَ إعراب وحُذِفت الياءُ مجتَزَأً عنها بالكسرة كما اجتزِئَ عن ألفها بالفتحة . وهذان الوجهان يَجْريان في " ابن أم " و " ابن عم " و " ابنة أم " و " ابنة عم " . فاعلم أنه يجوزُ في هذه الأمثلةِ الأربعةِ خاصةً خمسُ لغات ، فُصْحاهُنَّ : حَذْفُ الياء مجتزأ عنها بالكسرة ، ثم قَلْبُ الياءِ ألفاً فَيَلْزَمُ قَلْبُ الكسرةِ فتحةً ، ثم حَذْفُ الألف مجتزَأً عنها بالفتحة ، ثم إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة ، وأمَّا غيرُ هذه الأمثلة الأربعة ممَّا أُضيف إلى مضاف إلى ياء المتكلم في النداء فإنه لا يجوزُ فيه إلا ما يجوزُ في غير باب النداء لأنه ليس منادى نحو : يا غلامَ أبي ويا غلام أمي ، وإنما جَرَتْ هذه الأمثلةُ خاصةً هذا المجرى تنزيلاً للكلمتين منزلةَ كلمةٍ واحدة ولكثرة الاستعمال . وقُرئ " يابن أمي " بإثباتِ الياء ساكنةً ، ومثلُه قوله : @ 2300ـ يابنَ أُمِّي ويا شُقَيِّق نفسي أنت خَلَّفْتَني لدهرٍ شديدِ @@ وقول الآخر : @ 2301ـ يا بنَ أمي فَدَتْكَ نفسي ومالي … @@ وقُرئ أيضاً : " ابن إمِّ " بكسر الهمزة والميم وهو إتباعٌ . ومِنْ قَلْبِ الياءِ ألفاً قولُه : @ 2302ـ يا بنة عَمَّا لا تَلُومي واهْجَعي @@ وقوله : @ 2303ـ كُنْ لي لا عَليَّ يا بن عَمَّا نَدُمْ عَزِيزَيْنِ ونُكْفَ الذَّمَّا @@ قوله : { فَلاَ تُشْمِتْ } العامَّة على ضم التاء وكسر الميم وهو مِنْ أَشْمت رباعياً ، " الأعداء " مفعول به . وقرأ ابن محيصن " فلا تَشْمِتْ " بفتح التاء وكسر الميم ، ومجاهد بفتح التاء أيضاً وفتح الميم ، " الأعداءَ " نصب على المفعول به . وفي : هاتين القراءتين تخريجان ، أظهرهما : أن شمِت أو شَمَت بكسر الميم أو فتحها متعدٍّ بنفسه كأشمت الرباعي ، يقال : شمت بي زيدٌ العدوَّ ، كما يقال : أَشْمَتَّ بي العدو . والثاني : أنَّ " تَشْمت " مسندٌ لضمير الباري تعالى ، أي : فلا تَشْمت يا رب ، وجاز هذا كما جاز { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } ثم أضمر ناصباً للأعداء كقراءة الجماعة قاله ابن جني ، ولا حاجةَ إلى هذا التكلف لأنَّ " شمت " الثلاثي يكون متعدِّياً بنفسه ، والإِضمارُ على خلاف الأصل . وقال أبو البقاء في هذا التخريج ـ : " فلا تشمت أنت " فجعل الفاعلَ ضميرَ موسى ، وهو أولى من إسناده إلى ضمير الله تعالى . وأمَّا تنظيرُه بقوله { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } فإنما جاز ذلك للمقابلة في قوله : { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 14 ] وكقوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] ولا يجوز ذلك في غير المقابلة . وقرأ حميد بن قيس : " فلا تَشْمِت " كقراءة ابن محيصن ، ومجاهد كقراءته فيه أولاً ، إلا أنهما رفعا الأعداء على الفاعلية ، جعلا شمت / لازماً فرفعا به " الأعداء " على الفاعلية ، فالنهي في اللفظ للمخاطب والمرادُ به غيرُه كقولهم : " لا أُرَيَنَّك ههنا " ، أي : لا يكنْ منك ما يقتضي أن تَشْمت بي الأعداء . والإِشمات والشَّماتة : الفَرَح ببلِيَّة تنال عدوَّك قال : @ 2304ـ … والموتُ دون شماتَةِ الأعداء @@ قيل : واشتقاقُها مِنْ شوامِتِ الدابة وهي قوائمُها ؛ لأن الشماتةَ تَقْلِبُ قلبَ الحاسِد في حالَتَي الفرح والترح كتقلُّب شوامت الدابة . وتشميت العاطس وتَسْميته بالشين والسين الدعاء له بالخير ، قال أبو عبيد : " الشينُ أعْلى اللغتين " وقال ثعلب : " الأصلُ فيهما السين مِنَ السَّمْت ، وهو القصد والهَدْيُ " . وقيل : معنى تشميتِ العاطس بالمعجمة أن يُثَبِّته الله كما يثبت قوائم الدابة . وقيل : بل التفعيل للسَّلْب ، أي : أزال الله الشماتة به ، وبالسين المهملة ، أي : ردَّه الله إلى سَمْتِه الأول أي هيئته لأنه يحصُل له انزعاج . وقال أبو بكر : " يقال : سَمَته وسَمَت عليه ، وفي الحديث : " وسَمَّت عليهما " .